المسيّرات والتبشير الإيراني إلى المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي

المسيّرات والتبشير الإيراني إلى المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي

المسيّرات والتبشير الإيراني إلى المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي


15/03/2023

علي حمادة

رغم أن الاتفاق السعودي - الإيراني بوساطة صينية، قد يفتح أبواباً لخفض التوتر في المنطقة بين إيران والمحور العربي الذي تقوده دول الخليج، فإن بوادر توتر تثيرها السياسة الإيرانية تتعاظم في الجانب الآخر من العالم العربي، وبالتحديد في المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي. فيوماً بعد يوم تتزايد المعلومات التي تشير إلى أن طهران بدأت ترسل إلى تنظيم "جبهة بوليساريو" الانفصالي في الصحراء المغربية ومنطقة تيندوف جنوب الجزائر  أعداداً من الطائرات المسيرة لم تعرف طرازاتها، بما ينذر بنسف حالة التهدئة النسبية التي تسيطر على المنطقة، رغم التوتر الكبير الذي يسود علاقات المغرب والجزائر، راعية "بوليساريو" منذ نشوئها.

وفي هذا الصدد، أعلنت الرباط منذ أشهر أن إيران تنشر طائرات مسيرة في شمال أفريقيا، بما يشكل تهديداً مباشراً للمغرب. وسبق في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وعلى هامش جلسة لمجلس الأمن حول قضية الصحراء، أن صرح مندوب المغرب عمر هلال بأن "بوليساريو" تفتح لإيران و"حزب الله" طريق التوغل في شمال أفريقيا، وأنه أصبح لإيران ولذراعها اللبنانية وجود في منطقة تيندوف جنوب الجزائر، حيث قيادة "بوليساريو"!

غير أن المقلق أن توريد المسيرات إلى منطقة يشوبها في الأصل توتر بين بلدين رئيسيين في المغرب العربي، من شأنه أن يرفع من مخاطر المواجهة إن لم يتم احتواء المسألة عبر الدبلوماسية النشطة، لا سيما بعدما تبين ما يمكن أن تتسبب به المسيرات الإيرانية من مخاطر وأضرار على المدن والبلدات والمنشآت الحيوية، كما حصل ويحصل في الحرب في أوكرانيا. من هنا الخطر الكبير من نشوب نزاع كبير في منطقة يعيش أصلاً بلدان رئيسيان فيها على حافة الصدام المسلح. 

وما يعزز من المخاوف أن "حزب الله" متهم منذ أعوام طويلة بأنه يقوم بتدريب مسلحين ينتمون إلى "جبهة بوليساريو" في معسكراته في لبنان، ما حدا بالسلطات المغربية قبل ثلاثة أعوام إلى أن توقف خط الطيران المدني بين المغرب ولبنان لأسباب أمنية. 

إذاً هنا أحد أسس الوظيفة الأمنية الخارجية التي يؤديها "حزب الله" نيابة عن إيران في مسارح توتر جيوسياسية في العالم العربي وخارجه. والأمر يستدعي تساؤلات كبيرة حول قدرة الحكومة اللبنانية على ضبط هذا النوع من الأنشطة التي تهدد أمن الدول العربية التي تستهدفها إيران بالواسطة واستقرارها. ويستدعي أيضاً تساؤلات عن موقف الجزائر ودورها. بطبيعة الحال لا أحد ينتظر أن تتراجع إيران عن سياساتها التدخلية والتوسعية في العالم العربي، ولكن الجميع ينتظر من لبنان الدولة أن يفعل شيئاً لمنع "حزب الله" الذي يشارك في جميع الحكومات ويمتلك كتلة في البرلمان أن يرتدع عن الاعتداء على دول عربية مثل المغرب. كما ينتظر من الجارة الكبيرة الجزائر أن تتصف بسلوكيات أكثر مسؤولية لمنع هذا النوع من الانزلاقات الخطيرة على أمن الجميع. 

صحيح أن للمغرب خلافات مع الجزائر، وهي في أصل مشكلة "بوليساريو" التي تدين للجزائر بالولاء التام. لكن ما هو موازٍ لمسؤولية الجارين في تلافي الصدام، يكون مسؤولية طرف من خارج الإقليم (إيران و"حزب الله") في تسعير الموقف المتأزم بما فيه الكفاية، علماً أنه أصلاً ما كان ليصل إلى حد توريد المسيرات إلى تنظيم "بوليساريو" لولا موافقة الدولة الراعية! 

في مطلق الأحوال، يمثل تسليح تنظيم "بوليساريو" بمسيرات إيرانية، شبيهة بتلك العاملة في أوكرانيا، خطراً كبيراً في منطقة شمال أفريقيا والساحل التي باتت مسرحاً مفتوحاً أمام اختراقات تنظيمات متطرفة تتحرك بحرية شبه تامة بين الصحراء الليبية ومالي والنيجر، فضلاً عن مرتزقة مجموعة " فاغنر" الروسية الذين يوسعون نطاق نفوذهم في دول منطقة الساحل على أنقاض النفوذ الفرنسي المتهالك. 

لكن ما هو أخطر من كل ما تقدم، هو هذا التمدد التبشيري الإيراني الذي يرافق التورط في ساحات التوتر في المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي. المشروع بشقيه العسكري والأمني في تطور مطرد، والمسار التبشيري المذهبي سائر على قدم وساق بفعل المغريات التي تقدم في سبيله، بما يهدد البعد التاريخي والثقافي والعقيدي في هذه المنطقة الحساسة من القارة الأفريقية. فإذا كانت مجموعة "فاغنر" تتسلل إلى المغرب العربي عسكرياً وأمنياً من البوابة الجزائرية، ومنها عبر ساحة الصحراء المغربية وصولاً إلى دول الجوار، فإن المشروع الإيراني يتسلل على مستوى يهدد بإحداث تغييرات عميقة في مجتمعات المنطقة التي يتشكل قسم رئيسي منها من قبائل رحّل وحضر، ودولها ضعيفة وفقيرة وعاجزة عن السيطرة بإحكام على كامل مساحاتها. 

لا بد من سياسة إقليمية جديدة تجمع بين دول المنطقة الرئيسية، لا سيما المغرب والجزائر، هدفها حل الخلافات بأي ثمن، لأن ترك التوترات على غاربها من دون معالجة سيشكل الخطر الأكبر على استقرار المنطقة. إنها مسؤولية مشتركة، ويقيناً أنها تبدأ أولاً بمسارعة الجزائر إلى حل عقدة الصحراء المغربية والجلوس إلى طاولة تفاوض بنية بناءة مع جارتها من أجل وضع الملفات الشائكة الأخرى على بساط البحث. فالجزائر لن تستفيد من بلوغ إنفاقها العسكري مستويات فلكية على حساب تمويل برامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تحتاجها بمقدار ما تحتاجها دول المغرب العربي الثلاث. فالحرب لن تقع. 

أقله أن تتمثل الجزائر بحليفتها إيران وتُعلي خيار حل الأزمات مع جارتها بوسائل عقلانية وخلاقة. هكذا يخرج الجميع رابحين.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية