بعد نفي زعيمها: ما مصير شبكة فاغنر في أفريقيا؟

بعد نفي زعيمها: ما مصير شبكة فاغنر في أفريقيا؟

بعد نفي زعيمها: ما مصير شبكة فاغنر في أفريقيا؟


12/07/2023

حالة من الغموض تكتنف مستقبل مجموعة فاغنر الروسية في أفريقيا، بعد أن فشل الانقلاب الذي قامت به ضدّ قيادة الجيش الروسي، وانتهى المطاف بزعيمها يفغيني بريغوزين منفياً في بيلاروسيا.

لعبت مجموعة فاغنر أدوراً وظيفية متعددة في أنحاء القارة السمراء، ووضعت نفسها في خدمة الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وغيرها؛ مقابل السيطرة على الموارد والحصول على أموال طائلة. واشتهرت عناصر المجموعة بالعنف الشديد والقسوة في معاملة المدنيين؛ بهدف سحق المعارضة، ودرء التهديدات المحتملة عن حلفائها، وممارسة الأساليب المافياوية، مثل: القتل والتعذيب والتهريب.

هل تتغير هذه الديناميكية بعد نفي مؤسس المجموعة؟ سؤال يطرح نفسه، في ظل حالة الارتباك داخل صفوفها، وكذا عدم وضوح مستقبل العلاقات فيما بينها وبين النظام الروسي، حيث مكنت المجموعة موسكو في وقت سابق من الوصول إلى الموارد الطبيعية في أفريقيا، والسيطرة على الموانئ التي يمكن شحن الذهب والأسلحة من خلالها؛ ممّا مكّن النظام الروسي من تمويل العمليات في أماكن أخرى، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا.

وبالطبع، فإنّ موسكو لا ترغب في خسارة مثل هذا الحضور الاستراتيجي القوي، وكذلك الزعماء الأفارقة، ومن ثمّ تطرح تساؤلات أخرى نفسها: من الذي سيقود الآلاف من مقاتلي فاغنر المتمركزين في العديد من الدول الأفريقية؟ وهل تقوم روسيا باستيعاب هؤلاء المقاتلين في الجيش النظامي؟ وهل يسمح بريغوزين بذلك؟

إعادة ترتيب المؤسسة العسكرية

بدأت موسكو، في أعقاب التمرد الفاشل لمجموعة فاغنر، في إعادة ترتيب مؤسساتها العسكرية والأمنية؛ بهدف احتواء شبكة المصالح السياسية والاقتصادية متعددة الأوجه التي بناها يفغيني بريغوزين، منذ منتصف العقد الأول من القرن الـ (21).

وبحسب جون ليشنر، الباحث المستقل والمتخصص في فاغنر، نقلاً عن صحيفة (لوموند) الفرنسية في تقرير لها، فإنّ المجموعة "حتى مع تغيير الاسم، يجب أن تبقى في أفريقيا في المستقبل المنظور".

هل تتغير هذه الديناميكية بعد نفي مؤسس المجموعة؟

في 26 حزيران (يونيو) الماضي قال سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي: إنّ عمل من وصفهم بــ "المدربين العسكريين الروس"، في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي سوف يستمر، فيما يبدو أنّها محاولة لطمأنة الحلفاء في البلدين. وفي 30 حزيران (يونيو) ترك رئيس الدبلوماسية الروسية كلّ الاحتمالات مفتوحة، مؤكداً أنّ الأمر متروك للحكومات الأفريقية لمواصلة أو وقف التعاون مع فاغنر.

مساحة ضيقة للمناورة في أفريقيا الوسطى ومالي

قبل نحو أسبوعين طلب المجلس العسكري الحاكم في مالي مغادرة بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (MINUSMA) دون تأخير. القوة الموجودة في البلاد منذ العام 2013 حاولت احتواء العنف المسلح، ولقي أكثر من (300) من أفرادها حتفهم، لكنّ النظام الحاكم يبدو أنّه قرّر الاعتماد على عناصر فاغنر؛ لبسط سيطرته والعمل بعيداً عن أعين القوات الأممية.

موسكو لا ترغب في خسارة مثل هذا الحضور الاستراتيجي القوي، وكذلك الزعماء الأفارقة

كانت الحكومة المالية قد طلبت من القوات الأممية تغيير موقفها الثابت، والخروج من المعسكرات، والانخراط في أعمال ودوريات هجومية لحماية قواعد الجيش المالي، بدلاً من حصر نفسها في حماية قواتها. بينما أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أنّ قوات حفظ السلام ليست جيشاً، أو قوة لمكافحة الإرهاب.

جدير بالذكر أنّ المجلس العسكري في مالي أصبح معادياً بشكل علني لبعثة الأمم المتحدة، بعد إصدار تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي اتهم القوات المالية والأفراد العسكريين الأجانب، الذين يُعتقد أنّهم من فاغنر، بارتكاب فظائع؛ بما في ذلك الإعدام الجماعي والاغتصاب والتعذيب في مورا.

ومن المرجح أن يؤدي انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى زيادة الاعتماد على قوات فاغنر في مالي؛ نظراً لقدرة الأخيرة على شن الهجمات الاعتراضية المضادة، التي تسعى إليها الطغمة العسكرية الحاكمة.

خبراء: إنّ الأمر ليس بهذه السهولة؛ بسبب استقلالية فاغنر، وامتلاكها شبكة معقدة من الأعمال المستقلة في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان

يوم السبت الماضي ألمح الكرملين إلى إمكانية حل المجموعة، لكنّ الخبراء يقولون إنّ الأمر ليس بهذه السهولة؛ بسبب استقلالية فاغنر، وامتلاكها شبكة معقدة من الأعمال المستقلة في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان، بالإضافة إلى عناد بريغوزين وإصراره على عدم حلّ المجموعة. كما أنّ وجود فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان لا يقتصر على "اتفاقيات الدفاع"، وإنّما يأتي في سياق خدمات الأمن، ومحاربة حركات التمرد المسلحة أو الحماية الرئاسية، وتقديم الاستشارات السياسية والانتخابية، واستغلال الموارد (التعدين، والأخشاب)، والإنتاج الصناعي، ناهيك عن الشبكات المالية، وهذا التكامل الأفقي هو ما يعطي فاغنر طابعها الفريد.

من جهتها، سارعت أفريقيا الوسطى تجاه إعلان ولائها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقالت سيلفي باوبوتيمون، وزيرة خارجية أفريقيا الوسطى، بحسب صحيفة (لوموند): "لم نُجرِ قط أيّ اتصال بشركات عسكرية خاصة"، زاعمة أنّ كلّ أواصر التعاون تنحصر مع النظام الروسي الرسمي، وأضافت: "الاتفاق الدفاعي تمّ توقيعه بين وزيري دفاع جمهورية أفريقيا الوسطى وروسيا الاتحادية"، وأكدت أنّ تمرد بريغوزين في روسيا "ليس له تأثير" على بانغي.

هل تنجح محاولة التأميم؟

في تقرير موثق نشرته الثلاثاء الماضي ذكرت منظمة (The Sentry) الأمريكية  أنّ السوريين والليبيين هم من بين الجنسيات الموجودة في صفوف فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، وبحسب مصادر عسكرية أكدت المنظمة أنّ قوات فاغنر تحكم سيطرتها على مناجم الذهب والألماس، وأنّها قامت باستخدام العنف الجنسي؛ كشكل من أشكال الحرب النفسية؛ لترويع وإخضاع مجتمعات محلية بأكملها في أفريقيا الوسطى.

سارعت أفريقيا الوسطى تجاه إعلان ولائها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين

ويتوقع محللون أنّ محاولة تأميم قوات فاغنر يمكن أن تؤدي إلى فراغ أمني خطير في جميع أنحاء منطقة الساحل. فعلى عكس القوات المنتشرة في أوكرانيا، فإنّ قوات فاغنر في الخارج لها دوافع تجارية، كما أنّ المقاتلين في أفريقيا يدفع لهم بريغوزين الذي تتاجر شبكة شركاته الخاصة في المعادن وخاصة الذهب، بسخاء كبير. وبحسب تقديرات الـ (فاينانشيال تايمز)، حققت إمبراطورية بريغوزين العالمية للتعدين نحو(250) مليون دولار بين عامي 2018 و2021.

يتوقع محللون أنّ محاولة تأميم قوات فاغنر يمكن أن تؤدي إلى فراغ أمني خطير في جميع أنحاء منطقة الساحل

ويمكن القول: إنّ روسيا لن تتمكن من إحكام سيطرتها على شبكة فاغنر المتمددة في أفريقيا، دون الدخول في مفاوضات مع بريغوزين، ذلك أنّ تشكيل هياكل إدارية جديدة لإدارة فاغنر عن بُعد أمر ربما يكون مستحيلاً، في ظل طبيعة الروابط وموازين القوى السياسية في القارة السمراء، كما أنّ عناصر فاغنر في أفريقيا، التي تقدر بحوالي (5) آلاف مقاتل، تحتاج إلى موسكو من أجل تزويدها بالمعدات العسكرية الثقيلة والذخائر، وعليه يبدو الاتفاق محتماً، وهو أمر ربما رآه البعض في لحظة ما شبه مستحيل.

مواضيع ذات صلة:

هل التقى بوتين مع بريغوجين وقادة "فاغنر"؟

تقرير: وصول 500 من فاغنر إلى ليبيا قادمين من أفريقيا الوسطى

هل يسقط بوتين فاغنر أم يضع يده عليها؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية