الواجهات اللامركزية لجماعة الإخوان

الواجهات اللامركزية لجماعة الإخوان

الواجهات اللامركزية لجماعة الإخوان


15/08/2023

أصبحت الأممية الإسلامية والوسطية والاتحادات الدعوية ومكاتب التنمية البشرية هي الواجهات اللّامركزية التي تشتغل جماعة الإخوان من خلالها الآن، وهي نفسها التي تعمل عليها أحزاب كبرى ودول مثل تركيا، وترى أنّها تضمن لها السيطرة الفعلية حال توجهها ناحية الشرق، ومن ثم أصبحت الجماعة هي العمود الفقري لهذا المشروع، وأصبح الاستغناء الفعلي عنها هو محض الخيال.

من التنظيم إلى الوسطية والفكر الحضاري

وفق ما قاله القيادي الإخواني الجزائري عبد الرزاق مقري، فإنّ الإسلاميين في الوطن العربي يفتقرون إلى الأدوات الفكرية التي تسمح لهم بالتعامل مع تناقضات الحكم، لأنّ ممارسة الدعوة غير ممارسة السياسية، ومن ثم وجوب التأسيس لمسار نظري جديد.

وهكذا رأى مفكرو الجماعة أنّ العمل المباشر بصيغة تنظيم يختلط فيه العمل السياسي بالدعوي والاقتصادي التمويلي يؤدي في الأغلب للصدام مع مؤسسات الدولة التي يعمل بها التنظيم، وفي الأغلب يؤدي إلى فقده الشرعية، ومن ثم فإنّ الصيغة اللّامركزية وبواجهات لا تحمل اسم الجماعة، يجعلها بعيدة عن كل أشكال الوصاية أو التبعية، وتعمل من خلاله طاقات فكرية وعلمية وثقافية تؤمن بمبادئها وأهدافها في مختلف المحافل الدولية.

ويؤدي العمل من خلال هذا النهج إلى إكساب العمل مستقلين لا يحبون العمل من خلال تنظيم صارم، ومنشقين لا يجدون أنفسهم منسجمين مع قياداتهم الحزبية سياسياً أو تنظيمياً، ممّا يعني أنّ هذه الشبكة الجديدة تخلق فضاء بديلاً، يتخلى عن المواجهة والصدامية داخل التنظيم، ولا يصنع تنظيماً موازياً وخفياً تخشاه الدول، وفي هذه الحالة يصبح سلوكها محموداً، مهما كان مصدره عن عجز أم قناعة.

 القيادي الإخواني الجزائري عبد الرزاق مقري

إنّ هذه الحركية الجديدة تكسب الجماعة القدرة على المناورة والعمل في كل الأقطار وأحلك الظروف، حيث تستطيع بسهولة الهروب من النشاط داخل التنظيم إلى منتديات الأممية والوسطية والتنمية البشرية.

وتتحرّر الجماعة وفق ما سبق من الالتزام الحزبي، فضلاً عن مشاكل أخرى تتعلق بمناهج العمل ومناهج التغيير، وتضمن بسهولة ويسر أن يتم تصنيفها  ضمن محور الاعتدال الدعوي والفقهي والعقدي، حيث تتموقع داخل الوسطية ومنتديات الفكر والحضارة والدعوة.

المنتديات في الخليج نموذجاً

بالنظر إلى تلك الحركية الجديدة، سنجد أنّ لها فائدة كبرى تتعلق بأنّه إذا تمّ تطويق الحواضن والملاجئ وتمّ تجفيف مصادر الدعم والتمويل، فإنّه من الصعب توقع انهيار القاعدة الفكرية والعقائدية للجماعة، وكذا القضاء بشكل تام عليها، لأنّها تتحرك وفق الأممية الإسلامية ومنتديات الوسطية المقبولة سياسياً.

الجماعة تعمل عن طريق خلق تيار عام (مثال قطر) يعمل من خلال بعث الصحوة

وإذا ضربنا المثل خليجياً، فسنجد أنّ الجماعة رغم الحصار ما تزال تمتلك العديد من المؤسسات العاملة بدول الخليج التي تعمل بواجهات غير إخوانية، ففي السعودية الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومؤسسة النهضة لجاسم سلطان بالدوحة، وفي الكويت يعمل التنظيم الإخواني عن طريق الأمانة العامة للقرآن الكريم، والأمانة العامة للّجان الخيرية، وجمعية بشائر الخير، ومركز شباب الإصلاح، وجمعية العون المباشر، ونماء للزكاة والتنمية المجتمعية، ومنظمة النصرة العالمية للرسول، وجمعية النجاة الخيرية، والهيئة الخيرية الكويتية، وبيت التمويل الكويتي، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، ومؤسسة النصر العالمية، والحملة الدولية لإسعاف بيت المقدس، وحملة كلنا مريم العالمية.

وبالنظر إلى أساليب العمل الإخواني الحركي والتنظيمي بالخليج، سنجد التالي: أنّ الجماعة تعمل عن طريق خلق تيار عام (مثال قطر) يعمل من خلال بعث الصحوة، وتعمل جماعة الإخوان عن طريق مؤسسات سياسية ودعوية وتمويلية وفق شرعية قانونية (مثال الكويت)، كما تعمل وفق مشروعية سياسية وقانونية من أجل التوازن الطائفي (مثال البحرين)، ووفق مؤسسات دعوية فقط (مثال السعودية)، أمّا في الإمارات، فإنّها تعمل خارجياً فقط وفق منظمات حقوقية، ولا تستطيع العمل من الداخل، مثل اليمن التي تعمل بها وفق حزب سياسي.

من هنا سنجد أنّ جماعة الإخوان في تنظيمها الخليجي تنتشر بهدوء، وتخترق شرائح المجتمع الخليجي في بعض الدول، وتتقزّم في دول أخرى، وهذا يحدث خاصة في بعض النخب التجارية والقبلية والحكومية، عن طريق خطة مركزها الحركي الحقيقي أن تكون الجماعة بالخليج هي رافعة تمويلية للتنظيم العالمي، لا تصطدم بالسلطات، عن طريق تبنّي المنهج الإصلاحي.

جماعة الإخوان في تنظيمها الخليجي تنتشر بهدوء

لقد تجاوزت الجماعة في دول الخليج العربي مرحلة التأسيس الفكري والتنظيمي، إلى أن تكون لها مؤسسات خارجية عالمية تساهم في وقف تقهقر التنظيم الدولي، وتساهم في تنامي التنظيم وتوسّع قاعدته العالمية.

كما تساهم هذه المؤسسات في دعم التنظيم فكرياً وتنسيقياً وربطه مع التنظيمات الإخوانية الأخرى في الخارج. وعقد الحوارات والمؤتمرات العالمية، وتقديم الجماعة نفسها على أنّها "حركة معتدلة" عن طريق المنتديات سالفة الذكر.

تساهم المؤسسات الإخوانية الجديدة في دعم التنظيم فكرياً وتنسيقياً، وربطه مع التنظيمات الأخرى

في بعض الدول الخليجية، مثل قطر والإمارات، وجدت الجماعة نفسها أمام (3) خيارات: إمّا العودة إلى العمل السرّي، وإمّا البحث عن إطار رسمي يجسد وجوداً رسمياً للحركة، وإمّا تحويل الحركة إلى تجمّع فكري في المجتمع، ونظراً للتكلفة الباهظة للخيار الأوّل، وعدم إمكانية الخيار الثاني؛ فقد اختارت بعد مداولات ومراجعات معمقة أن تصبح "تجمّعاً فكرياً، الروابط فيه قائمة على العلاقات الاجتماعية"، وأن تقوم بعمل مؤسسات فكرية نهضوية داخلياً، ومؤسسات عالمية تدعم الجماعة.

مواضيع ذات صلة:

إرث الإخوان ما يزال يطارد أرواح التونسيين

ضربة أمنية استباقية لمخططات الإخوان في بنغلاديش... ما التفاصيل؟

"كوافير" الإخوان ... "تمشيط" مستمر لحرب لم تنتهِ بعد

الصفحة الرئيسية