المسألة الإيرانية... معضلة إقليمية تستوجب معالجة جذور التأزيم والهشاشة

المسألة الإيرانية... معضلة إقليمية تستوجب معالجة جذور التأزيم والهشاشة

المسألة الإيرانية... معضلة إقليمية تستوجب معالجة جذور التأزيم والهشاشة


21/11/2023

ما فتئت منطقة الشرق الأوسط تشهد حالةً من عدم الاستقرار، ناتجة عن الانفجار المفاجئ والمتتالي للأزمات والنزاعات الكامنة، والتي ما يزال معظمها عصيّاً على الحلول السياسية، وتُهدّد هواجس الانزلاق المفاجئ إلى الأزمات مسيرة التنمية المستدامة، وتُنذر بتقويض الاستقرار الذي يُعدُّ شرطاً ضرورياً للتنمية الاقتصادية والاستثمار.

وتعود جذور العديد من حالات الانزلاق المفاجئ نحو الأزمة إلى مُعضلتين رئيستين: القضية الفلسطينية، والمسألة الإيرانية؛ فما تزال إسرائيل تواصل احتلال الأراضي الفلسطينية، وتوسع عمليات الاستيطان فيها، خلافاً للشرعية الدولية، بحسب دراسة نشرها (مركز الإمارات للدراسات) للباحث محمد الزغول بعنوان: "المسألة الإيرانية بوصفها "معضلة إقليمية": معالجة جذور التأزيم والهشاشة والتنمية المعاقة.

وتناولت الدراسة مُقاربة المعضلة الإيرانية باعتبارها أحد المصدرين الرئيسين للهشاشة الإقليمية، لتقييم تأثير المسألة الإيرانية على الرؤى التنموية الإقليمية، وعلى موقع الشرق الأوسط الكبير في النظام العالمي المُتكوِّن، وتقديم التوصيات والحلول المقترحة لتفكيك هذه العقدة.

المسألة الإيرانية: الإشكاليّات المُعزِّزة للهشاشة الإقليمية

الدراسة لفتت إلى أنّ أيّ حلول أو تسويات أو رؤى مستقبلية إقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، من الصعب أنْ تصمد كثيراً ما لم تأخذ بالحسبان طبيعة التأثير الإيراني، وخصوصية مؤسسات النظام الإيراني السياسية، والاقتصادية، والعقائدية، والعسكرية، وآليات صناعة قراراته الاستراتيجية.

وأشارت إلى الجهود التي بذلتها مختلف القوى الإقليمية والدولية على مدار العقود الماضية من عمر الثورة، على إدماج إيران في نسق تعاوني إقليمي، عبر مبادرات ومقترحات متنوعة بهدف التوصل إلى تفاهمات ثنائية، أو متعددة الأطراف. 

وقد أبدت إيران كذلك رغبتها بالحوار، واقترحت التوصل إلى "هيكل أمني إقليمي"، ويُشكِّل التفاهم السعودي-الإيراني الذي تمّ التوصل إليه بوساطة صينية مُؤخّراً أحد آخر النماذج المشجعة لتلك المحاولات. 

أيّ حلول أو رؤى مستقبلية إقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، من الصعب أنْ تصمد كثيراً ما لم تأخذ بالحسبان طبيعة التأثير الإيراني

ومن الإشكاليات التي ظلت تعيق التوصل إلى حلول جذرية للمسألة الإيرانية، بحسب الدراسة، ممارسة إيران السياسة ضمن مستويات دون الدولة، والمخاطر الناشئة عن التعاون العسكري الإيراني-الروسي، فضلاً عن عسكرة الاقتصاد الإيراني، والحرب الباردة الإيرانية-الإسرائيلية، وأيضاً ازدواجية مراكز اتخاذ القرار الإيراني، إلى جانب ترسُّخ ظاهرة النفط المنفلت.

الدور المطلوب عربيّاً وإقليميّاً ودوليّاً

وعلى الرغم من طبيعة السلوك الإيراني التي تبدو إشكاليّةً في العديد من المجالات، إلّا أنّ ذلك لا يُعفي الأطراف الإقليمية من المسؤولية تجاه استمرار حالة الانغلاق في المسألة الإيرانية على مدار العقود الـ (4) الماضية.

وشدّدت الدراسة على ضرورة الإقرار بأنّ جميع الأطراف مقصرون في استمرار هذه الحالة، سواء كان ذلك نتيجة الانفعال، أو التجاهل، أو عدم امتلاك المبادرات الشاملة، والجماعية، والاقتصار على محاولات الحلّ المقطعي، والمسارات الثنائية لتطبيع العلاقات، وأحياناً الانخراط في "سياسات المحاور الإقليمية" التي لم تفعل شيئاً أكثر من تعميق تلك الإشكاليّات.

تعود جذور العديد من حالات الانزلاق المفاجئ نحو الأزمة إلى مُعضلتين رئيستين: القضية الفلسطينية، والمسألة الإيرانية.

وبحسب الدراسة، فإنّ معظم الفاعلين في الشرق الأوسط لديهم خشية من المقاربات الجماعية؛ إذْ ارتبطت المقاربات الجماعية دائماً بالفشل، وعدم الفاعليّة، والنتائج الشكليّة. وهذا قد يكون صحيحاً جُزئيّاً، لكنّ المنطقة اليوم تواجه قائمة طويلة من التحديات المشتركة التي لا يمكن بأيّ حال مقاربتها بالحلول المنفردة، ولا المسارات الثنائية، ولا حتى بالتحالفات القائمة على فكرة المحاور.

كما لفتت الدراسة إلى ضرورة ممارسة العمل الجماعي الذي لا يستثني أحداً، ولا بدّ من إيجاد طاولات للحوار تتّسع للجميع. ولعلّ التحدي المُناخي أحد الأمثلة البارزة التي ينبغي للجميع الانخراط في مسار مشترك لمواجهتها. ويتيحُ انعقاد مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 28)، أواخر هذا الشهر في الإمارات، فرصةً ثمينةً لاختبار هذا النوع من المقاربات.

هذا وتثبت الأحداث والأزمات التي تنفجر مرةً بعد مرة، بحسب الدراسة، أنّه من الخطأ تصوُّر إمكانية الخروج من هذا الفضاء الإشكالي من دون مقاربة شاملة، تتضمن معالجة كل الملفات ضمن مسار مُتعدِّد الأطراف، وبحيث لا يغيب عنه أيٌّ من الفاعلين المؤثرين في المشهد الإقليمي. 

وسيكون من الخطأ أيضاً تصوُّر إمكانية نجاح الحلول التي تحاول الأطراف الدوليّة المؤثّرة فرضها في إدارتها للمشهد الإقليمي؛ إذ تُبيّن التجربة أنّ الحلول الدولية المفروضة لا تؤدي إلّا إلى مفاقمة حالة الاستقطاب في المنطقة، وتُنذر بتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة صراع للمشاريع الجيوسياسية الدولية. 

تُبيّن التجربة أنّ الحلول الدولية المفروضة لا تؤدي إلّا إلى مفاقمة حالة الاستقطاب في المنطقة

الدراسة أكدت أيضاً على ضرورة مقاومة انزلاق المنطقة إلى منطق اللعبة الإيرانية القائمة على تفعيل دور الميليشيات والوكلاء المحليين من مستوى ما دون الدولة، داعية إلى ابتكار الحلول التي من شأنها جرّ النظام الإيراني إلى منطق الدولة. 

ولن يكون ذلك مُمكناً إلا عَبْر طرح طاولة مصالح مشتركة، لا يكون بمقدور إيران أن تغضّ الطرف عنها، أو تنقلب عليها، ولا بدّ أن تحمل تلك المصالح وزناً استراتيجياً يفوق الإغراءات الاقتصادية، وأن تستجيب لهواجس النظام الإيراني الدفاعية المشروعة، وخاصة تلك المتعلقة بالتهديدات الوجودية، وأن تتضمن آليات عمل إقليمية تأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحييد الفاعلين دون الدولة. 

الدراسة أكدت على ضرورة مقاومة انزلاق المنطقة إلى منطق اللعبة الإيرانية القائمة على تفعيل دور الميليشيات والوكلاء المحليين

وترى الدراسة أنّ  تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلب ترويض النزعة الثورية في النظام الإيراني، ومساعدة إيران والنظام الإيراني على التحوُّل إلى "دولة طبيعية"، وصولاً إلى تكريس "الوضع الطبيعي" في الشرق الأوسط.

هل يُشكِّل "كوب 28" فرصة لتجاوز الهشاشة في الفضاء الإقليمي؟

تعتبر الدراسة أنّ المُقترح الأساسي الذي يمكن تقديمه في هذا السياق هو العمل على الذهاب التدريجي نحو بلورة "نظام تعاون إقليمي" يتضمّن مصالح أمنية واقتصادية مشتركة للجميع، ويتضمّن آليات إقليمية لفضّ النزاعات، على أن تكون مدعومة بقرارات أممية، وتأييد دولي لضمان التزام الأطراف بمخرجاتها. وقد تبدو هذه الفكرة مثاليّة، وحالمةً، وذلك في ظلّ اختلال توازن القوى، واحتمالية عدم استجابة إيران (الدولة العميقة) لها. 

لكنْ يجب الأخذ بالحسبان أنّ اللحظة التاريخية مؤاتية لإنجاز هذه الخطوة، في ضوء التقارب غير المسبوق بين مؤسسة الدولة، ومؤسسات الدولة العميقة في إيران؛ ممّا يجعل التفاوض مع الجهاز الدبلوماسي لحكومة إبراهيم رئيسي ذا جدوى محتملة أكثر من جميع المحاولات السابقة.

يوفّر انعقاد مؤتمر المناخ "كوب 28" في دولة الإمارات العربية المتحدة فرصةً ذهبيّةً لاختبار نجاعة العمل الإقليمي المشترك

ويوفّر انعقاد مؤتمر المناخ "كوب 28" في دولة الإمارات العربية المتحدة فرصةً ذهبيّةً لاختبار نجاعة العمل الإقليمي المشترك عبر البحث، مثلاً في إمكانية إنشاء "أمانة عامة للإدارة الإقليمية لأزمة المناخ في دولة الإمارات العربية المتحدة"، واستخدام "دبلوماسية المناخ" لممارسة تجربة التعاون الإقليمي الشامل برعاية دولية.

الدراسة خلصت إلى أنّ التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تنذر بتحوُّل المنطقة إلى بؤرة أزمات، يُعاد إنتاجها باستمرار، وتؤدي إلى إعاقة مسيرة التنمية المستدامة في المنطقة، ورفع تكاليف الأمن البشري، وأمن رؤوس الأموال. 

كما تُنذر بتأزيم المساحات الآمنة، وتهديد المساحات المزدهرة، عبر تسرُّب الصراعات والأزمات، من بؤرها الراهنة إلى النطاقات الإقليمية الأوسع، وبما يضع المنطقة برمّتها تحت أولوية الهواجس الأمنية.

مواضيع ذات صلة:

روسيا و"طوفان الأقصى": تحالف علني مع إيران وقنوات سرية مع إسرائيل

القضاء ينهي عضوية الحلبوسي في البرلمان... ما دور إيران في ذلك؟

الحرس الثوري الإيراني يعود إلى الخرطوم عبر بوابة الإخوان.. ما التفاصيل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية