بعد نصف عام على اتفاق المصالحة السعودية ـ الإيرانية... ماذا تحقق؟

بعد نصف عام على اتفاق المصالحة السعودية ـ الإيرانية... ماذا تحقق؟

بعد نصف عام على اتفاق المصالحة السعودية ـ الإيرانية... ماذا تحقق؟


07/09/2023

يصادف بعد أيام قليلة مرور نصف عام على الإعلان عن توقيع اتفاق المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي تم الإعلان عنه في 10 آذار (مارس) الماضي في بكين بوساطة صينية، وقد أرسل رسائل مباشرة بعمق التحولات الدولية والإقليمية لجهة مفهوم القطبية الدولية، وكانت الرسالة فيما يبدو للولايات المتحدة والغرب، حول شروع الصين، وخلافاً لسياساتها المعتادة، بالدخول في حقل جديد، وهو "الدبلوماسية" وإنجاز مصالحات بين قوى إقليمية، وهي رسالة موقعة من قطبين إقليميين في الشرق الأوسط، وهما السعودية وإيران، رغم اختلاف مرجعيات هذه الرسالة بالنسبة إلى الأطراف الموقعة عليها "بكين، والرياض، وطهران"، رغم أنّ قاسمها المشترك القول: "هناك بدائل وشركاء لأمريكا، ويمكن تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية وربما عسكرية بدونها".

وبالتزامن، فقد قوبل الإعلان عن هذا الاتفاق بتحفظات أمريكية وأخرى أوروبية وإسرائيلية، وبمرجعية أنّ أيّ مصالحة من هذا النوع تفقد أمريكا وإسرائيل ورقة مهمة تلوح بها في المنطقة بخطورة التهديد الإيراني، لا سيّما أنّ الاتفاق جاء بعد تسريبات ومؤشرات حول "انسحاب" أمريكي من المنطقة، وإلى جانب ذلك لم تظهر موسكو حماساً لتأييد الاتفاق، لا سيّما أنّه عزز قطبية الصين على حسابها أمام الغرب، في وقت تحاول فيه توثيق علاقاتها مع الرياض وطهران، وربما كانت القيادة الروسية تتمنّى لو كانت شاهداً على الاتفاق.

مقابل ذلك، قوبل الاتفاق بردود فعل إيجابية واسعة في المنطقة، تستند إلى آمال عريضة تتجاوز حدود السعودية ودول الخليج العربي، والشعوب الإيرانية والانعكاسات المتوقعة لترجمة الاتفاق، لتصل إلى مناطق نزاعات تُعدّ الرياض وطهران طرفاً مباشراً فيها، وتحديداً في اليمن، والعراق، وسورية، ولبنان، بالإضافة إلى الساحة الفلسطينية، وبما يصبّ في صالح القضية الفلسطينية وتحقيق الوحدة، وصولا إلى إنجاز الحقوق الفلسطينية، وقد تعززت ردود الفعل الإيجابية بعد مبادرات خليجية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران وإعادة فتح السفارات، والشروع في حوارات إيرانية "علنية وسرّية" مع مصر والأردن، وبعض الدول العربية، وزيارات متبادلة ولقاءات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين.

 قوبل الاتفاق بردود فعل إيجابية واسعة في المنطقة

ورغم "الضجة" الإعلامية حول هذه المصالحة، خاصة من قبل الإعلام الإيراني، وتصويرها باعتبارها انتصاراً على أمريكا وتدخلها في المنطقة، إلّا أنّ الحقيقة، بعيداً عن الإعلام، تؤكد مرور نصف عام دون تحقيق تقدّم فعلي، ولا شك أنّ تاريخاً من الاتفاقات الموقعة بين الرياض وطهران، والتي لم تترجم واقعياً، تبرر مقاربات تشكك بهذا الاتفاق، إذ شهدت الفترة ما بين 1998- 2001 توقيع اتفاقيات تعاون أمني واقتصادي، لكنّها بقيت حبراً على ورق، وعكست عمق الفجوات بين الرياض وطهران، والتي تتجاوز التنافس الإقليمي، ومرجعياته المذهبية، وبما يؤكد حقيقة أنّ كل الاتفاقيات بين الجانبين إنّما جاءت في سياق حسابات خاصة لكل طرف، وبمستويات ثقة تكاد تكون معدومة بين الطرفين.

إنّ اتفاقاً على المصالحة بين الرياض وطهران لا يمكن بناء توقعات بإنجازه وتنفيذه في بضعة أسابيع، فالملفات معقدة ومتشابكة، بأبعادها الإقليمية والدولي

الرياض وطهران تدركان رسمياً حقيقة ما تم إنجازه في ترجمة الاتفاق، ومن الواضح أنّ مراكز تفكير قريبة من الطرفين تحاول ألّا تخوض في أسباب البطء في تنفيذ الاتفاق وبخطوات ملموسة، ما عدا الخطابات الدبلوماسية التي تتسم بجرعات عالية من المجاملة، وتمتنع عن الخوض في المسكوت عنه في تقييم نتائج الاتفاق المتحققة، غير أنّ ما جرى بعد توقيع الاتفاق يرسل رسالة إلى كل الأطراف بأنّ مساحات التفاؤل التي أعقبت توقيعه كان مبالغاً فيها، وأنّ أقصى ما يمكن أن يوصف به الاتفاق أنّه "تفاهم ضرورة" أملته حسابات الطرفين، وهو أقرب إلى هدنة، لا تصل إلى مستوى اتفاق استراتيجي، ومصالحة دائمة بين الطرفين يتبعها تعاون وشراكات سياسية واقتصادية.

وبعيداً عن تحميل الرياض أو طهران مسؤولية البطء في تنفيذ الاتفاق، وبمرجعية "الأسود والأبيض"، فإنّ محطات بارزة في السياسات الإيرانية بعد الاتفاق تؤكد أنّ طهران لم ترسل رسائل إيجابية جادة بأنّها تسير باتجاه مصالحة فعلية، وفقاً لما تم الاتفاق عليه، فعلى صعيد العلاقات الخليجية الإيرانية، كان لافتاً إثارة إيران قضية حصتها في حقل (الدرة) النفطي قرب الحدود السعودية ـ الكويتية، والذي تدرك طهران أنّه لا حقوق لها في الحقل، استناداً إلى الخرائط الدولية وقوانين حدود المياه الإقليمية، وبالتزامن شرع الحرس الثوري الإيراني، لأول مرة، بإجراء مناورات عسكرية في الجزر الإماراتية الموصوفة بالمتنازع عليها مع الإمارات (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، كما تواصلت تهديدات بحرية الحرس الثوري للملاحة في الخليج، في وقت تطرح فيه إيران تشكيل تحالف أمني بينها وبين دول الخليج لحماية الملاحة البحرية وأمن الخليج، بعيداً عن التدخلات الأجنبية (أمريكا). 

وفي الوقت الذي كان يؤمل فيه أن تلعب إيران دوراً إيجابيّاً في الملفين السوري والعراقي، دفعت القيادة السورية لعدم الاستجابة لمقررات الجامعة العربية بإعادة النظام السوري إلى الجامعة، وصعدت من استثمار الساحة السورية، بوصفها ورقة من أوراق صراعها مع أمريكا، وهو ما كشفته زيارات المسؤولين الإيرانيين لدمشق، ومن بينهم قائد فيلق القدس (إسماعيل قاني)، فيما يواصل حزب الله اللبناني، وبدعم إيراني، تعطيل تشكيل حكومة دائمة وانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وفي العراق أكدت زيارات مسؤولين إيرانيين لبغداد استمرار القبضة المحكمة للقيادة الإيرانية على العراق، واستمرار دعم فصائل الحشد العراقي، بما في ذلك تعزيز دورها في سورية، بحجج مقاومة الإرهاب والاحتلال الأمريكي، في الوقت الذي تتحرك فيه القوات الأمريكية داخل العراق، وربما كانت توقعات متفائلة ترى أنّ اليمن سيشكّل اختباراً حقيقياً للاتفاق السعودي ـ الإيراني، وبافتراض ذلك، فإنّ النتائج، رغم انخفاض حدة التوتر في اليمن، إلّا أنّ تقدّماً حقيقياً لم تشهده الساحة اليمنية بعد الاتفاق، رغم استمرار الوساطة التي تقوم بها سلطنة عُمان.

وفي الخلاصة؛ فإنّ اتفاقاً على المصالحة بين الرياض وطهران لا يمكن بناء توقعات بإنجازه وتنفيذه في بضعة أسابيع، فالملفات معقدة ومتشابكة، بأبعادها الإقليمية والدولية، ومن الصعوبة بمكان تخيل قدرة القيادة الإيرانية على تسويق اتفاق حقيقي، تغادر معه مرجعيات مذهبية شكلت أساساً للجمهورية الإسلامية، وهو ما تطرح معه تساؤلات فيما إذا ستكون كلفة السلام بالنسبة إلى طهران أكبر من كلفة الحروب.

مواضيع ذات صلة:

بعد القمة العربية.. كيف تنظر إسرائيل لإيران؟

مواقف بارزة ميّزت قمة جدة .. وهذه بنود البيان الختامي

قمة جدة... القادة العرب يؤيدون تصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية