بعد تبادل الشروط... أي مستقبل للعلاقة بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي؟

بعد تبادل الشروط... أي مستقبل للعلاقة بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي؟

بعد تبادل الشروط... أي مستقبل للعلاقة بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي؟


13/06/2023

بينما تشكّل تونس بوابة للمهاجرين التونسيين والأفارقة وطالبي اللجوء الذين يحاولون القيام برحلات خطيرة للوصول إلى أوروبا، يمثل الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس، إذ يستحوذ العملاق الاقتصادي الأوروبي على نحو 75% من حجم المعاملات التجارية، وتنشط أكثر من (3200) مؤسسة أوروبية في تونس أساساً في مجال الصناعات والمعامل.

وترتبط تونس بالاتحاد الأوروبي من خلال علاقات سياسية تاريخية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، تعززت بتوقيع الشراكة بين الطرفين في عام 1995 لإنشاء منطقة تبادل تجاري.

هذه العلاقات لا يبدو أنّها ستتواصل على ما كانت عليه، بالنظر إلى الشروط المتبادلة بين الجانبين مؤخراً في ما يتعلّق بالهجرة غير الشرعية والدعم الاقتصادي.

شروط مقابل شروط

ففي حين اشترط الرئيس التونسي ألّا يكون حلّ أزمة الهجرة على حساب تونس، اشترطت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن يكون تقديم الدعم المالي الذي وعدت به بعد حصول تونس على قرض صندوق النقد الدولي.

وأعلنت فون دير لاين عن استعداد التكتل لتقديم دعم مالي لتونس طويل الأمد يصل إلى (900) مليون يورو، (980) مليون دولار، لدعم الاقتصاد وتطويره، بعد التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أقرب وقت ممكن.

الرئيس قيس سعيّد في حديث مع رئيسة المفوضية الأوروبية ومعهما رئيسة الوزراء الإيطالية ورئيس الوزراء الهولندي في تونس (أ.ف.ب)

ولم توضح ما إذا كان كل المبلغ سيضخ في الموازنة أم سيوجه جزء منه إلى الاستثمار، وأضافت: "كخطوة فورية يمكننا الآن تقديم (150) مليون يورو، (165) مليون دولار، إضافية لدعم موازنة تونس".

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية: إنّه بالإضافة إلى التجارة والاستثمار، سيساعد مبلغ بقيمة (100) مليون يورو تونس في مراقبة الحدود ومكافحة الاتجار بالبشر هذا العام.

واقترح الاتحاد الأوروبي عدّة نقاط؛ تمثلت في زيادة الاستثمار في تونس، ودعم القطاع الرقمي، واستثمارات في تصدير الطاقات المتجددة، وتوسيع برنامج تبادل الطلاب.

عرض الاتحاد الأوروبي، الذي وصف بـ "الضعيف"، وشروطه أثارت استغراب المتابعين الذين اعتبروا أنّه لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها تونس

وفي الجانب السياسي، أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية إلى أنّ الاتحاد هو "الشريك التجاري الأول والمستثمر الأول" في تونس، وذكّرت بأنّ أوروبا "دعمت مسار تونس إلى الديمقراطية منذ 2011، والثورة التي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي، وهي طريق طويلة وشاقة"، وفي ذلك إشارة غير خافية إلى تأجيل أوروبي للخوض في الملف السياسي حالياً.

وقد استبق سعيّد الزيارة بالتأكيد على أنّ تونس لن تقبل أن تصبح حارس حدود لدول أخرى، مؤكداً أنّ "الحل لن يكون على حساب تونس...، لا يمكن أن نقوم بالدور الذي يفصح عنه بعضهم ويخفيه البعض الآخر، لا يمكن أن نكون حرساً لدولهم".

دعم أوروبي دون المأمول

عرض الاتحاد الأوروبي، الذي وصف بـ "الضعيف"، وشروطه أثارت استغراب المتابعين الذين اعتبروا أنّه لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها تونس، وأكد الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في تصريح لإذاعة (شمس) التونسية، أنّ العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي، ومنذ انطلاقتها عام 1995، لم تكن علاقة عادلة.

وقال رمضان بن عمر: إنّ الاتحاد الأوروبي استغل بعد الثورة حالة الهشاشة التي تمر بها تونس، منتقداً بشدة الاتفاق الذي تم التوصل إليه، لافتاً إلى أنّه مبني أساساً على مسألة الهجرة غير النظامية والبقية مساحيق تجميل وفق تعبيره.

بدوره، قال مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، لصحيفة "العرب" اللندنية: "من خلال مخرجات اللقاء، تأكدنا أنّ الهدف الرئيسي لميلوني وأوروبا هو الحفاظ على مصالح الاتحاد الأوروبي،  وليس وضعية تونس".

الرئيس التونسي خلال استقباله رئيسة وزراء إيطاليا في قصر قرطاج

كما اعتبر المحلل السياسي جمال العرفاوي في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" أنّ أوروبا "لا تنظر إلى تونس منذ أعوام كدولة تحتاج إلى تعاون، بل فقط يعدّونها نقطة حدودية متقدمة تحتاج إلى مزيد من التجهيزات لاحتواء الهجرة، والهدف: لا ينبغي لأحد الوصول إلى أوروبا، ولو كان مصيره الموت".

وتوصلت تونس إلى اتفاق مبدئي في العام الماضي للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي يناهز ملياري دولار. لكنّ المحادثات تعثرت منذ ذلك الحين؛ بسبب الإصلاحات التي طالب بها الصندوق، ولاسيّما ما تعلق منها بالشركات التي تديرها الدولة، ورفع الدعم الحكومي عن المنتجات الأساسية، وهذا ما يعارضه قيس سعيد.

يرى متابعون أنّ حزمة المساعدات المتواضعة التي عرضها الاتحاد الأوروبي على تونس عكست حقيقة أنّه لا يمكن الرهان عليه لتحدي صندوق النقد الدولي

وتضغط ميلوني، التي زارت تونس الأسبوع الماضي أيضاً، على صندوق النقد الدولي لتخفيف شروط القرض.

والأحد قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني قبل توجهه إلى واشنطن، حيث سيلتقي نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا: إنّ تونس بحاجة إلى مساعدات، حاثّاً على أن يكون نهج صندوق النقد الدولي براغماتياً وغير إيديولوجي في التعامل مع حالة الطوارئ الاقتصادية التي تعيشها تونس.

الاتحاد الأوروبي كان بديلاً عن النقد الدولي

ويرى متابعون أنّ حزمة المساعدات المتواضعة التي عرضها الاتحاد الأوروبي على تونس الأحد عكست حقيقة أنّ أوروبا لم تعد أوروبا، وأنّه لا يمكن الرهان عليها لتحدي صندوق النقد الدولي ورفض شروطه، وخاصة مراقبته لمجالات وطرق توظيف الأموال التي يخصصها لهذا البلد أو ذاك.

وكانت بعض الأنظار التونسية تتجه صوب الاتحاد الأوروبي كبديل لصندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّه يُعدّ الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لتونس، وقد أبدى استعداده لتخصيص ما قيمته (4.4) مليارات دولار لفائدة تونس، وفق ما أفصح عنه مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بالتوسع وسياسة الجوار أوليفر فارهيلي، إثر لقائه مع الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الثلاثاء 29 آذار (مارس) الماضي.

 أوضاع اقتصادية متأزمة

وقال: "نحن مستعدون لتخصيص (4) مليارات يورو، للاستثمارات واستعادة النمو الاقتصادي والتشغيل في تونس". وتحدث فارهيلي في قصر قرطاج عن الأجندة الجديدة للبحر الأبيض المتوسط، ​​التي اقترحها الاتحاد الأوروبي منذ عام، وتتضمن خطة اقتصادية واستثمارية مخصصة لتحفيز الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة على المدى البعيد.

تشكّل تونس بوابة للمهاجرين التونسيين والأفارقة وطالبي اللجوء الذين يحاولون القيام برحلات خطيرة للوصول إلى أوروبا

وفي هذا الشأن، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ "الشرق الأوسط": إنّ الاتحاد الأوروبي لن يدفع أموالاً بسهولة كما يتراءى لكثير من المتابعين لواقع العلاقة بين تونس والفضاء الأوروبي، فإلى جانب تدفقات الهجرة التي تضاعفت مرات عدة، فإنّ المفاوضات السياسية ستكون أكثر تعقيداً؛ إذ إنّ بعض البلدان الأوروبية ومن أهمها ألمانيا، تنظر بشكوك إلى المسار السياسي التونسي، ولن تكتفي بحلّ ملف الهجرة، بل ستتحدث كذلك عن الحقوق والحريات".

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية