المظلومية التاريخية لدى الإخوان.. معضلة التأسيس للإيديولوجيا والتنظيم بعد حسن البنا

المظلومية التاريخية لدى الإخوان.. معضلة التأسيس للإيديولوجيا والتنظيم بعد حسن البنا

المظلومية التاريخية لدى الإخوان.. معضلة التأسيس للإيديولوجيا والتنظيم بعد حسن البنا


24/07/2023

بات من الواضح للمتمعن في تاريخ جماعة "الإخوان المسلمين" أنّها تتقن جيّداً خطاب المظلومية كلّما ضاق عليها الخناق، باعتباره واحداً من أبرز أدوات الحشد التي تمتلكها اليوم، برغم أنّه فقد تأثيره منذ زمن، بسبب انكشاف أغلب ألاعيبها.

وبحسب نشاط الجماعة على مرّ التاريخ، يمكن توثيق أنّ صدام الجماعة التقليدي مع الحكومات السياسية خلال (9) عقود، الأمر الذي رافقها على مدار تاريخها، لم يترك أثره المباشر والفوري على رأسمالها الرمزي الخاص إلا مع لحظة وفاة المؤسس حسن البنا، لتمرّ بعدها إلى هذه الكتل النفسية (المظلومية)، تحت وطأة الأزمات التنظيمية والسياسية، ثم توظيفها الاستراتيجي بعد فترة وجيزة من وفاة البنا، بحسب قراءة تحليلية لخطاب الإخوان بعد حسن البنا.

التحليل الذي كتبه الكاتب كريم شفيق، ونشره موقع (قنطرة) تحت عنوان "الإخوان المسلمون وخطاب المظلومية... إخوان ما بعد حسن البنا: معضلة التأسيس الثاني للإيدولوجيا والتنظيم"، تناول مفهوم المظلومية الذي احتل موقعاً مركزياً في الأدبيات الإخوانية، كونه يساهم في تجسير الصلات وتمتين العلاقات بين كوادر وعناصر التنظيم.

حتمية المحنة في تجربة الدعوة

المقال التحليلي لفت إلى وجود جذور وشروط مؤسّسة للمظلومية في رسائل البنا، الذي ألمح فيها (25 رسالة) إلى أنّ الصدام مع الأنظمة السياسية أمر محتوم، ومن ثم، حدوث الخصومة وتوقع النتائج والمآلات الصعبة. واستند إلى ما قاله البنا في رسالته: "بين الأمس واليوم": "أحب أن أصارحكم أنّ دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية".

وعرج البنا، بحسب المصدر نفسه، في الرسائل ذاتها على حتمية المحنة في تجربة الدعوة وفق ما جاء في رسالة "التعاليم"، التي تحمل إنذاراً بالعنف الموجه ضد المجتمع الذي يقف ضدهم، فيقول: "الإخوان المسلمون سيستخدمون القوة العملية، حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنّهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أوّلاً، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضا وارتياح".

وقد أثار انتباه الكاتب أنّه في الفترة بين عامي 1949 و1954، وهي اللحظة التي أعقبت وفاة البنا بعام، وامتدت حتى الصدام مع سلطة تموز (يوليو) الجديدة والناشئة بعد سقوط الملكية في مصر، سجلت وفرة في كتابات الإخوان بوساطة مجموعة من الكوادر التنظيمية، وتنامت مساهماتهم على أكثر من مستوى.

وطوال حياته كان مؤسس الإخوان هو الذي يقرر كل شيء، وهو الذي يحدد خط التنظيم في ضوء تطورات الموقف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والدیني. ولم يكن هذا الإنتاج الذي تركه كافياً، بحال من الأحوال، لمعالجة كل المشاكل والتحديات التي واجهها الإخوان بعد موته، خاصة خلال محنة عام 1954.

أدلجة الصراع مع السلطة وتصنيف نظام عبد الناصر وحكومته بأنّها "جاهلية"

يرى الكاتب المصري أنّ أزمة عام 1954، وانتقال الجماعة من حليف للنظام، بل ورديف سياسي له، إلى خصم، كشفت عن معضلة المحنة الكبرى المتمثلة في ضعف وعدم إمكانية التعاطي مع هذا الصراع من الناحيتين السياسية والإيديولوجية.

ولذلك، كان سيد قطب هو الذي ملأ هذا الفراغ الإيديولوجي من خلال مؤلفاته النظرية التي كتبها بالسجن في الفترة بين عامي 1954 (عندما تم اعتقاله أول مرة) و1964 (عندما أطلق سراحه لفترة وجيزة، ليعاد القبض عليه مرة أخرى وتجرى محاكمته وينفذ فيه حكم الإعدام عام 1966).

البنا ألمح في رسائله إلى أنّ الصدام مع الأنظمة السياسية أمر محتوم، ومن ثم حدوث الخصومة وتوقع النتائج والمآلات الصعبة

وبحسب استقراء الكاتب، فقد نجح سيد قطب في توظيف فكرة المظلومية في سياق آخر وعلى مستوى حركي أكثر عمقاً وتنظيماً، حيث أضحت المحنة التي سيتم التأصيل النظري لها في التأسيس الثاني للجماعة من خلال ما سيعرف بـ "فقه الابتلاء" و"فقه الثبات" و"فقه المحنة"، ضرورة أو عتبة رئيسية للوصول إلى مرحلة التمكين. أي تمكين الفئة المصطفاة الثابتة التي لم تهتز الأرض أسفلها، أو تتعرض لخرق في ما يخص إيمانها العقيدي، وفق التعبير القرآني: "وليمحص الله الذين آمنوا".

واستندت القراءة التحليلية إلى حادثة المنشية التي حاول من خلالها الإخوان تدبير عملية اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، ليتم إلقاء القبض على سيد قطب وآخرين، وقد حُكم عليه بالمؤبد، قضاها بين سجن طرة والمستشفى الملحق به.

وفي هذه الفترة عكف قطب على كتابة تفسيره للقرآن تحت عنوان "في ظلال القرآن"، بل إنّه نشر مؤلفه في صورة كُتيّب وطبعه في القاهرة، فضلاً عن كتابات أخرى عديدة. كما بدأ في عام 1962 كتابة الفصول الأولى من كتاب "معالم في الطريق".

"في ظلال القرآن" لسيد قطب

ولاحقاً بعد الإفراج عنه، تم ضبط نسخ من "معالم في الطريق"، في كل المنازل التي جرت مداهمتها.

وكتاب سيد قطب "معالم في الطريق" يُعدّ بمثابة وثيقة نظرية تعكس حدود وأطر الصراع الإيديولوجي الذي تشكل بين الجماعة (جناحها القطبي تحديداً الذي سيتشكل لاحقاً ويتبنى تلك الأفكار والمقولات المتشددة والراديكالية) من جهة، والنظام والدولة المصرية في عقود لاحقة وممتدة من جهة أخرى. وقد تضمن الكتاب جملة المبادىء التي عدّها الإسلاميون الحركيون بمثابة البرنامج العام (أو المينافستو) الذي التزمت به أجيال عدة من الإسلام السياسي.

نجح سيد قطب في توظيف فكرة المظلومية في سياق آخر وعلى مستوى حركي أكثر عمقاً وتنظيماً

ويُعدّ كتاب "معالم في الطريق" وثيقة نظرية تعكس حدود وأطر الصراع الإيديولوجي بين الجماعة  من جهة، والنظام والدولة المصرية" من جهة أخرى، وقطيعة تامة مع منهج البنا.

ولئن كانت "الجاهلية" نقطة الانطلاق المحورية التي اعتمد عليها قطب لتحقيق أهدافه النظرية والعملية، فإنّ ذلك عنى، بحسب المقال، التطبيق القسري داخل المجتمع المعاصر الذي هو بالأساس "صورة متطورة لهذه الجاهلية"، وخلق "العصبة المؤمنة" و"الجيل القرآني" الذي يقف على مسافة حادة وحيادية تجاه مجتمعه في حالة من "العزلة الشعورية"، دون ارتباط عضوي أو انتماء أو التماس هوية فيه.

مواضيع ذات صلة:

التجسس عند حسن البنا: خطيئة الآخرين فقط!

هل اغتال الإخوان حسن البنا؟

كيف صار حسن البنا أقوى منوّم مغناطيسي في مصر؟

الصفحة الرئيسية