المخرج هشام شربتجي.. الحالم بتعلُّم الطيران.. حلَّق في الإخراج!

المخرج هشام شربتجي.. الحالم بتعلُّم الطيران.. حلَّق في الإخراج!

المخرج هشام شربتجي.. الحالم بتعلُّم الطيران.. حلَّق في الإخراج!


25/05/2023

زيد قطريب

لم يفشل هشام شربتجي في تحقيق حلم شبابه بأن يصبح طياراً، عندما اضطر إلى الانتقال من معهد الطيران بمصر إلى معهد الفنون والأدب المقارن عام 1967؛ فقد حلَّق بفن الإخراج لكن على طريقته الخاصة، وتمكن من نيل لقب “شيخ الكار”، وكان من المؤسسين للدراما السورية.

وُلد هشام شربتجي في دمشق عام 1948، وتوفي يوم السادس عشر من مايو 2023، بعد معاناة مع المرض. حصل على شهادة البكالوريوس من أكاديمية الفنون في القاهرة عام 1972، ثم أكمل دراسته في ألمانيا، فحصل على شهادة ماجستير في المسرح.

واشتُهر شربتجي بأعماله الاجتماعية الدرامية القريبة من هموم الناس وحياتهم؛ لكن انشغاله الدائم بالفن جعله يخسر علاقاته الاجتماعية الخاصة، فانفصل عن زوجته بعد أن أنجب عدة أبناء؛ منهم المخرجة رشا شربتجي، والمخرج والمصور يزن شربتجي.

وصفته الفنانة أمل عرفة بـ”صاحب الفضل على الكثير من الممثلين والممثلات”، ولقبه باسم ياخور بـ”صانع الضحكة”، وسمَّته شكران مرتجى بـ”صانع الفرح”، أما الفنان بسام كوسا فقال إن شربتجي “معلم الكار” بلا منازع.

بدأ شربتجي عمله في الإذاعة السورية، وفي بداية الثمانينيات انتقل إلى التليفزيون فأخرج برنامج “الأنيس والجليس”، ثم مسلسل “تليفزيون المرح”. ثم بدأ سلسلة “مرايا” الناقدة الكوميدية مع الفنان ياسر العظمة، والتي نالت شهرة واسعة في العالم العربي واستمرت أكثر من عشر سنوات.

وتقول الفنانة شكران مرتجى لـ”كيوبوست”: “هشام شربتجي ليس مخرجاً عادياً؛ إنه أستاذ بكل شيء، معلم في التصوير والمونتاج والكتابة والتمثيل أيضاً. لقد امتلك ميزة اكتشاف المواهب قبل أن ينتبه إليها أصحابها، وعرف كيف يصقلها وينمِّيها”.

وقدم شربتجي الكثير من الأعمال الكوميدية المهمة؛ مثل مسلسل “عيلة خمس نجوم” و”يوميات مدير عام” و”يوميات جميل وهناء” و”بطل من هذا الزمان” و”أنت عمري”، وعلى صعيد الدراما الشامية أخرج مسلسل “جرن الشاويش”.

ويقول الناقد الفني ماهر منصور، لـ”كيوبوست”: “على مدار سنوات طويلة، وبينما كانت مدرسة المخرج هيثم حقي (الشكل مضموني)، تمتد وتنتشر عبر تلاميذه من المخرجين الشباب في صناعة الدراما السورية، كان هشام شربتجي من خلال مدرسته الإخراجية (مدرسة الممثل) يصنع حضوره المختلف، ويشكل نموذجاً درامياً يخصه وحده، ويجسد في معظمه تنويعات فنية لمعنى “القليل هو الكثير”.

وأخرج شربتجي العديد من المسلسلات الاجتماعية الواقعية التي حاكت ظروف الناس وحياتهم اليومية ومعاناتهم، بالشراكة مع الكاتبَين حسن سامي اليوسف ونجيب نصير؛ منها “أسرار المدينة” و”أيامنا الحلوة”، و”رياح الخماسين” لأسامة إبراهيم، و”رجال تحت الطربوش” لفؤاد حميرة.

وحول اختلاف أسلوبه الإخراجي والينابيع التي نهل منها شربتجي، يقول الناقد الفني وسام كنعان لـ”كيوبوست”: “كان يطوِّع كل ما راكمه في الحياة لصالح الإخراج، وهذا سر أساسي في نجاحه؛ فقد قدم جميع خلاصات تجاربه وثقافته الحياتية، وكان يستفيد من سنوات طويلة أمضاها في الإذاعة، وهو المخرج الوحيد الذي يقوم بإجراء بروفات متعددة للمشهد، الأمر الذي يجعل الممثل يدخل في عمق الشخصية؛ فالبروفة الأولى للصوت فقط، أما الثانية فصوت وحركة، وفي الثالثة يسجل المشهد”.

واشتهر شربتجي بتطوير قدرات الممثلين واكتشاف مواهبهم وجعلهم يتفوقون على أنفسهم. يقول الناقد ماهر منصور:

“الكوميديا كانت مقام هشام الفني العالي، ومعه وأمام كاميرته كان المجد للممثل وحده.. فهي ساحة لعب للممثلين أرادها هشام مساحة حرية لهم، ولسان حاله يخاطبهم: (ارفعوا عنكم ثقل النص.. تحرَّروا من الشكل.. لا تكلُّف أمام ما تحبونه وتعشقونه.. اضحكوا لتطلع صوركم أجمل.. هذه الساحة لكم، وأنتم ملوكها..)”.

وتتحدث الفنانة شكران مرتجى عن نكران الجميل الذي تعرض له المخرج شربتجي ممن اكتشف مواهبهم ومهَّد لهم الطريق. تقول شكران: “أحبَّ هشام الحيوانات؛ لأنه لمس فيها الوفاء.. ولأنه عانى البخلَ في الوفاء، خصوصاً من الذين مهَّد لهم الطريق ونسوا ما فعله لأجلهم.. هشام شربتجي مدرسة..”.

وتعتبر المهارة ومتابعة التطورات التكنولوجية على صعيد تقنيات التصوير، من مميزات شربتجي، فقد دأب على العناية بالصورة إلى أبعد الحدود؛ لأنه كان شغوفاً بجودة العمل. وقد شدته الكاميرا للنزول إلى واقع الحياة واقتحام العشوائيات بكل ما فيها من أوجاع، وكان من الرائدين في هذا العمل. يقول الناقد وسام كنعان:

“شربتجي أول مَن ترك الحرية للكاميرا لتتوغل في العشوائيات، وكان شريكاً مهماً لحسن سامي اليوسف ونجيب نصير. وحسن هو شيخ كار كتاب السيناريو وأكثرهم خبرة. وهو من أكثر المخرجين المغامرين؛ وقد غامر بإعطاء باسل خياط بطولة مطلقة في أول ظهور له في مسلسل (أسرار المدينة)، وأيضاً غامر بعبدالمنعم عمايري وديمة بياعة.. وكان شريكاً في تكريس نجومية خالد تاجا”.

هشام شربتجي، مدرسة متكاملة في الإخراج، حاول الإلمام بجوانب الحياة المختلفة؛ بدءاً من الكوميديا إلى الواقعية الاجتماعية المُرَّة، وراهن دائماً على صدمة الصورة بصراحتها وواقعيتها وفنيتها العالية. تختم الفنانة شكران مرتجى:

“هشام شربتجي.. يا نسَّاج الحكايات الماهر.. أيها الدمشقي العتيق، نم قرير العين، فأنت من النادرين الذين لا يطويهم النسيان”.

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية