"النهضة" تنهار... ماذا بقي من إخوان تونس؟

النهضة تنهار... ماذا بقي من إخوان تونس؟

"النهضة" تنهار... ماذا بقي من إخوان تونس؟


25/06/2023

فتح سقوط نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، في أعقاب "الربيع العربي"، الطريقَ أمام حزب النهضة، الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، لتولي السلطة والهيمنة على الدولة لعقد من الزمن، لتضطرّ الحركة للتخلي عن السلطة في صيف عام 2021، ومنذ ذلك الحين بدأت تتفكك سياسياً.

الحركة التي استطاعت الصمود (10) أعوام كاملة، عن طريق تمكنها من التغلغل في كل مفاصل الدولة التونسية، وعبر رسمها لتكتيكات ومخططات كيدية، باتت اليوم تلفظ أنفاسها، فقد انقسمت قياداتها؛ فمنهم من ابتعد نهائياً عن الشأن العام، ومنهم من اتجه لتأسيس أحزاب جديدة، وذلك بعد أن خسرت خزانها الانتخابي وكل حلفائها، الذين أضفوا على مشروعها السياسي مشروعية ولو محدودة.

"النهضة" تخسر قياداتها

وقادت حركة النهضة الحكم في تونس خلال العقد الماضي الذي شهد انهياراً اقتصادياً وسجالات سياسية قوية انتهت بإطاحة قيس سعيّد بالبرلمان والحكومة معاً عام 2021، ليدشن بذلك مساراً جديداً دون الإخوان الذين سيطروا على الحكم وقادوا السلطة لعقد من الزمن.

وشهدت "النهضة" انقسامات قادت إلى إضعاف الحركة التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان بشكل كبير، فقد انسحب منها عشرات القيادات الذين توجهوا لتأسيس أحزاب جديدة، مثل حزب (العمل والإنجاز) بزعامة القياديين السابقين البارزين سمير ديلو وعبد اللطيف المكي.

في المقابل اختارت قيادات سابقة في "النهضة"، مثل الوزير السابق عماد الحمامي، الدخول في دعم المسار الذي يقوده الرئيس سعيّد، وانتقاد الحركة وبقية مكونات المشهد السياسي، ممّا أثار تساؤلات حول دلالات ذلك.

وبدا الحمامي وكأنّه بصدد تغيير جلدته السياسية بعد أكثر من عقد قضاه في حركة النهضة التي دعمته بقوة لتقلد مناصب عدة على غرار وزارة الصحة.

شهدت (النهضة) انقسامات قادت إلى إضعاف الحركة التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان بشكل كبير

وقال الحمامي في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية: إنّ "وضع تونس الاقتصادي الآن في فترة حكم قيس سعيّد أفضل (10) مرات من وضعنا العام الماضي"، ودأب على انتقاد الغنوشي وقيادة الحركة.

وعلّق بلقاسم حسن أنّ "هذه المواقف لا تهم حركة النهضة، ولا تمثلها، ولا تعبّر عن مواقفها وخياراتها، بل لا تلزم إلا أصحابها".

وكان الحمامي الذي استقال من (النهضة) في وقت سابق قد صرح بأنّ "راشد الغنوشي يمثل حالة مَرَضية لا حلّ لها".

انسحب منها عشرات القيادات الذين توجهوا لتأسيس أحزاب جديدة، مثل حزب (العمل والإنجاز) بزعامة القياديين السابقين البارزين سمير ديلو وعبد اللطيف المكي

وكان الغنوشي قد أثار غضباً داخل "النهضة" قاد إلى نزيف من الاستقالات، بعد تمسكه بالاستمرار في قيادة الحركة وتأجيل المؤتمر الـ (11) الذي لم يتم إنجازه بعد، على رغم الدعوات المتصاعدة إلى ذلك.

هذا، واختار شق آخر من الحركة الابتعاد نهائياً عن الشأن العام، مثل لطفي زيتون وحسين الجزيري وغيرهم، وظلّ من بقي داخلها مهدداً بالملاحقة القضائية في قضايا حقيقية كالإرهاب والتسفير والاغتيالات السياسية، كراشد الغنوشي ونور الدين البحيري.

"النهضة" خسرت قواعدها

وخسرت حركة النهضة كثيراً من خزانها الانتخابي، مقارنة بأول انتخابات دخلتها عام 2011، وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الذي تولى صياغة دستور البلاد، وهو ما يجعل الغموض يلفّ مستقبلها حالياً، لا سيّما في ظل تراجع التنظيم في المنطقة ككل بعد الانتكاسة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية في المغرب.

وتزعم قيادات "النهضة" أنّها قطعت علاقاتها مع الإخوان، لكنّ خصومها يصرون على أنّها ما زالت مرتبطة بأجندة التنظيم.

وقد بدأت ملامح سقوط الإسلاميين تظهر منذ الانتخابات البلدية (المحلية) التي صعد فيها المستقلّون (32% من الأصوات)، وخسرت فيها النهضة نقاطاً مهمّة (28%).

يُذكر أنّه في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وهي الأولى في تونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، فازت (النهضة) بالأغلبية، وحصلت على 37% من الأصوات وهي نسبة لافتة بالنسبة إلى حزب كان محظوراً، وتمّ الاعتراف بالنهضة كحزب سياسي في آذار (مارس) 2011، ولم يكن فاعلاً في الشارع في العقود الأخيرة.

وفي أول انتخابات بعد انتخابات المجلس التأسيسي، وهي الانتخابات التشريعية لعام 2014 حلّ حزب (نداء تونس) بقيادة الراحل الباجي قائد السبسي في المرتبة الأولى (86) مقعداً من أصل (217)، وجاءت "النهضة" في المرتبة الثانية بحصولها على (69) مقعداً.

يواجه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، القابع في السجن منذ 14 نيسان (أبريل) الماضي، التحقيقات في جملة من القضايا المرفوعة ضده

في الانتخابات التشريعية تشرين الأول (أكتوبر) 2019 لم تسجل "النهضة" سوى 19% من الأصوات، وإن بقيت تمثل الأغلبية، لكنّ هذا التراجع في نسبة التصويت يعكس خسارة الحركة للقاعدة الشعبية المتغيرة التي كانت أساس نجاحها في عام 2011.

ولأنّها نقضت عهدها بعدم التحالف مع من تلاحقه تهم فساد (في إشارة إلى نبيل القروي)، ردّ الشارع التونسي في الانتخابات الرئاسية المبكرة، حين صوّت لقيس سعيّد للأسباب نفسها التي جعلته ينتخب (النهضة) في 2011، وهي "نظافة اليد".

كلّ هذا أسهم في إضعاف الحركة التي رأيناها في الشارع مدعومة بأحزاب أخرى غير قادرة على حشد المئات.

الغنوشي وكلّ أذرعه في السجن

ويواجه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، القابع في السجن منذ 14 نيسان (أبريل) الماضي، التحقيقات في جملة من القضايا المرفوعة ضده، وآخرها تتعلق باتهامات له بالتحريض على إشعال حرب أهلية في البلاد، وحضّ التونسيين على حمل السلاح، فضلاً عن قضية أخرى اتُهم فيها بالتحريض ضد قوات الأمن بعد وصفه لهم بالطواغيت في أحد تصريحاته.

كما تتواصل التحقيقات معه في قضايا أخرى متعلقة بغسيل أموال، وتلقي تمويلات أجنبية لحزبه، والتورط في ملف الاغتيالات السياسية، وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب، دون اعتبار الإيقافات الأخيرة التي شملت عدداً مهمّاً من قيادات الإخوان، بينهم رؤساء ووزراء سابقون، بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، والتحضير لانقلاب.

الغنوشي أثار غضباً داخل (النهضة) قاد إلى نزيف من الاستقالات بعد تمسكه بالاستمرار في قيادة الحركة وتأجيل المؤتمر الـ (11)

والقرارات الأخيرة التي أصدرها القضاء التونسي تأتي بعد قرارات لافتة، من بينها توقيف رئيس الحكومة السابق، نائب رئيس (حركة النهضة)، علي العريض؛ بسبب ملف تسفير التونسيين نحو بؤر التوتر خلال حكم الترويكا في الفترة الممتدة بين 2011 ـ 2013.

وتمّ بعد ذلك أيضاً توقيف القيادي السابق بالحركة عبد الكريم سليمان بتهمة غسيل الأموال، وهي قضية تُقدِّر فيها السلطات القضائية الأموال بحوالي (30) مليون دولار.

وخلال الأعوام التي سبقت قرارات سعيّد، أطلِق على القضاء التونسي "قضاء نور الدين البحيري"، إذ عمل وزير العدل السابق، القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري الذي تسلّم منصبه بعد انتخابات عام 2011، على تحقيق الهيمنة على السلك القضائي، وفق شهادات عدد من المعنيين.

 

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية