الواقع في مرآة الدراما اليمنية: موسم درامي يمني ساخن

الواقع في مرآة الدراما اليمنية: موسم درامي يمني ساخن

الواقع في مرآة الدراما اليمنية: موسم درامي يمني ساخن


25/04/2023

شهدت الدراما التلفزيونية اليمنية في رمضان لهذا العام  زيادة في الكم وتطوراً في النوع وتنوعاً في المواضيع وتجاوباً مع قضايا الواقع قياساً إلى المواسم الماضية. فقد رصدت وكالة تحليل البيانات "داتا بيكرز" (أول وكالة تحليل بيانات رقمية في اليمن) عدد 22 مسلسلاً درامياً، وقد أنشأت الوكالة لوحة بيانات تفاعلية خاصة بسباق الدراما اليمنية. ترصد اللوحة إجمالي مشاهدات كل مسلسل، وعدد الإعجابات، وإجمالي التعليقات لكل مسلسل، والمسلسل الأكثر مشاهدة والأكثر تفاعلًا وأكثر الحلقات مشاهدة... إلى غيرها من الإحصائيات والبيانات المتغيرة التي تُحدَّث آلياً من مصادرها كل ساعة. علماً بأنّ البيانات تعتمد أساساً على قنوات اليوتيوب كمصدر دون القنوات الفضائية التي تبث عبر شاشات التلفزيون حيث يزيد عدد المشاهدين، لكن نسبة المشاهدات والمراتب قد لا تختلف.

الأبرز من بين هذا العدد من المسلسلات 5 أعمال هي: "دكان جميلة، العالية، أرزاق، القريب بعيد، خارج التغطية". المسلسلات نفسها تقريباً هي حديث منصات التواصل كالفيسبوك. واللافت هي المواكبة النقدية التي حظيت بها هذه المسلسلات سواء من قبل الجمهور العام أو الكتاب والنقاد، بما يشير إلى حراك درامي ساخن سيصب في الأخير في صالح تطوير الدراما خاصة إذا ما علمنا أنّ صناع هذه المسلسلات على تواصل مباشر مع ما يدور من نقاشات على الفضاء الرقمي.

🎞

الأبرز من بين هذه الملاحظات النقدية ما كتبه الروائي اليمني المعروف علي المقري في صفحته على الفيسبوك حول مسلسل "العالية" والنقاش الذي دار في التعليقات من ردود مؤيدة أو معارضة، كان من بينها مخرج المسلسل وليد العلفي.

أشاد المقري بأداء النجمين قاسم عمر وأحمد عبدالله حسين، كما أشاد بفكرة المسلسل وروح الشعب المقاوم فيه، لكن المشكلة كما قال هي "في هيمنة الصوت الواحد.." انتقد المقري بعض العبارات التي وردت على لسان بعض الشخصيات، مثل: "يبكي مثل المكالف/ النسوان"، قائلًا إن مثل هذه الصيغ الخطابية "تكرس تحقير المرأة، مقارنة بالرجل، والرجولة المزعومة! مع أن كاتبة المسلسل امرأة هي نور ناجي". وفي دفاعه عن وجهة نظره قال: "لا يوجد أي عذر لهذا المنحى حتى وإن افترضنا الرمزية الزمنية!". وأضاف: "ملاحظتي لم تكن عن استخدام المفردات بل عن العبارات التي قيلت في سياق تبدو فيه المرأة لصيقة بكل ما هو سلبي".

المقري: الوسائط الإعلامية صارت تؤثر جداً على المتلقين من خلال تكريس مقولات تمييزية دون تفكيكها، وهي مقولات في محل نقد اليوم حتى في الكتابات الأدبية القديمة

وعندما ذُكِّر المقري بروايته التي تحمل اسم "حُرمة" وبالسياق التاريخي للمسلسل رد المقري بأنّ هذه المقولات "صارت محل نقد حتى في الكتابات القديمة، فما بالك بكتابة تنجز الآن وتحط من دور النساء". وتابع: "أتفهم الرمزية الزمنية، ولكن حتى على هذا الإطلاق في التعبير من الممكن للبكاء أن يكون (مثلاً) وسيلة تجسيد لألم ومقاومة، وليس محل تحقير مصدره النساء".

الوسائط الإعلامية، كما يرى المقري "صارت تؤثر جداً على (المتلقين) من خلال تكريس مقولات تمييزية دون تفكيكها، وهي مقولات في محل نقد اليوم حتى في الكتابات الأدبية القديمة وهناك من يطالب بإلغاء إعادة نشر هذه الأعمال كما هي ولو بدعوى تاريخية النصوص، فما بالك في مجتمعات ما زالت هذه المقولات مهيمنة ومعايشة! ويعاد إنتاجها على هذا النحو، كمسلمات!".

الملاحظة نفسها أبدتها منال شرف، في صفحتها على الفيسبوك، عن الألفاظ التي تستنقص من المرأة في مسلسل العالية "وشعور الشفقة تجاه الأرملة، وكأنما بقاء المرأة بلا زوج ذنب ووصمة عار.."، وكذلك "المشهد الذي اتهمت فيه ظبية في شرفها، فشدت الداية لتريها أسفلها لتؤكد للجميع أنها "شريفة". المسلسل من وجهة نظر الناقدة "استطاع تصحيح بعض الأفكار المغلوطة، مثل اعتقاد الناس بضرورة الولاء للحاكم دائماً.."، وقد صُحِّحت "في حوار شداد وهلال، بأن الخوف هو الذي يدفع الناس للسكوت عن ظلم الحاكم، وإلا فإنهم يعلمون أنه ظالم ولا يجوز إتباعه..". وتساءلت: "لماذا إذن لم تُصحح الأفكار المغلوطة المتعلقة بالمرأة، كأن يقول أحدهم إن الأرملة ليست شيئاً مخجلاً ولا ضعفاً". وأن الشرف لا ينحصر في غشاء البكارة!

دراما تعكس بعض الواقع

بالرغم من هذه الهنات في المحتوى إلا أنّ مسلسل "العالية" تميز بتماسك البناء السردي الدرامي والتشويق والأداء.. إلى غيرها من عناصر المسلسل، كما حظي بمشاهدة نوعية، إضافة إلى اهتمام الجمهور العام. بينما حظي مسلسل "دكان جميلة" باهتمام جماهيري أكبر، وهذا التباين في التلقي يثير موضوعاً جدلياً بين ما يميل إليه الجمهور العام وما تفضله العين الخبيرة التي تمرست ذائقتها على مشاهدة أعمال غير يمنية جعلها قادرة على المقارنة واكتشاف الأخطاء التقنية والمضامين السلبية.

🎞

توجهت لعدد من المهتمين بسؤال حول دور الدراما: هل تعالج مشكلات الواقع أم أنها تتهرب منه بتغييب المجتمع عن قضاياه؟

ما لفت نظر الكاتب سلمان الحميدي في مسلسل "العالية"، "ليست جرأة الفكرة المستمدة من الوقائع التاريخية القريبة، وإنما الطريقة الصحيحة لتقديم عمل وفق قواعد القص أو قريباً منها على الأقل.."، وعن المواضيع التي عالجتها الدراما لهذا الموسم قال: "بحسب ما شاهدته، فقد دارت مواضيع المسلسلات التلفزيونية لهذا العام، حول ثلاث ثيمات: الصراع التاريخي مع الإمامة، الصراع المجتمعي وتسلط الفتوات، وكذلك الصراع أو الخلاف العائلي.. والمنتجون كلهم تقريباً يرون أنّ الدراما مرآة الواقع، لكنهم يقعون في مشكلة معالجة القصة وتقنيات إنتاجها، فتخرج إلى الجمهور غريبة بعض الشيء، لا عالجت مشاكل الواقع ولا أخلصت للخيال..".

ويرى المخرج التلفزيوني عبدالرحمن السماوي أنّ الدراما عموماً "تلعب دوراً أساسياً في معالجة قضايا المجتمع، وتعكس الهموم والطموحات.. وفيما يخص الدراما اليمنية لاحظنا نوعاً من التسطيح في أغلب الأعمال وقد قوبلت بردود فعل من قبل الجمهور العام، والمتخصص، كالنقاد والفنانين..".

جاكلين أحمد: مواضيع ومضامين الدراما اليمنية تطورت؛ فقد كانت المسلسلات اليمنية مجرد مضمون كوميدي سيئ يصور اليمني على أنه إنسان غبي لا يجيد شيئاً ويعيش حياته عالة على من حوله

يرى السماوي أنّ الدراما المتخيلة "أسوأ من واقع الناس؛ فهناك ضعف في النص والمواضيع والأداء والإخراج". ويرى أنّ صناعة الدراما منظومة متكاملة وهذه المنظومة مازالت ضعيفة وتحتاج إلى جهد النقاد المتخصصين. كما يلتمس العذر للممثل الذي تدفعه ظروفه المعيشية لقبول أي دور. ويتوجه برسالة إلى صناع الدراما يذكرهم فيها بالمواهب المتمكنة التي يمكن أن تسهم في تطوير أداة المنظمة الدرامية.

يعترف الصحفي عبدالله حمود الفقيه بأن مسلسل "العالية" أجبره على مشاهدته؛ لما فيه من إسقاط على واقع اليمن. أهم موضوع عالجه المسلسل، من وجهة نظره، هو "التسلط الذي يمارسه الحكام على الشعب عبر التجويع والتركيع، وباستخدام الفتنة بين الناس وتلفيق التهم للمعارضين.. إلخ، وهذا ما أشعل جذوة الثورة في نفوس الناس.." بينما تناول مسلسل "دكان جميلة" موضوعاً مهماً هو "ابتزاز المرأة بعد السطو على تلفونها أو تهكيره، وهو ما أضحى ظاهرة في مجتمعنا، علاوة على تسلط العصابات وتواطؤ المسؤولين وخضوع الناس".

يرى الفقيه بأنّ "هناك محاولات لتسليط الضوء على المشكلات المجتمعية، ولكنها قليلة وتفتقر للإمكانيات الفنية وغيرها، ويبقى الكثير مقيداً برؤى وتوجهات معينة مفروضة من القنوات الراعية.. وبالتالي يبقى التغييب هو الغالب".

🎞

ترى الصحفية جاكلين أحمد أن مواضيع ومضامين الدراما اليمنية تطورت؛ فقد "كانت المسلسلات اليمنية مجرد مضمون كوميدي سيئ يصور اليمني على أنه إنسان غبي لا يجيد شيئاً ويعيش حياته عالة على من حوله". وأكثر ما لفت نظرها هو "الجهد الذي بذله كُتاب المسلسلات وتنوع مضامين القصص وأحداثها والتطرق لقضايا كانت من التابوهات في السابق.. فمسلسل العالية يحاكي واقع اليمنيين في عصر الإمامة والظلم الذي كان يقع عليهم، والمطامع والصراع على السلطة.. وفي الجانب الاجتماعي هناك قصة حب بين هلال وظبية ابنة الشيخ فاضل، الذي يمثل الأصالة اليمنية... أما مسلسل "دكان جميلة" فقد لفت انتباه الناس إلى ما تعانيه المرأة العصامية التي تحاول جاهدة أن تجد لنفسها مكاناً في مجتمع ينظر إليها كشيء يتوارثه الرجال وينقلونه من بيت إلى آخر دون أن يكون لها الحق في الاعتراض أو اختيار طريقة عيشها".

واقع خارج التغطية

يتألف مسلسل "خارج التغطية" غالباً من مجموعة اسكتشات، وتبدو بعض مشاهده وشخصياته مقتبسة من أعمال كوميدية عربية مثل المسلسل السوري "ضيعة ضايعة" والمصري "الكبير أوي" والكويتي "بلوك غشمرة". ولا تخلو بعض مشاهده من إسقاطات على واقع اليوم فيما تكرس بعضها لهدف الضحك المحض والتسلية. والمميز فيه هو الأداء العفوي بخاصة في الأدوار النسائية: عبير عبدالكريم في دور اعتدال وسالي فؤاد في دور سُكينة.

في ملاحظتها السريعة ترى الناقدة ندا قنبر أنّ مسلسل "خارج التغطية" "ضعيف من حيث القصة والحوارات ويفتقر للكوميديا الحقيقية.."، مضيفة بأنّ "الكوميديا فن صعب ويتطلب مهارة خاصة من الكاتب، بالإضافة إلى موهبة الممثلين"، وهذا ما لم تجده في "خارج التغطية". امتدحت قنبر الممثل صلاح الوافي قائلة بأنه "كوميديان بالفطرة، لكن لا يوجد استثمار حقيقي لموهبته، وركاكة النص لا تساعده، والاتكاء على شخصية واحدة أيضاً لا ينتج عملا متكاملًا. إضافة إلى أنّ الشخصيات النسائية شرسات وماكرات وسطحيات وهي بذلك غير حقيقية وبعيدة عن الواقع".

عالم المدينة الغائب

وعن اتخاذ الدراما اليمنية من القرية مكاناً لها في أغلب الأعمال وعزوفها عن عالم المدينة أرجع الفقيه السبب إلى "ضعف الإمكانيات القادرة على احتواء المدينة وعالمها، وقد يكون السبب هو ميل المشاهد لمشاهدة مجتمع القرية أكثر من المدينة". أما جاكلين فترى أنّ "مشاكل المدن هي امتداد لمشاكل القرى وتصب في قالب واحد وتحت وصاية أشخاص يحكمون السيطرة على القرية والمدينة". وعن سبب اللجوء لعالم القرية ترى أنه "يعود لقلة خبرة منفذي الأعمال الدرامية وصعوبة التصوير في المدن".

ومن خلال تجربته في كتابة السيناريو يرى سلمان الحميدي، أن المنتجين "يختارون الأماكن التي يسهل فيها التصوير، ومنخفض التكلفة. لذلك يلجؤون إلى القرية لتجنب زحام المدينة في المشاهد الخارجية تحديداً. فإخراج مشهد في شارع في المدينة في النهار بطريقة محترفة، كان صعباً في بيئة الإنتاج اليمني في أوقات السلم والآن أصعب في أوقات الحرب. لذا أول تنبيه يتلقاه الكاتب هو تحديد مواقع المشاهد. هناك مسلسلات يمنية تدور في المدينة ولكن معظم المشاهد داخلية، والمشاهد الخارجية قد تكون خفيفة. باستثناء مسلسل (ليالي الجحملية)، الذي تطلب أماكن معينة فصُوِّر في الأردن".

مستقبل الدراما اليمنية

يذهب البعض إلى أنّ الدراما اليمنية ستراوح مكانها؛ لأن عيون صناع الدراما التلفزيونية عادة ما تراعي طلبات الجمهور العام الذي لا يلتفت إلى ما يلاحظه أصحاب الذائقة الخبيرة. ويبالغ البعض في القول بأنّ ما ينتقدونه يستحسنه الجمهور العام. في المقابل هناك من يدافع عن تطور الدراما اليمنية بحكم نشأتها الحديثة وهي في هذا المقام تخطو إلى الأمام نظراً لدخول شركات ومنتجين إلى سوق صناعة الدراما وهو ما سينعكس إيجاباً على تطورها مستقبلاً.

🎞

عن مستقبل الدراما اليمنية تنظر جاكلين بتفاؤل وترى أن الدراما "لا تحظى باهتمام المنتجين لأسباب كثيرة أهمها اللهجة المتنوعة والصعبة. كما ينقص صناع الدراما التدريب والإلمام بتفاصيل ومنهجية العمل. والممثلون يؤدون أدوارهم بمجهودهم الشخصي أو بعض الخبرة القليلة".

وفي المجمل يرى الفقيه أنّ "الدراما اليمنية تسير ببطء؛ بسبب غياب دعم حقيقي وتأهيل واهتمام بالكوادر المبدعة، المُهمَلة، وهنا تقف جهات وتوجهات سياسية وراء ما يُنتج، ولا يوجد مؤسسات إعلامية تنمي الإبداع وتولي الجانب الفني اهتمامها وتعمل على تطويره". ومن أسباب ضعف الدراما اليمنية من وجهة نظره: "الركون إلى التوجهات السياسية والحزبية، ومحاولة اجتذاب المشاهد بالكوميديا السطحية، وإهمال الكوادر الحقيقية، وضعف الإمكانيات..". والحل، كما يقترح الفقيه هو توفير "مراكز للتدريب والتأهيل ومؤسسات محايدة تهتم وتدعم وتنتج أعمالًا محترمة".

ويرى الحميدي أنه لا يمكن الحكم على الدراما اليمنية كلها بالتطور من خلال نجاح عمل واحد أو عملين، ولكن عرض مسلسل يمني على قناة عربية "سينعكس على الدراما اليمنية بشكل إيجابي، ونأمل أن يخلق بيئة تنافسية تعمل على التطور الفعلي للدراما ككل. ما هو حاصل، تطور بطيء من حيث النوع، وتطور لا بأس به من حيث الكم.. وبالمناسبة، كان أحد حلول الإنتاج في اليمن قبل حوالي 15 عاماً، الاحتكاك بصناع مسلسلات عربية. أتذكر المسلسل الكوميدي (كيني ميني)، كانت هناك ممثلتين سوريتين. المخرج العراقي فلاح الجبوري، له أكثر من تجربة بالتعاون مع ممثلين عرب للعمل في مسلسلات يمنية: (همي همك، الجمرة، كابتشينو). وإلى جانب المخرجين والممثلين هناك مسلسلات يمنية تم الاستعانة في كتابتها بكُتاب عرب، مثل: طريق المدينة، وليالي الجحملية الجزء الثاني. كل ذلك يُحدث تحركًا في الدراما اليمنية، ولكن النقلة النوعية لم تحدث بعد، نظرًا لعدم خوض التجارب بطريقة مدروسة.."

نجاح العمل الدرامي، من وجهة نظر الحميدي "يعتمد على ثلاثة أعمدة: نص عميق، إخراج فنان، مؤدين فاهمين أدوارهم. وفي بيئتنا تشعر أن النص يتوفر فيضيع المخرج، يظهر المخرج والنص فيغيب الممثلون.. ولذلك يحتاج كل عمود أن يفهم قواعد العمل، أن يُعجن في مجاله، على الأقل قراءة ومشاهدة، نحتاج أيضاً إلى جهة تتبنى التأهيل الجماعي للقائمين على الدراما..".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية