انتفاضة الخبز في تونس والتوظيف الإسلاموي للتاريخ... سجل الإخوان إذ يحفل بسيرة الانتهازية والتلفيق

انتفاضة الخبز في تونس والتوظيف الإسلاموي للتاريخ... سجل الإخوان إذ يحفل بسيرة الانتهازية والتلفيق

انتفاضة الخبز في تونس والتوظيف الإسلاموي للتاريخ... سجل الإخوان إذ يحفل بسيرة الانتهازية والتلفيق


08/01/2024

ارتبط تاريخ الأحداث في تونس منذ نهاية العام 2010 ومطلع العام 2011 بحركة النهضة الإخوانية، التي جسدت كافة صور البراغماتية والانتهازية السياسية خلال المراحل التي مرت بها تونس، حتى لحظة انتخاب الرئيس قيس سعيّد  في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019، وتوظيف الآليات نفسها من البراغماتية في دعم سعيّد، على خلفية تصور التمكين والقبض على السلطة من خلاله. بيد أنّ الرئيس التونسي استطاع عبر نقلات واثقة أن يقتلع حركة النهضة وقادتها من المشهد السياسي، ويضعهم أمام حدّ العدالة ومنصة القضاء؛ ليواجهوا مصير ما اقترفوه من آثام وزلات سياسية في حق البلاد والعباد.

رغم ذلك كله، إلّا أنّ الأحداث تثبت مرة بعد أخرى أنّ الانتهازية والبراغماتية مكون رئيس في جسد وذهنية حركة النهضة، وتنظيمات الإسلام السياسي بشكل عام. ومن خلال ذلك تعمل كافة التنظيمات وتتحرك آلياتهم ومنصاتهم، على خلفية الأحداث والظروف، والعمل على الاستفادة من ذلك بشكل أو بآخر، بغية الوصول إلى أهدافهم وتطلعاتهم، نحو الولوج للمشهد العام وتفاعلات السياسة والمجتمع مرة جديدة.

توظيف الأحداث للقفز على الواقع

إلى ذلك، سعت حركة النهضة عبر بيان رسمي للقفز على الواقع التونسي، واستغلال ذكرى انتفاضة الخبز، وعزلها عن سياقها العام الذي جرت من خلاله الأحداث قبل عدة عقود مضت، بهدف استدعاء التاريخ، وتوظيف أحداثه وإسقاط بعض مشاهده وتصوراته على الواقع.

نحو ذلك جاء بيان المكتب التنفيذي لحركة النهضة في 4 كانون الثاني (يناير) الجاري، تحت عنوان للنظر في مناقشة القضايا الراهنة وطنياً وداخلياً. يفتتح البيان حديثه بالإشارة إلى واقعة انتفاضة الخبز، إذ قال البيان نصاً: "وإذ نستحضر الهبّة الشعبية ضد سياسات الحكومة، فيما عرف بانتفاضة الخبز في ذكراها الـ (40)، وذلك احتجاجاً على الترفيع في سعر الخبز؛ تنفيذاً للإملاءات وهروباً من مواجهة الأزمة المجتمعية والسياسية".

 سعت حركة النهضة عبر بيان رسمي للقفز على الواقع التونسي، واستغلال ذكرى انتفاضة الخبز

ومن خلال مقطع آخر يقول البيان: "مثلت انتفاضة الشعب التونسي ضد الظلم والغلاء والتهميش صدمة لدى السلطات، التي أدركت بعد فوات الأوان، وبعد تسببها في سقوط عشرات الشهداء من مختلف الفئات والشرائح العمرية والاجتماعية، أهمية التنظيم السياسي، ودور المجتمع المدني في تأطير المواطنين، وتوفير فضاء ضروري؛ للتعبير والمشاركة السياسية، والانعكاسات السلبية للسياسات اللّا شعبية على الاستقرار والوحدة الوطنية".

وتتجلى البراغماتية وتوظيف الحدث عبر إسقاط الحدث على الواقع حين قال البيان: "في هذه الذكرى الـ (40) تتأكد مسؤولية جميع الأطراف، وأولها سلطة الانقلاب، في التركيز على أولويات البلاد والمواطنات والمواطنين، والتي لخصتها ثورة 17-14 في شعار: شغل، حرية، كرامة وطنية".

 

عبد اللطيف الحناشي: أحداث الخبز، التي وقعت أواخر العام 1983 ومطلع 1984، كان لها سياق عام، وينبغي التدقيق في كافة محدداته.

 

ويشير عبد اللطيف الحناشي الأكاديمي التونسي إلى أنّ "أحداث الخبز"، التي وقعت أواخر العام 1983 ومطلع 1984، كان لها سياق عام، وينبغي التدقيق في كافة محدداته؛ إذ لم تكن هذه الأزمة الاجتماعية التي حدثت من أواخر عام 1983، وخلال الأيام الأولى لعام 1984، الأولى من نوعها التي عرفتها تونس خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، فضلاً عن كونها ارتبطت بمنسوب تاريخي عام للبلاد، ونظام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، ومشهد سياسي دولي عام، بينما لا ينبغي بأيّ حال من الأحوال أن يسعى فصيل سياسي، خاصّة حركة النهضة التي تُعدّ مسؤولة مسؤولية مباشرة ورئيسية عمّا آلت إليه تونس، خلال عقد كامل من تدهور سياسي واقتصادي واجتماعي، الأمر الذي يحتم عليها أن تلتزم الصمت احتراماً للشعب التونسي.

ويتابع الحناشي في إطار حديثه لـ (حفريات)، متناولاً السياق التاريخي لانتفاضة الخبز، لافتاً إلى أنّه على  المستوى السياسي عرف الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم آنذاك العديد من الخلافات داخله، وأدت إلى استقالة (7) وزراء، كما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام في كامل البلاد، ممّا أدى إلى مواجهات عنيفة بين المنتمين للنقابة العمالية من جهة، وقوى الأمن والجيش من جهة أخرى، بما أدى كذلك إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وسجن المئات من القيادات المركزية والوسطى للاتحاد العام التونسي للشغل. كما عرفت البلاد عام 1980 قيام مجموعة من التونسيين المسلحين، القادمين من ليبيا والجزائر، بعملية مسلحة في مدينة قفصة (الجنوب الغربي)، كان هدفها السيطرة على المدينة، وتحويلها إلى قاعدة لانطلاق حركتهم الهادفة إلى السيطرة على الحكم، ثم جاءت خيبة نتائج الانتخابات التشريعية الديمقراطية الأولى (السابقة لأوانها) عام 1981 التي اتُّهم النظام بتزويرها. 

 

سرحان الناصري: بيان حركة النهضة في ذكرى انتفاضة الخبز، جاء متوافقاً مع السمت العام لكافة تنظيمات الإسلام السياسي

 

وإلى جانب كل تلك الخيبات السياسية، والحديث للأكاديمي التونسي الحناشي، عرفت تونس خلال تلك الفترة أزمات اقتصادية واجتماعية متتالية، والتي من أسبابها أيضاً الأزمة الاقتصادية العالمية. ومن مظاهرها في تونس حدوث ركود اقتصادي، وتراجع حاد في نسب النمو، وعجز متواصل لميزان المدفوعات، وارتفاع مديونية البلاد إلى الخارج. وانعكس كل ذلك على الأوضاع الاجتماعية؛ فازدادت نسبة البطالة، وتدهورت أوضاع الفئات الفقيرة والمتوسطة، بالتوازي مع بروز طبقة اجتماعية جديدة من رجال الأعمال، استفادت من قوانين الانفتاح الاقتصادي الذي باشرته الدولة منذ بداية السبعينات. ومن تداعيات هذه الأوضاع تضاعف عدد الإضرابات العمالية المطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل. وبلغت الأزمة الاجتماعية ذروتها عندما قررت الحكومة مضاعفة أسعار المواد الغذائية دفعة واحدة، في أواخر كانون الأول (ديسمبر) 1983 للتخلص من عبء صندوق التعويض، بعد أن سبق للوزير الأول محمد مزالي أن نفى عن طريق التلفزيون أيّ نية لحكومته في إلغاء صندوق التعويض، واعداً بالمحافظة على أسعار المواد الغذائية الأساسية.

الرئيس يؤكد على استمرار الدعم

حرص الرئيس التونسي قيس سعيّد أن يستعيد مع بعض وزراء حكومته أحداث الخبز عام 1984، للتأكيد على صواب موقفه الرافض لرفع الدعم عن المواد الأساسية، وهو ما أكده في لقائه مع عدد من الوزراء. قال سعيّد: "الدولة التونسية لن تتخلى عن دورها الاجتماعي؛ لأنّ الفقراء والبؤساء في تونس هم الذين قاموا بالثورة، وانتفضوا ضد الظلم والاستبداد".

جاء تأكيد قيس سعيّد في لقاء جمعه بوزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، ووزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، يوم 3 كانون الثاني (يناير) الجاري، الذي يصادف مرور (40) عاماً على أحداث ثورة الخبز، مستعيداً ذكرى زميل دراسته فاضل ساسي، الذي قتل في تلك الاحتجاجات التي عمت مختلف مدن البلاد من الجنوب وصولاً إلى العاصمة.

من جهته، يشير سرحان الناصري، رئيس حزب التحالف من أجل تونس، إلى أنّ بيان حركة النهضة في ذكرى انتفاضة الخبز، جاء متوافقاً مع السمت العام لكافة تنظيمات الإسلام السياسي. فضلاً عن كون الأزمات المتتالية والمتعاقبة التي عرفتها تلك التنظيمات في كافة دول المنطقة يدفعها باستمرار للتحرك على هامش الأحداث، واستغلال أيّ واقعة أو ذكرى تاريخية.

انتهازية واستجداء

ويصف السياسي التونسي سرحان الناصري في إطار تصريحاته لـ (حفريات) حركة النهضة الإخوانية في بيانها الأخير برقصة "الديك المذبوح"، التي تفسّر نهايتها أخلاقياً وسياسياً ومجتمعياً. ويعتبر البيان الأخير للنهضة محاولة ساذجة  لتوظيف أيّ أزمة؛ لتبرّر تحركاتها التي صارت تدور في غرف مغلقة. كما أنّها تؤكّد الطابع الانتهازي؛ من خلال استغلال أيّ ذكرى لتطفو من جديد على الساحة، واليوم نجدها تستغلّ الذكرى الـ (40) لأحداث انتفاضة الخبز، التي قام بها وطنيون أحرار رفضوا وقتها الترفيع في سعر الخبز، والتي راح ضحيتها شهداء أبرار قدّموا أرواحهم في سبيل الوطن، على عكس حركة النهضة التي لا علاقة لها بالوطنية والوطن، فولاؤها الوحيد للمنظمة العالمية للإخوان المسلمين.

وما يفسّر سعي حركة النهضة لاستغلال هذه الذكرى هو استجداؤهم للرأي العام، عسى أن يتضامن معهم، لكن لم ولن ينجحوا في هذا، فالشعب التونسي لفظهم وعاقبهم، ونرى اليوم قادتهم قابعين في السجون بتهم الإرهاب والتآمر على أمن الدولة.

تأسيساً على ذلك، يختتم رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري حديثه لـ (حفريات) بقوله: إنّه من الصعوبة بمكان أن تستطع حركة النهضة الظهور من جديد بين أبناء الشعب التونسي، لا سيّما أنّ التونسيين يدركون جيداً حجم مسؤولية حركة النهضة عمّا آلت إليه أوضاع البلاد سياسياً واقتصادياً، وكذا حال المواطنين خلال الأعوام الماضية.

تأكيداً لذلك، جاءت تدوينة رفيق عبد السلام القيادي بحركة النهضة عبر منشور بصفحته الرسمية على (فيسبوك)، مصحوبة بصورة مواطن تونسي يتقدم تظاهرة رافعاً الخبز، في إشارة إلى انتفاضة الخبز، وفيها قال: ما تحتاجه تونس فعلاً في المرحلة الراهنة، هو برنامج إنقاذ اقتصادي/ اجتماعي أوّلاً، ثم برنامج إنقاذ سياسي؛ عبر رؤية مشتركة للمستقبل، مع وجود انتخابات حرة ونزيهة وفق المعايير المتعارف عليها في كل دول العالم التي تحترم نفسها، وبعد ذلك فليحكم من يشاء، ومن يفوضه الصندوق "مبارك عليه". ما يعنينا هو إنقاذ تونس من الغرق الذي آلت إليه البلاد، بعودة العقل والرشد بعيداً عن حكم الغرائز والانفعالات والخطابيات، قبل الحديث عن أيّ اعتبارات حزبية أو شخصية. الحكم هو أعباء وأثقال ومغارم وليس مغانم، ومن أراد الله به خيراً في دينه ودنياه، فليبتعد الآن عن مواقع حكم بلا مقومات ولا استقلال، ولا قوة ولا سيادة.

على خلفية ذلك، يلفت الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقرة إلى أنّه منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، حتى امتدادها في أغلب البلدان العربية، ومن بينها تونس في السبعينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا، ليس لهذه الحركة أيّ أسلوب في العمل السياسي، سوى التآمر وإعداد المؤامرات في الغرف المغلقة. 

ويتابع بوقرة حديثه لـ (حفريات) قائلاً: لذلك ليس بمستغرب أن نجد  لتنظيمات الإسلام السياسي دائماً جهازاً سرّياً، يقوم بالعمليات القذرة من اغتيالات وأعمال إرهابية، ولهذا التنظيم أيضاً قيادات سرّية وقيادة علنية. وخطاب سرّي موجّه للقواعد ومشحون دوماً بالعنف، وخطاب علني موجّه خاصة للرأي العام الغربي، يحمل لغة معتدلة، ومضموناً يحوي دفاعاً عن الديمقراطية والحريات، ويندد بالعنف، وكل ذلك خطب رنانة فارغة، لا تعكس حقيقة هذا التنظيم ونواياه الحقيقية في التمكين والسيطرة على مقاليد الحكم.

 

عبد الجليل بوقرة: منذ خروج حركة النهضة من الحكم في تونس، بعد قرارات 25 تموز، والحركة تسعى عبر كل وسيلة ممكنة ومتاحة للعودة من جديد إلى المشهد السياسي

 

ويتابع الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقرة بقوله: إنّه منذ خروج حركة النهضة من الحكم في تونس، بعد قرارات 25 تموز (يوليو)، والحركة تسعى عبر كل وسيلة ممكنة ومتاحة للعودة من جديد إلى المشهد السياسي، فضلاً عن تحركها المستمر من خلال استغلال الأزمات أو صنعها، عبر بعض العناصر الداعمة لها، سواء في دواليب الدولة، أو السوق الخاصة لصنع أزمة في سلعة معينة أو أكثر.

ويختتم الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقرة حديثه لـ (حفريات) قائلاً: من الصعوبة أن تغفل هدف النهضة الرئيسي في تصوير البلاد للدول الغربية والمانحة، كون تونس في وضع غير مستقر، سياسياً وأمنياً واجتماعياً؛ بغية خلق صعوبات إضافية  للسلطة والمجتمع.

 

مواضيع ذات صلة:

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

في ذكرى "الثورة"... 13 عاماً من الأزمات والخيبات في دفتر إخوان تونس

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية