المناخ السياسي في الجزائر الآن: أفق غامض والكثير من الضبابية

المناخ السياسي في الجزائر الآن: أفق غامض والكثير من الضبابية


10/11/2020

كشف ناشطون سياسيون وخبراء عن خطط جزائرية لتشكيل حكومة جديدة وقانونَين أساسيين وترسانة ورشات، بعد أيام من تمرير الدستور الجديد.

 وتتباين آراء من تحدثوا لـ "حفريات" بشأن دلالات الإفراج المثير للجدل عن مسؤولين حكوميين تورّطوا في قضايا فساد، وقادم المحاكمات التي تشمل كبار الوجوه المحسوبة على مرحلة الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.

ويرى عمار خبابة، القيادي في حزب "جبهة العدالة والتنمية" بضرورة التريّث إلى "حين ترسيم المجلس الدستوري" لنتائج الاستفتاء الأخير الذي شهد مشاركة 23.7% من الناخبين، وتأييد 66.8 من المصوّتين للدستور الجديد.

وقال "خبابة": "ستأتي مرحلة أخرى بعد الإعلان الرسمي، تتمثّل في إصدار الدستور ونشره في الجريدة الرسمية من طرف رئيس الجمهورية، على أن تتلو ذلك مرحلة تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب".

وأبدى الرجل الثاني في تشكيلة الزعيم الإسلامي، عبد الله جاب الله، أمله في عودة الرئيس عبد المجيد تبون، الغائب بسبب المرض منذ 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتمنى خبابة أن يقترن رجوع الرئيس من رحلة العلاج إلى ألمانيا بـ "مباشرة الإصلاحات المنصوص عليها والتي تجد أرضيتها في التعديل الدستوري".

الأفق غامض، وهناك الكثير من الضبابية، والشعب الجزائري ما يزال يتطلّع إلى تغيير جدّي، لا التزيينات والايهام بالتغيير. الجزائريون يطالبون بتغيير العقليات والمواثيق

وعن توقّعاته لما يلفّ الشوط القادم في الجزائر، تكهّن خبابة بتعيين حكومة جديدة بعد نشر الدستور الجديد، على نحو يعني نهاية مهمة حكومة رئيس الوزراء، عبد العزيز جراد، عشرة أشهر بعد تشكيلها، مطلع الشتاء الماضي.

وأشار المحامي المخضرم إلى أنّ "ثاني حكومة في عهد تبون ستكون سياسية ومشكّلة من مختلف التيارات، على الأقل الأحزاب التي شاركت في الحملة الدعائية للدستور".

اقرأ أيضاً: الجزائر: مقاطعة الاستفتاء نكسة لاذعة لـ "النظام"

ونوّه خبابة إلى أنّ المرحلة القادمة في الجزائر سيكون عمادها التوافق، مبدياً قناعته بأنّ ما أغفله الدستور سيظهر في قانون الانتخابات الجديد، وحزمة قوانين أخرى، في خطوات تروم طمأنة الجزائريين أكثر، وعلى نحو سيتيح استيعاب قوى سياسية غرّدت خارج سرب المرحلة الماضية.

وينوّه محدثنا إلى أنّ "قانون الانتخابات بثوبه الجديد لو ينجح في افتكاك قبول تيار عريض من الطبقة السياسية المحلية، سيسمح بذهاب قوي نحو الانتخابات التشريعية، المزمعة في ربيع 2022، ثمّ المحليات المرتقبة في خريف السنة ذاتها، بما سينتج برلماناً تمثيلياً بتيار عريض ومجالس منتخبة قوية".

وصفة قلب الموازين

يربط عمر خبابة ما تقدّم بتدارك "الباب العالي" لتركيبة "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات"، عبر ضمّ ممثلي المجتمع المدني والنقابات التمثيلية، ويرى الوجه القيادي في جبهة العدالة والتنمية؛ أنّ الخطوة ممكنة بموجب القانون الأعلى في البلاد، الذي يمنح لرئيس الجمهورية صلاحية تعيين رئيس وأعضاء سلطة الانتخابات

وفي طرح مستحدث يراه كفيلاً بتجاوز حالة الامتناع الانتخابي التي تكرّست في الاستفتاء الأخير، يقول خبابة: "إذا تمّ تنصيب المرصد الوطني للمجتمع المدني واستطاع الأخير استقطاب جمعيات المجتمع المدني سيصبح قاطرة تتمتع بمكانة، خصوصاً إذا جرى تفعيل عقلية التوافق والاستقطاب، ستشارك فئات مجتمعية، بقاعدتها العريضة، في اقتراعَي البرلمان ومجالس البلديات والمحافظات".

اقرأ أيضاً: تمرير تعديلات الدستور الجزائري والنسبة غير متوقعة

ويتوقع خبابة أن يكون ذلك إيجابياً وأن يعود بالفائدة على الجزائر، حيث سيقلّل، بحسبه، من التشنّجات والاضطرابات، وسيمكّن من دخول عهد جديد يستبعد ما سمّاه "حكم الأقليات"، ويرسّخ "معالم سلطة شرعية تتوافق مع كافة الأطياف"، على حدّ تعبيره.

الناشط السياسي فاتح ربيعي لـ"حفريات": منذ رحيل القائد السابق للجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، صرنا نسمع بإطلاق سراح متورطين في الفساد وعدم محاكمتهم

في المقابل؛ يذهب فاتح ربيعي، منسّق الفضاء الجزائري للحريات، إلى أنّ "لا شيء تغيّر في الجزائر"، مضيفًا: "ما قبل الدستور وما بعده سيان؛ حيث كنا ننتظر دستوراً توافقياً، لكن لم يتم الأخذ بالمقترحات، وجرى تمرير الدستور على منوال ما تمّ لدساتير سابقة، وبطريقة لم تلبِّ طموحات الجزائريين، بما زاد من اليأس والقنوط والعزوف عن العمل السياسي".

وتابع الرئيس السابق لحركة النهضة: "الأفق غامض، وهناك الكثير من الضبابية، والشعب الجزائري ما يزال يتطلّع إلى تغيير جدّي، لا التزيينات والايهام بالتغيير"، مستطرداً: "الجزائريون يطالبون بتغيير العقليات والمواثيق وغيرها من القوانين الناظمة للحياة السياسية". 

"خيبة" التعديل و"تحدّي" الورشات 

يؤكّد فاتح ربيعي حاجة الدستور المعدّل إلى مراجعة، ويتحجّج بأنّ "أكثر من ثلثَي الناخبين لم يصوتوا"، وهو ما يعني ثلثي الوعاء الانتخابي العام، ويضيف: "إذا جرى احتساب المقاطعين، ستقفز نسبة الامتناع الانتخابي إلى 78%، بما يعني عدم شرعية الدستور".

وينتقد ربيعي الدستور الخامس في تاريخ الجزائر، ويرى أنّه كان ناقصاً، وما انطوى عليه من تعديلات لم تستجب لمطالب حراك 22 شباط (فبراير) 2019، الذي عجّل بخلع الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.  

ومن وجهة نظر المحلل السياسي محمد بوزاوي: "وجب إلغاء الدستور الجديد، والعودة إلى الدستور القديم"، ويعلّل ذلك بتصريح الرئيس تبون نفسه قبل أشهر، كما يشدّد بوزاوي على أنّ "استفتاء الدستور مبادرة سياسية وليست قانونية، ورفضه من 86% من الجزائريين يعني إسقاطه"، معتبراً أنّ "الثلاثة ملايين الذين أيّدوا الدستور لا يعبّرون عن آراء الغالبية الساحقة من مواطنيهم". 

اقرأ أيضاً: إخوان الجزائر يضعون العراقيل أمام عجلة الإصلاح... ماذا يريدون؟

ويقارب الخبير، هيثم رباني، الأمور من زاوية اقتصادية إستراتيجية، بقوله: "الدستور انتهى أمره وتقرّر مآله، الأهمّ هي الورشات التي ستقام؛ فهل ستنجح في ضمّ أكبر عدد ممكن من ممثلي الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات على اختلافها؟ كي يكون الحوار متّسعاً وثرياً، وحتى لا يندم أيّ طرف بعد الانتهاء من الورشات ويكتفي بقراءة القوانين فحسب".  

ويستعرض رباني سلسلة ورشات ستشهدها الجزائر في غضون الفترة القليلة القادمة، وستشمل قطاعات الصناعة والتكوين المهني والزراعة والبنوك الإسلامية، معلّقاً: "الجزائر ستكون أمام تحديات هائلة تتعلق بتطبيق الدستور والورشات التي تليه، فالأشهر القادمة ستكون حاسمة ليس فقط للإرادة السياسية، إنما على صعيد الاندماج الاجتماعي أيضاً".

اقرأ أيضاً: الجزائر وتونس تتجهان نحو "إعلان بداية الإعمار" في ليبيا

وينبّه رباني إلى "رفض منطقة القبائل للدستور جملة وتفصيلاً من شأنه، أن يمنع منطقة بكاملها من المشاركة في الورشات، ما لم يتحلّ الرئيس والدولة في قمة الدبلوماسية والحوار مع هذه المنطقة العزيزة على الجزائر، كي تندمج في الورشات، حتى لا تتأثر بالقوانين التي ستصدر عنها، مثل قانون العمال واستبعاد منظومة بوتفليقة للعقد الاجتماعي الذي يربط الحكومة وأرباب العمل والنقابات المستقلة وغير المستقلة".

ويحيل الخبير إلى أنّ العمال حالياً في بلاده بمثابة "عبيد"، خاصة في القطاع الخاص، فحقوقهم مهضومة وأجورهم منخفضة، وحتى المستخدمين في السوق السوداء (فضاء تجاري ينشط خارج القانون مُواز للسوق الرسمية).    

ضجيج محاكمات الفساد

أيام مضت بعد الأحكام الأخيرة في قضية رجل الأعمال المسجون، علي حداد، والتي سمحت لعدّة مسؤولين حكوميين آخرين بمغادرة سجن الحراش الشهير، فيما استفاد آخرون من أحكام مخفّفة.

وتتباين آراء من تحدثوا لـ "حفريات" بشأن ما يلفّ محاكمات الفساد في عامها الثاني؛ ففي منظور الحقوقي، عمار خبابة؛ فإنّ "محاكمات الفساد يديرها قضاة لهم تجربة كبيرة"، مقحماً جملة عوامل مساعدة مثل الجو العام الحالي الذي يساعد على دراسة الملفات بأكثر عمق، وفي إشارة إلى قضية حداد، رجل الأعمال المتنفّذ في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة؛ لاحظ خبابة أنّ الملفّ الذي جرّ عشرات المسؤولين الحكوميين السابقين، تمت دراسته على مستوى الدرجة القضائية الأولى ثمّ نظيرتها الثانية، والنيابة طعنت بالنقض وهي سابقة في الجزائر.

اقرأ أيضاً: ما موقف إسلاميي الجزائر من مشروع الدستور؟

وعليه، يجزم خبابة؛  بأنّ "النيابة العامة ليست راضية عن الأحكام الأخيرة وأرادت إبلاغ الرأي العام بذلك، بعد اللّغط الذي وقع، ويتوقّع محدثنا أن تحسم المحكمة العليا في المسألة بعد نحو سنة من الآن، وغداة مداولات سرّية، كما ينصّ على ذلك المشرّع المحلي

على النقيض؛ يذهب الناشط السياسي، فاتح ربيعي، إلى أنّه "منذ رحيل القائد السابق للجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، قلّت وتيرة محاكمات الفساد".

وتابع: "الآن نسمع بإطلاق سراح متورطين في الفساد وتخفيض عقوبات آخرين، وهذا مؤشر على أنّ التغيير المنشود سيطول ويفسّر خيبة الأمل السائدة لدى الشارع المحلي".

اقرأ أيضاً: كيف أصبح الجزائري خالد دراريني رمزاً لحرية الصحافة؟

ويتمنى ربيعي "وفاء الرئيس تبون بوعوده في الشقّ المتعلّق بمحاربة الفساد"، ويرى أنّ ذلك يظلّ مرهوناً بـ "الإفراج عن قانون مكافحة الفساد، الذي ما يزال قيد الدراسة"، مشيراً إلى أنّ القانون ذاته تعرّض إلى "تلاعبات زمن العصابة".

وينتهي ربيعي إلى أنّ "أتباع بوتفليقة كيّفوا السرقات وجعلوا عقوباتها لا تتعدى 10 سنوات، والمطلوب الآن تحويل العقوبات وجعلها قاسية ورادعة ضد سارقي المال العام، بما يتناغم وينسجم مع تطلعات الشعب الجزائري".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية