بايدن يصف بوتين بأنّه "مجرم حرب".. فهل هناك حرب بلا مجرمين؟

بايدن يصف بوتين بأنّه "مجرم حرب".. فهل هناك حرب بلا مجرمين؟


31/03/2022

إثر وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بأنّه "مجرم حرب"، هل يمكن اعتبار ذلك مجرد تلاسن بين رئيسين، في إطار الصراع أو بالأحرى الاستقطاب الدولي الراهن، الذي يحاول البعض رسمه قياساً على ما جرى في الحرب الباردة. بكل تأكيد، لم يكن وصفاً عفوياً، لا سيما أنّ التوصيف الذي وصم به بايدن الرئيس الروسي، يعد بمثابة تصنيف قانوني، يحمل إدانة مباشرة لأشخاص أو دول خرقت "قانون النزاعات المسلحة"، والذي يحكم سلوك الدول أثناء الحروب.

بكل تأكيد، بايدن ليس معنياً بإطلاق مثل تلك التصنيفات، التي لها هيئات وجهات أمميّة، تعنى بالتحقيق في الجرائم التي ترقى لأن تكون "جرائم حرب". وبالتالي، صحيح أنّ الرئيس الأمريكي انطلق تحت وطأة السياسي إلى هذا التوصيف/ التصنيف، لكنّ القوات الروسية خلال غزوها العسكري لأوكرانيا، ارتكبت خروقات عنيفة لهذا القانون، المستمدة بنوده من اتفاقيات جنيف في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بينما تم توسيع قواعدها لاحقاً، حيث تورّط جنود بوتين في استهداف المنشآت المدنية، ومنها مستشفى للأطفال بداعي استخدامها كقاعدة عسكرية.

التوسع الحضري واسع النطاق للبشرية في العقود الأخيرة، يعني أنّ الحرب الحديثة، تتطلب تغييرات كبيرة في اللوائح؛ لحماية المدنيين بشكل مناسب

وبينما يصر بوتين على وصف غزوه العسكري لأوكرانيا، بأنّه مجرد "عملية عسكرية خاصّة"، إلا أنّ ثمة أهدافاً على ما يبدو استراتيجية عسكرية واقتصادية، أبعد مما هو في كييف، كانت تراوغ عقل بوتين، وقد اعتبر رئيس الاستخبارات الخارجية في موسكو، سيرغي ناريشكين، أنّ مستقبل روسيا ومكانتها المستقبلية في العالم على المحك، ما يكشف عن الخريطة الجيوسياسية، التي تنازع العقل السياسي البوتيني، ومحاولة استعادة روسيا التاريخيّة، التي تفككت إبان سقوط جدار برلين، الأمر الذي يفرض ضروراته الملحّة مع مستجدات الوضع الدولي الجديد، واحتدام الاستقطاب بين القوى العالمية، وتحديداً بين واشنطن من جهة، وموسكو وبكين من جهة أخرى. 

اقرأ أيضاً: من هو ألكسندر دوغين؟ وكيف أثر في عقلية بوتين؟

قوبلت تصريحات بايدن برد غاضب من موسكو، بينما التقت الحكومة الروسية بالسفير الأمريكي لدى روسيا جون سوليفان وقالت، عن تلك المحادثة، أنّه "تم التأكيد على أنّ تصريحات مثل هذه، من قبل الرئيس الأمريكي، والتي لا تليق بشخصية دولة بهذه الرتبة العالية، تضع العلاقات الروسية الأمريكية على وشك الخرق".

 إذن، هل حدثت جرائم حرب، في التصعيد الذي استمر منذ أكثر من شهر في أوكرانيا؟ بالنسبة للمراقب غير المطلع، سيبدو الأمر كذلك بشكل شبه مؤكد، حيث تصدرت صور المدارس التي يتم تدميرها، إلى جانب البنية التحتية المدنية الأخرى، مثل: المستشفيات، والمتاجر، والمنازل، عناوين الأخبار، وتزايدت أعداد القتلى والجرحى المدنيين بشكل مطرد، مع وجود فجوة كبيرة محتملة بين الأرقام التي تم التحقق منها، والأرقام الفعلية.

اقرأ أيضاً: سياسيون لـ "حفريات": هل ينجح بوتين بإعادة كييف إلى "بيت الطاعة"؟

 على عكس الصراعات الأخيرة مثل تلك في اليمن، وسوريا، وأفغانستان؛ فإنّنا نشهد معركة تقليدية، بين اثنين من المنافسين، تعني أنّ حجم وشدة القتال غير مسبوق في العصر الحديث، لقد رأينا تشكيلات واسعة النطاق، للدروع والمدفعية، واستخدام أحدث الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والأسلحة الحرارية.

كانت الأضرار التي لحقت بالمناطق الحضرية هائلة، وتسببت في أزمة نزوح؛ حيث أجبر ما يقرب من ربع السكان الأوكرانيين على ترك منازلهم، وهناك مدينة في شرق أوكرانيا لم تعد موجودة، بعد أن دمرت بالكامل في الهجمات الروسية،  وتعرضت مدينة فولنوفاكيا للدمار وسط الغزو الروسي المستمر، لكنّ القتال مستمر من أجل منع تطويق الأراضي، وفقاً لحاكم دونيتسك، بافلو كيريلينكو.

اقرأ أيضاً: بوتين "الديكتاتور" الحالم بتضميد جروح الدبّ السوفييتي

ماريوبول هي المنطقة الأكثر تضرراً في أوكرانيا، وتواجه قصفاً مستمراً؛ حيث تقول السلطات الأوكرانية إنّ حوالي 90٪ من المباني في المدينة تضررت أو دمرت. ومع ذلك، وفقاً لقوانين الحرب، يمكن تدمير المدينة قانونياً طالما تمت مراعاة مبادئ معينة، مثل: التمييز والتناسب والضرورة العسكرية. ولهذا تصف اللجنة الدولية الحرب في المدن، بأنّها "خيار مميت". 

أشار باحثون آخرون، إلى حقيقة أنّ التوسع الحضري واسع النطاق للبشرية في العقود الأخيرة، يعني أنّ الحرب الحديثة، تتطلب تغييرات كبيرة في اللوائح؛ لحماية المدنيين بشكل مناسب.

اقرأ أيضاً: سباق دولي لفرض عقوبات على روسيا... لماذا استُثني بوتين؟

تعد مسألة التحقق أمراً بالغ الأهمية؛ لتحديد من فعل ماذا في منطقة حرب، حتى لو تم الطعن في الفعل نفسه، باعتباره جريمة حرب واضحة أم لا.  لطالما كان من الصعب إثبات التحقق؛ حيث يعاني المراقبون المستقلون، في كثير من الأحيان، من صعوبة الوصول إلى موقع الحادث، بسبب شدة القتال، أو منع وصولهم من قبل واحد أو أكثر، من الأطراف المسلحة المشاركة في النزاع. 

يجادل البعض بأنّ روسيا ارتكبت جريمة عدوان، بشن حرب غير شرعية. ومع ذلك، فإنّ هذا لا يعني أنّ كل السلوك في الحرب غير القانونية، هو بحد ذاته غير قانوني

في الوقت الحالي، يؤدي ظهور هجمات "العلم الكاذب"، وبيئة المعلومات المتنازع عليها بشدة؛ إلى زيادة صعوبة تسليط ضوء الحقيقة، على ظلام وفوضى بعض أسوأ الصراعات. ويطرح السؤال نفسه، هل تعرضت مدرسة ما للقصف؟ يبدو أنّ 140 منها قد تضررت بالفعل في أوكرانيا، نتيجة الاستهداف المباشر للمباني المدنية، فهل يحدث ذلك نتيجة عدم الكفاءة؟ أم نتيجة تقدير جانب ما، أنّ المبنى كان يستخدم من قبل أعدائه؟

جزء من الجدل حول شرعية الصراع، يبقى متجذراً في أصوله، يجادل البعض بأنّ روسيا ارتكبت جريمة عدوان، بشن حرب غير شرعية. ومع ذلك، فإنّ هذا لا يعني أنّ كل السلوك في الحرب غير القانونية، هو بحد ذاته غير قانوني، على الرغم من أنّ الذنب بالارتباط هو رواية مفهومة، من وجهة نظر الجمهور، عبر أجزاء كبيرة من العالم.

اقرأ أيضاً: الأزمة الروسية ـ الأوكرانية: هل توصل الرئيسان بايدن وبوتين إلى صفقة؟

يمكن تفسير رد فعل روسيا الحاد، على تعليقات الرئيس بايدن بعدة أسباب: أولاً، إنّه تذكير بأنّ واشنطن لا تزال القوة العالمية المهيمنة، وحتى التعليقات الصادرة عن البيت الأبيض في موسكو، تندرج تحت هذا التصور. ثانياً، يُظهر أنّ بوتين يفكر خارج أوكرانيا، وأن حمل تسمية "مجرم حرب"؛ قد يجعل أيّ محاولة لإعادة ربط روسيا بالعديد من أنحاء العالم أكثر صعوبة.  في غضون ذلك، قد يتم تحديد الأحداث في أوكرانيا، من خلال سلسلة من جرائم الحرب. لكن في هذه المرحلة، يظل التحقق من هذه الجرائم، ناهيك عن المساءلة عنها، نظرية أكثر منها حقيقة.

*مدير تحرير صحيفة ليفانت اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية