بعد تركيا وقطر: هل يختار "الإخوان" البوسنة ملاذاً؟

بعد تركيا وقطر: هل يختار "الإخوان" البوسنة ملاذاً؟

بعد تركيا وقطر: هل يختار "الإخوان" البوسنة ملاذاً؟


05/07/2023

ذكرت وسائل إعلام عربية، مؤخراً، أنّ قطر طلبت من 100 شخصية مصرية تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، مغادرة أراضيها، بعد طلب سابق لعدد 250 من حملة الجنسية المصرية بمغادرة البلاد، في ظل عودة العلاقات المصرية القطرية.

إلى أين ستتجه هذه الشخصيات؟ يرى مراقبون أنّ تركيا لن تكون وجهة هذه الشخصيات، حيث تسعى أنقرة هي الأخرى للتقارب مع مصر، ولن يزيد استضافة 100 شخصية إخوانية هذا التقارب إلا تباعداً، خصوصاً أنّ خطوات كبيرة أُحرزت بين البلدين، تكللت أمس الثلاثاء بإعلان البلدين إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما الى مستوى السفراء، بعد زهاء عشرة أعوام من القطيعة.

 وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري زار تركيا إبان كارثة الزلزال، ثم جرى الاتصال بين الرئيس المصري والرئيس التركي للتهنئة بفوز الأخير بفترة رئاسية جديدة، ومن قبل لقاء الرئيسين في قطر على هامش افتتاح بطولة كأس العالم التي استضافتها الدوحة أواخر العام الماضي.

الإخوان في تركيا

في السياق ذاته، كشف الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، أنّ الحكومة المصرية طلبت تسليم 100 شخصية إخوانية مصرية من الحكومة التركية، لكنّ الأخيرة رفضت. وقال لـ"حفريات" إنّ تركيا لن تُجدد إقامات هذه الشخصيات، وطلبت منهم الانتقال إلى دولة أخرى، وهي من ستوفر لهم هذا الانتقال، وهو ما يكشف عدم التعاون الكامل والجاد من تركيا تجاه مصر في ملف يخص الأمن القومي.

وذكر أديب أنّ هناك 23 ألف مواطن/ة مصري/ة من الإخوان المسلمين يقيمون في تركيا، نصفهم يحمل الجنسية التركية والنصف الآخر لديه إقامات، وهذا الرقم يشمل عائلات الأفراد الأعضاء في جماعة الإخوان.

منير أديب: على تركيا فكّ الارتباط مع التنظيمات المتطرفة

ونوه أديب إلى أنّ بعض هؤلاء المطلوبين للحكومة المصرية صدرت بحقهم أحكام باتة ونهائية في قضايا تتعلق بتعريض أمن الدولة للخطر، والتحريض أو التخطيط أو المشاركة في أحداث عنف وقعت على الأراضي المصرية.

وأفاد الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، بأنّه بدلاً من أنّ تسلم تركيا هؤلاء الأشخاص إلى مصر، كبادرة وإثبات جدية في ملف التقارب بين البلدين، منحت عدداً منهم الجنسية والإقامات، واليوم بعد الضغوط المصرية تلجأ إلى توفير ملاذات آمنة لهم في الخارج، مثل دول أوروبا الشرقية ومنها البوسنة والهرسك. وأوضح أنّ التقارب المصري التركي وصل إلى مرحلة هي أفضل من السابق، لكنها دون المأمول فيما يتعلق بملف الإخوان ومحاربة التنظيمات الأكثر تطرفاً، التي تستضيف تركيا قادتها على أراضيها، حتى هذه اللحظة. وشدد أديب على أنّ تركيا عليها أنّ تثبت حسن نواياها وتفكّ الارتباط مع التنظيمات المتطرفة، التي كان لها دور في إراقة دماء الأبرياء في مصر.

لماذا البوسنة؟

يعتبر التقرير الصادر عن مشروع مشترك بين مركز جلوبسيك (GLOBSEC) ومشروع مكافحة التطرف (CEP)، من إعداد أندريا مارينكوفيتش، ومارتينا فالوشياكوفا، وفيكتور ساكس، من أهم ما تناول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في كل من البوسنة ومقدونيا الشمالية.

جاء في التقرير، أنّ جماعة الإخوان المسلمين في البوسنة، على الرغم من نفوذها في المناصب العليا، موضع خلاف عميق وموضوع جدل عام محتدم؛ لأن الكثير من السكان، على الأقل في المدن، علمانيون سياسياً حتى لو كانوا متدينين شخصياً. وقد شوهد ذلك في عام 2014، عندما أوردت "صحف شعبية تقارير كثيرة" عن أن بكير، ابن عزت بيجوفيتش وخليفته، "رحّب بوفدٍ من الإخوان المسلمين" في الرئاسة.

بين القاهرة وسراييفو علاقات تاريخية ممتدة. ولهذا فمن الصعب أن يجد "الإخوان" المساحة نفسها للانطلاق نحو مهاجمة مصر كما كان الحال في تركيا

وذكر التقرير أنّ تداول صورة لبكير عزت بيجوفيتش عليها رمز "رابعة"، وهي إشارة معروفة من جماعة الإخوان المسلمين. وتسبب ذلك في عاصفةٍ سياسية في البوسنة، واضطر بكير إلى الادّعاء بأنه لا يعرف أن الوفد ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وبالمثل، واجه بكير مقاومة في تقديم دعمه لحكومة الإخوان المسلمين، التي لم تدم طويلاً، في مصر في عهد محمد مرسي.

يقول الباحث في شؤون الجماعات الأصولية، عمرو فاروق، إنّ تسريبات الاجتماعات المتعاقبة  للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، التي انعقدت خلال الفترة الزمنية الأخيرة في عدة مناطق مختلفة من بينها اسطنبول، كشفت عن اتجاه الجماعة إلى استغلال تواجد روافدها في "سراييفو"، وعلاقتها القوية والوثيقة على المستوى الرئاسي والحكومي، وتحويلها إلى مرتكز آمن لقواعدها التنظيمية واستثماراتها المالية في ظل التضييقات الأمنية التي تلاحقها على الأصعدة الأوروبية والعربية كافة.

وأفاد لـ"حفريات": ربما عكست التفاهمات والتقاربات ما بين القاهرة وأنقرة، تفكيك التشابك مؤقتاً بين جماعة الإخوان المسلمين وبعض أجهزة وأجنحة السلطات التركية التي اتخذت أخيراً عدة إجراءات سياسية وأمنية ضد قيادات جماعة الإخوان. وتابع بأنّ من أهم تلك الخطوات التركية؛ رفض طلبات التجنيس الجديدة، وإعادة النظر في قانونية قرارات التجنيس السابقة، بعد معلومات عن وجود تزوير وتلاعب في الأوراق المقدمة، فضلاً عن غلق بعض المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، ووضع عدد من القيادات على قوائم المتابعة والمراقبة.

البوسنة ومصر

وقال الباحث في شؤون الجماعات الأصولية بأنّ الإخوان المصريين لعبوا درواً بارزاً في الداخل البوسني، أمثال الدكتور أحمد الملط، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان الأسبق، وأحد قيادات التنظيم الخاص، والمشرف على بعثات الإخوان للبوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان، وكذلك عبد المنعم أبو الفتوح، وجمال عبد السلام المدير التنفيذي للجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب، وغيرهم.

أردوغان والسيسي في الدوحة

وتربط البوسنة ومصر علاقات وطيدة؛ إذ شارك الجيش المصري بقوات حفظ سلام في البوسنة والهرسك إبان الحرب اليوغوسلافية التي اندلعت عام 1991، وشاركت قوات الجيش وعناصر الشرطة المصرية في تنفيذ مهام حفظ السلام ثم إنفاذ السلام وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي لعام 1992. وبين القاهرة وسراييفو علاقات تاريخية ممتدة، في الجوانب الثقافية والدينية والسياسية. ولهذا فمن الصعب أن يجد "الإخوان" المساحة نفسها للانطلاق نحو مهاجمة مصر كما كان الحال في تركيا من قبل. من جانب آخر، فالبوسنة والهرسك ليست دولة قومية واحدة تدين بالإسلام على غرار تركيا في مسألة الدين وهيمنة القومية التركية، لكنها دولة مكونة من ثلاث عرقيات كبرى؛ البشناق والصرب والكروات، ويبلغ نسبة الإسلام فيها 50.7%.

الباحث منير أديب لـ"حفريات": القاهرة طلبت تسليم 100 شخصية إخوانية مصرية من أنقرة، لكنّ الأخيرة رفضت. علماً أنّ تركيا لن تُجدد إقامات هذه الشخصيات

ولما سبق اعتبارات كبيرة، على رأسها العلاقات الرسمية القوية بين مصر والبوسنة والهرسك، ما سيحد من نشاط الإخوان فيها، وإن من جانب آخر سيمنح الإخوان فرصة للعيش، كبديل عن قطر وتركيا، لكن دون نفس الإمكانيات المالية والتنظيمية وحرية الحركة السابقة. فضلاً عن أنّ ورقة الإخوان باتت محترقة للدول التي وظفتها، بينما لا حاجة لدولة البوسنة والهرسك لتوظيف كارت الإخوان خارجياً على الأقل.

عمرو فاروق: إعادة النظر في قانونية قرارات التجنيس السابقة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية