كيف أصبح الجزائري خالد دراريني رمزاً لحرية الصحافة؟

كيف أصبح الجزائري خالد دراريني رمزاً لحرية الصحافة؟


كاتب ومترجم جزائري
28/09/2020

ترجمة: مدني قصري

منذ بدء احتجاجات الحراك الشعبي في الجزائر، في شباط (فبراير) 2019، تمّ استدعاء خالد دراريني من قبل السلطات الجزائرية، أو توقيفه أربع مرّات، للإجابة عن أسئلة حول أنشطته الصحفية.

في 7 آذار (مارس) 2020؛ اعتقل خالد دراريني مجدّداً، ووُضع تحت المراقبة القضائية بعد تصويره لمظاهرة، وهو متّهم بـ "التحريض على التجمّع غير المسلَّح والاعتداء على وحدة التراب الوطني".

حكم ضدّ الحرية

نُظّمت مسيرات دعم أمام دار الصحافة في الجزائر العاصمة، يومَي 24 و31 آب (أغسطس) للمطالبة بالإفراج عنه.

اقرأ أيضاً: محمد حسنين هيكل.. زيارة جديدة لتاريخ أستاذ الصحافة العربية

في 15 أيلول (سبتمبر) 2020، اليوم العالمي للديمقراطية، حُكم على خالد دراريني في محكمة الاستئناف بالسجن لمدّة عامين، وغرامة 200 ألف دينار جزائري، لا سيما بتهمة "تقويض الوحدة الوطنية"، لكنّ الحشد من أجل إطلاق سراحه لم يضعف.

يكاد خالد دراريني أن يكون غير معروف خارج الجزائر قبل حركة الاحتجاج، لكنّه اليوم رمز لحرية الصحافة.

متّهم بـ "التحريض على التجمّع غير المسلَّح والاعتداء على وحدة التراب الوطني"

 حُكم على خالد دراريني، مؤسّس الموقع الإخباري على الإنترنت "قصبة تريبيون" Casbah Tribune (منبر القصبة)، ومراسل قناة "تي في 5 موند" التلفزيونية الناطقة بالفرنسية، في محكمة الاستئناف، في 15 أيلول (سبتمبر)، بالسجن لمدة عامين بتهمة "التحريض على التجمّع" و"المساس بالوحدة الوطنية".

مثقفون فرنسيون في الدفاع عن دراريني

يُحاكَم الصحفي خالد دراريني لأسباب تتعلق بـ "الحراك"، أي الحركة الاحتجاجية المناهضة للنظام، التي وُلدت في شباط (فبراير) 2019.

تقول منظمة "مراسلون بلا حدود"؛ إنّ السلطات حاولت مرتين، رشوته بالمال والممتلكات، أو بمنصب مهم، لكن بلا طائل

منذ ذلك الحين، تتصاعد التعبئة في جميع أنحاء العالم للمطالبة بالإفراج عنه، حول هذه القضية كتب ثمانية مثقفين فرنسيين في منبر لصحيفة "لوموند" الفرنسية: "هل يجب أن يدفع سنتين في السجن لمجرد ممارسة مهنته: إعلامُ مواطني بلاده بنزاهةٍ مهنيّة نموذجية؟ لا يمكننا أن نؤيد مثل هذا الإنكار للعدالة بِصمتنا"، هكذا دعا المثقفون الفرنسيون الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للتدخّل لدى نظيره الجزائري، عبد المجيد تبون.

عقبة في وجه السلطة منذ أعوام

اعتقل خالد درارني منذ 29 آذار (مارس)، بعد تغطية مظاهرة "الحراك" في الجزائر العاصمة في الشهر ذاته، وهي حركة يحظى فيها درارني بشعبية كبيرة، وقد اكتسب سمعة كبيرة بين المتظاهرين بتغطيته للحراك على وسائل التواصل الاجتماعي، والأرقام تتحدث عن نفسها: على تويتر؛ خالد دراريني لديه ما يقرب من 150 ألف مشترك.

"جدل" زلزال إعلامي

يكفي القول إنّه بات يشكّل هدفاً رئيساً للسلطة، خاصة أنّه أصبح مزعجاً للسلطة منذ عدة أعوام، ومن الأمثلة على ذلك: منذ عام 2012 عمل خالد دراريني في قناة "Dzaïr TV" الخاصة؛ فهو يُنشّط في هذه القناة برنامج نقاش سياسي تحت عنوان "جدل"؛ ففيما كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يسعى لولاية جديدة (الرابعة) أثارت أقواله حفيظة السلطات: "باندهاشه من أن يقارَن المرشحُ الرئاسي، في هذا الزمن، بـ "هبة من الله"، خلق دراريني زلزالاً إعلامياً".

"الرأي العام مروَّع"

لكن من الواضح أنّ الترسانة القمعية ضدّ الصحفي دراريني بدأت هذا العام؛ ففي 10 آب (أغسطس)، صدر الحكم؛ حُكم على الصحفي الجزائري بالسجن ثلاثة أعوام، وردّد أنصاره الحاشدون "أطلقوا سراح خالد!"، وطالب الاتحاد الوطني للصحفيين الجزائريين بالإفراج عنه فوراً.

 اكتسب سمعة كبيرة بين المتظاهرين بتغطيته للحراك على وسائل التواصل الاجتماعي

"الأمل يتحوّل إلى كابوس"؛ هكذا قال في أسفٍ أمينُه العام، كامل العَمَرْني، من خلال انتقاد "سابقة خطيرة ومدانة، ولا تبشر بالنوايا الحقيقية للسلطة فيما يتعلق بحرية التعبير والصحافة على وجه الخصوص".

صدمة الرأي العام

على الجانب السياسي؛ دان ممثلو المعارضة أيضاً الحُكم "غير المقبول"، وشجبوا التعدي على الحريات، وجاء في الميثاق البديل الديمقراطي (PAD)، وهو ائتلاف مناهض للنظام، في إشارة إلى "الحراك"؛ أنّ "الحكم الصادر على الصحفي خالد دراريني محفوف بمعاني عدم رغبة السلطة في الرضوخ لإرادة التغيير الديمقراطي، التي عبّر عنها ملايين الجزائريين لمدة 13 شهراً".

اقرأ أيضاً: الصحفي الفلسطيني الذي اغتيل في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ماذا تعرف عن حنّا مقبل؟

عبّرت عدّة عناوين من الصحف اليومية الجزائرية عن سخطها، وتحت عنوان "الرأي العام مصدوم"، وصفت صحيفة الوطن اليومية، الناطقة بالفرنسية، الحكم بأنّه "حُكمٌ غير عادل ولا يطاق"، فهو "الإثنين الأسود" في الصحافة الجزائرية، وبعد مرور شهر، حُكم عليه في الاستئناف بالسجن لمدة عامين.

عبّر خبراء عن أسفهم الشديد؛ لأنّ السلطات الجزائرية "تستخدم بشكل متزايد قوانين الأمن القومي، لملاحقة ومقاضاة الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمّع السلمي وتكوين الجمعيات"

وندّد خبراء الأمم المتحدة، في 16 أيلول (سبتمبر)، بالحكم المشدّد على الصحفي الذي "ليس له من ذنبٍ سوى أنّه كان يؤدي وظيفته"، وطالبوا بالإفراج عنه.

 كتب هؤلاء الخبراء المستقلون العاملون لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: "ندين بأشدّ العبارات عقوبة السجن لمدة عامين التي صدرت بحقّ صحفيّ كان يقوم بعمله فقط، وندعو السلطات الجزائرية إلى إلغاء العقوبة، وإطلاق سراح السيد دراريني".

هذه العقوبة "تعسّفية بشكل صارخ؛ لأنّ التهم الموجهة إليه تشكّل انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير والتجمّع السلمي وتكوين الجمعيات"، كما عبّر الخبراء عن أسفهم الشديد؛ لأنّ السلطات الجزائرية "تستخدم بشكل متزايد قوانين الأمن القومي، لملاحقة ومقاضاة الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمّع السلمي وتكوين الجمعيات".

اقرأ أيضاً: هل ساهمت الصحافة في صعود الإسلاموية في إندونيسيا؟

وأكّدت الحكومة الفرنسية، بعد إدانته "تمسّكها بحرّية الصحافة". في اليوم السابق؛ في باريس، قام حوالي خمسين من المدافعين عن حرية الصحافة، وممثلون من الشتات الجزائري، بنشر لافتة على واجهة بلدية الحيّ، لدعم خالد دراريني.

وقال كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" للصحفيين: "هذا القرار فظيع، بوضع خالد رهن الاعتقال، أغلقت السلطات الجزائرية نفسَها في منطق القمع".

محاولات فساد

يتمتع خالد الدراريني أيضاً بسمعة طيبة في مقاومة أنواع الترهيب، وفي هذا السياق توضح منظمة "مراسلون بلا حدود"؛ أنّ السلطات حاولت مرتين، عام 2019، رشوته بالمال والممتلكات، أو بمنصب مهم، لكن بلا طائل.

يتمتع خالد الدراريني أيضاً بسمعة طيبة في مقاومة أنواع الترهيب

وتوضيحاً لهذا الموقف قال مصطفى بن جماما، رئيس تحرير صحيفة "Le Provincial" إلى منظمة "مراسلون بلا حدود" كلّما تمّ توقيفي أو استدعائي من قبل الشرطة، كان دراريني من بين الأوائل الذين يكتبون لإثارة الإنذار والتنديد بهذا الشكل من أشكال التخويف ضدّ الصحفيين، بهدف سحق حقوق مؤسستنا، لكن أيضاً لمنع حقّ مواطنينا في الحصول على معلومات موثوقة".

تبريرات الرئيس الجزائري

إنّه موقف أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنّه خطير في بلد يحتل المرتبة 146 من بين 180 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، لعام 2020، الذي أنشأه "مراسلون بلا حدود".

اقرأ أيضاً: 3 أساليب يستخدمها أردوغان لقمع الصحافة

 تواصل المنظمة غير الحكومية قيادة حملة تضامن دولية لصالح الصحفي دراريني، ووصف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الصحفي خالد دراريني، الأحد الماضي، بأنّه يقوم بعمل يهدف إلى "زعزعة" استقرار البلاد. وقال تبون خلال لقاء مع اثنين من ممثلي الصحافة الجزائرية المكتوبة: إنّ "الجزائر "مستهدفة" من قبل منظمات غير حكومية تحاول "تقويض استقرار البلاد"، وإنّ "الدول لا تهاجمنا وجهاً لوجه، لكنّها تكلّف المنظمات غير الحكومية بهذه المهمة".

هامش:

منذ عام 2012، بعد ثمانية أعوام من العمل الصحفي، عمل خالد دراريني، في قناة "Dzaïr TV"، وقد حدّد هدفه: "مهمتي إنشاء القسم الفرنسي وإدارته بحرية كاملة"، فكان على وجه الخصوص، يستضيف نقاشات سياسية مع البرنامج الرئيس لقناة "الجدل"، تمّ إيقاف البرنامج، في 2 نيسان (أبريل) 2014، وإثر ذلك انضمّ دراريني إلى المجموعة الإعلامية "الشروق" التي غادرها في بداية عام 2019.  

وكان مؤسّس ومدير تحرير موقع "Casbah Tribune"، وكان مراسلاً من الجزائر العاصمة للمنظمة غير الحكومية "مراسلون بلا حدود"، كما عمل في التلفزيون الفرنسي "TV5 Monde"، ويتابعه على موقعه الخاص تويتر 146000 مشترك.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lexpress.fr

الصفحة الرئيسية