اليمين الأوروبي المتطرف

اليمين الأوروبي المتطرف

اليمين الأوروبي المتطرف


20/07/2023

يونس السيد

عندما وصف مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أوروبا بأنها حديقة والعالم من حولها أدغال يمكن أن تغزو هذه الحديقة، ووجه بانتقادات لاذعة وصلت إلى حد اتهامه بالعنصرية، من دون أن يكون مدركاً أن أوروبا نفسها تتغير، وأنها باتت تعيش في ظلال اليمين المتطرف الذي يتمدد للسيطرة على القارة العجوز.

أوروبا الحديقة التي تحدث عنها بوريل هي أوروبا التاريخ والحضارة والإرث الاستعماري والنخب الأرستقراطية المتنفذة والمهيمنة، لكنها أيضاً أوروبا التي بدأت تخلع جلدها وتتلوّن بألوان اليمين المتطرف مع صعود قوى هذا اليمين وأحزابه المتطرفة في مختلف أنحاء القارة، وبالتالي فهي باتت مهددة من هذه القوى أكثر بكثير من عالم الأدغال الافتراضي لبوريل.

قبل عقد من السنوات أو نحوه، كان من المستهجن أن يصل حزب يميني متطرف إلى السلطة أو المشاركة فيها، لكن اليوم أصبح وصوله إلى مواقع السلطة والقرار شيئاً عادياً، ولعل مقاربة بسيطة لمواقع القوى المتطرفة والشعبوية في الساحة الأوروبية توضح هذه الحقيقة. ففي السويد، على سبيل المثال، تعتمد الحكومة الآن على الأصوات البرلمانية لحزب ذي جذور نازية (الديمقراطيون السويديون اليميني المتطرف)، وهو يشارك في صنع سياسة البلاد، وفي فنلندا أصبح اليمين المتطرف يشارك في الائتلاف الحاكم عبر حزب «الفنلنديون الحقيقيون»، الذي لا يتردد من حين لآخر في تمجيد هتلر. وفي هولندا أدى صعود الشعبويين واليمين المتطرف إلى انهيار حكومة اليمين المحافظ على خلفية الهجرة، وفي إيطاليا وصل اليمين المتطرف وبعض أحزابه ولدت من رحم الفاشية، إلى السلطة منفرداً، إلا أن رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني فاجأت العالم بطريقة حكم معتدلة أكثر مما توقعه الكثيرون في أوروبا. وفي فرنسا، أصبح حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، الذي كان مهمشاً قبل سنوات، قوة راسخة في البلاد، وأصبحت لوبان تتفوق على إيمانويل ماكرون في استطلاعات عديدة للرأي. وفي ألمانيا ساعدت حالة الغموض التي تشوب الاقتصاد، وارتفاع أعداد طالبي اللجوء، على إحياء حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف. وهو يعد الآن الحزب الرائد في الولايات الشرقية الشيوعية سابقاً، بينما تزداد شعبيته في غرب البلاد. أما في إسبانيا، فقد أظهرت الانتخابات المحلية التي جرت مؤخراً، صعوداً لافتاً لليمين المتطرف مع تقدم الحزب «الشعبي» المحافظ، على نحو بات يمثل تهديداً جدياً لحكم سانشيز وحلفائه اليساريين.

وتواصل أحزاب اليمين المتطرف صعودها في مناطق أخرى بدت فيها خاضعة للاحتواء حتى وقت قريب. ومع أن برامج الأحزاب اليمينية المتطرفة ليست متطابقة تماماً، إلا أنها تتقاسم النظرة في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية، بما في ذلك العنف ضد المرأة، علاوة على الهجرة والمهاجرين، وحتى النظرة إلى الاتحاد الأوروبي كمؤسسة والعمل على تحقيق «سيادة» تلك الدول. اللافت هنا أن معظم قوى اليمين الشعبوي والمتطرف خرجت من رحم أحزاب اليمين المحافظ الذي بات يخشى بدوره من فقدان مواقع نفوذه لصالح قوى التطرف الجديدة.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية