بين الحزب الحاكم والمعارضة... مشروع "قرن تركيا" دعاية انتخابية أم مشاريع حقيقية؟

بين الحزب الحاكم والمعارضة... مشروع "قرن تركيا" دعاية انتخابية أم مشاريع حقيقية؟

بين الحزب الحاكم والمعارضة... مشروع "قرن تركيا" دعاية انتخابية أم مشاريع حقيقية؟


22/02/2023

يحتدم الصراع بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وبين المعارضة، للوصول إلى سدة الحكم خلال الانتخابات التي من المحتمل أن تُجرى خلال الصيف المقبل، بالتزامن مع الاحتفال بمئويتها الأولى، بعد الاستقلال وقيام الجمهورية الجديدة على أنقاض الدولة العثمانية عام 1923.

وقدّم كلٌّ من الحزب الحاكم الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان وحزب الشعب الجمهوري المعارض رؤيته لمشروع "القرن المُقبِل" لتركيا، لتكون بمثابة النهج الذي سيسير وفقه من سيتسلم زمام الأمور في تركيا، رغم أنّ الزلزال المدمر أحد المستحدثات، والذي سيكون له تأثير كبير في الانتخابات.

مركز الإمارات للسياسات استعرض في دراسة حديثة له نشرها عبر موقعه الإلكتروني مشروع "قرن تركيا"، وبيّن عناصره التي يروّج لها.

وقد قدّم الرئيس أردوغان مشروع "قرن تركيا" لحزبه في احتفالات الجمهورية في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وبدأ في زيارة الولايات التركية واحدة تلو الأخرى ليشرح مشروعه ضمن حملته للانتخابات المقبلة.

ووضع مستشار الرئيس أردوغان ومسؤول الدعاية الانتخابية لحزبه، وأحد القيادات التي عملت على وضع هذا المشروع، البروفسور إرتان أيضن، وضع المشروع تحت شعار "فرد سعيد، وشعب مُرفَّه، ودولة قوية"، مُعتبراً أنّ المشروع يرتكز على هذه الأهداف الـ (3) الكبرى.  

ووفقاً للدراسة، فإنّ المطّلع على هذا المشروع يجد أنّه لا يتسم بكونه مشروعاً استراتيجياً متكاملاً ذا رؤية واضحة، وإنّما هو مجموعة من المشاريع التي نُفِّذ جزءٌ كبير منها في الماضي، مع توجه قومي إيديولوجي واضح يطغى على أهداف تلك المشاريع.

لا يتحدث مشروع القرن عن حقوق الإنسان أو استقلال القضاء والعدالة

تطغى على أدبيات مشروع "قرن تركيا" الذي قدّمته الحكومة مصطلحات "قومي، ووطني، ومحلي" في توصيف معظم المشاريع المطروحة فيه، ويركز المشروع على أهداف أهمها تقليل الواردات وتعظيم الصادرات، وتطوير الصناعات المحلية في المجالات كافة. ونجد أنّ المسار العام لهذه الأهداف هو نفسه، ويكمن في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتطوير هذه القطاعات بشكل يقلل من الاعتماد على الخارج والاستيراد، وزيادة الإنتاج المحلي الوطني، والاهتمام بإظهار الثقافة الوطنية القومية المحلية الخاصة بالمجتمع التركي. وهنا يمكن استشفاف الصبغة الإسلامية التي يُراد أن تطغى على مشاريع هذه المئوية، والتي استُعيض عن ذكرها بوضوح من خلال تكرار مصطلح "قومي ومحلي"، والتأكيد على "الثقافة التركية المحلية" وعادات المجتمع التركي المسلم. وتشير ديباجة المشروع إلى أنّ أحد أهم أسباب انهيار الدولة العثمانية كان اعتمادها على الغرب، واستيرادها التكنولوجيا والتقدم الصناعي من دوله، دون أيّ مراعاة لتقاليد المجتمع التركي أو تطويع هذه الصناعات والتكنولوجيا الغربية لثقافة المجتمع التركي وتقاليده. وتشير الديباجة أيضاً إلى أنّ الاعتماد على الغرب في تطوير الصناعة والتجارة محلياً، أدى إلى "استسهال قبول السياسات الاستعمارية الغربية"، وظهور تيارات سياسية تركية متعاطفة معها وقابلة لها، وعليه فإنّ على الشعب التركي المسلم -وفق الديباجة- أن يتخلى عن اعتماده على الغرب، وأن يصنع تطوره ذاتياً من أجل منع أيّ محاولات غربية للهيمنة على تركيا.

مشروع أردوغان لا يتسم بكونه مشروعاً استراتيجياً متكاملاً ذا رؤية واضحة، وإنّما هو مجموعة من المشاريع التي نُفِّذت في الماضي، مع توجه قومي إيديولوجي واضح

وحول أهم سماته قال مركز الإمارات: إنّ مشروع القرن يربط تقدُّم تركيا ببقاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في السلطة، من خلال تقديم أنّ هذا الحزب هو الذي استطاع نقل تركيا إلى وضع أفضل خلال الـ (20) عاماً الماضية وتحويلها إلى قوة إقليمية وعالمية حقيقية، وأنّ هذا الأمر يؤكد أنّ الحزب الحاكم هو الحزب الوحيد القادر على وضع مشروع مئوية لتركيا وتنفيذه.

لقد تمّ  تحويل مشروع القرن، وفق الدراسة، إلى نوع من الحملة الدعائية الانتخابية في شكل مباشر وواضح، حيث أظهر المشروع أنّ "المعارضة ليس لديها أيّ أمل تُعطيه للناخبين، بينما الرئيس أردوغان يحاول الوصول إلى جميع أطياف المجتمع التركي من خلال مشروع القرن".

يتحدث مشروع القرن للحكومة عن "قوة وصاية عالمية" لا يشرح مَن هي أو ممَّ تتكون، ولكنّه يؤكد أنّ هذه القوة تُدرك إمكانات تركيا وقدرة الرئيس أردوغان على تسخير هذه القوة من أجل تحويل تركيا إلى لاعب عالمي قوي، لذا فإنّ هذه القوى تسعى دائماً للإطاحة بالرئيس.

ونوّهت الدراسة أنّ مشروع القرن لا يشتمل على جرد لمشاكل تركيا الأساسية، وبدلاً من ذلك يطرح عدداً من المشاريع التي لا يربط بعضها البعض أيّ رابط، وإنّما يُقال إنّ هذه المشاريع ضرورية من أجل تحويل تركيا إلى قوة عالمية خلال القرن المقبل.

حكومة أردوغان تربط تنفيذ وعودها في هذا المشروع ببقائها في الحكم لعقود طويلة

لا يتحدث مشروع القرن عن حقوق الإنسان أو استقلال القضاء والعدالة، وإنّما في المقابل يتحدث عن مبادئ ومعايير أخرى هي "العادات والتقاليد، والعيش المشترك، وتقاسم الثروة بشكل أكثر عدالة".

وحول المجالات التي يشملها مشروع القرن المقدم من الحكومة، فإنّه يحتوي على (16) بنداً  أساسياً؛ منها الاستدامة في حماية البيئة، وتطوير الزراعة، والتشجير، وبناء محطات الطاقة على السدود المائية، وتدوير النفايات للوصول إلى صفر نفايات، وبناء المباني التي لا ينبعث منها الكربون، وبناء المفاعلات النووية، وتحويل مطار أتاتورك القديم في إسطنبول إلى حديقة عامة. لكنّ المشروع لا يتطرق إلى أيّ تفاصيل عملية حول تحقيق هذه الأهداف أو مصادر تمويلها.

 ومن الأساسيات أيضاً الأمن، والتنمية، والقوة، والنجاح، والسلام، والعلم، ودعم الشعوب، والإنتاجية، والاستقرار، والمواصلات، والرقمنة، والاستثمار في الإنسان والمواطن، واستغلال الشباب.

هذا، واستعرضت الدراسة بعض المشاريع المقدمة في مشروع قرن تركيا؛ ومنها الصناعات العسكرية المحلية، والبنية التحتية للتكنولوجيا والاتصالات، والمواصلات المتفرعة إلى الإنترنت، والأقمار الصناعية، ومحطة الفضاء، وسيارة TOGG الكهربائية محلية الصنع، بالإضافة الى المشاريع في قطاع الطاقة، والبيئة النظيفة والخضراء، إلى جانب وضع الزراعة في مشاريع تركيا المئوية.

مشروع القرن يربط تقدُّم تركيا ببقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة، من خلال تقديم أنّ هذا الحزب هو الذي استطاع نقل تركيا إلى وضع أفضل

وشدد المركز في دراسته على أنّه لا توجد سياسة واضحة لتحقيق هذه الأهداف، والتي يمكن أن تبقى حبراً على الورق، وألّا يتم تنفيذ الجديد منها على أرض الواقع، مع محاولة النظام لتجيير النجاحات السابقة في مشاريع مقامة لصالحه.

أمّا عن أهمّ العقبات أمام تحقيق الحكومة التركية لأهداف مشروع القرن، فإنّ حكومة أردوغان تربط تنفيذ وعودها في هذا المشروع ببقائها في الحكم لعقود طويلة، لكن حتى في حال بقاء حكومة العدالة والتنمية في الحكم، ما بعد الانتخابات المقبلة، فإنّ هناك عوائق كبيرة ومهمة تَحُول دون تنفيذ العديد من هذه الوعود والمشاريع، ومن بينها:

تركيز حكومة العدالة والتنمية على الإيديولوجيا القومية والإسلامية في سياساتها، وسعيها للتماهي بين الدولة والحزب الحاكم، وهو أمر لا يساعد على وصول الكفاءات التركية من خارج تلكما الإيديولوجيتين إلى مواقع صناعة القرار، هذا إلى جانب الميزانيات المخصصة للبحث العلمي المتدنية جداً في تركيا، فضلاً عن تراجع الجامعات الخاصة عن تقديم أيّ أبحاث عملية أو تجريبية، هذا بالإضافة إلى اعتماد حكومة العدالة والتنمية على آلية "حرق المراحل" بدلاً من البحث والتطوير (R&D) لأسباب انتخابية بحتة، وهو ما يظهر واضحاً في معظم مشاريع التصنيع المحلي التي تعتمد بشكل كبير على استيراد القطع الأساسية لأيّ منتج من الخارجي وتجميعها، بدلاً من العمل على تصنيع القطع الأساسية محلياً.

من أولويات مشروع القرن للمعارضة حلّ المسألة الكردية

ومن العقبات أيضاً لمشروع القرن تراجُع وضع الاقتصاد في تركيا؛ بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية التي يتوقع كثير من الخبراء أن تستفحل بعد الانتخابات المقبلة، مع تبعات الزلزال المدمر.

بالمقابل، مشروع المعارضة اختلف بشكل جذري ومهم عن مشروع الحكومة في الأولويات والأهداف وطريقة تحقيقها، فقد اعتمد حزب الشعب الجمهوري على استضافة عدد من الخبراء الأجانب (من ألمانيا والولايات المتحدة)، وكذلك خبراء أتراك يعملون في جامعات ومؤسسات دولية خارج تركيا، لتقديم أجزاء المشروع كلّ واحد في تخصصه، في رفض قاطع للانغلاق القومي أو الشعارات الدينية المطروحة في مشروع الحكومة، والتأكيد على ضرورة دمج تركيا في المجتمع الدولي والغربي تحديداً.

مشروع القرن لا يشتمل على جرد لمشاكل تركيا الأساسية، وبدلاً من ذلك يطرح عدداً من المشاريع التي لا يربط بعضها البعض أيّ رابط

وقد ركّز مشروع المعارضة على أولويات سياسية؛ في مقدمتها الارتقاء في مجال حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وتغيير نظام الحكم الرئاسي، وإعادة الاستقلال إلى قطاع القضاء، ومحاربة الفساد المالي والإداري، ومساواة الفرص في التعيين والتعليم. ورأى المشروع أنّ هذه الإصلاحات ضرورية من أجل إصلاح الاقتصاد لاحقاً، على اعتبار أنّه لا يمكن إصلاح الاقتصاد من دون عودة "الديمقراطية والشفافية" بشكل كامل إلى نظام الحكم في تركيا.

وبحسب الدراسة ركَّز المشروع أيضاً على إصلاح الوضع الاقتصادي التركي من خلال تعاون أكبر مع الغرب ودول الجوار، وإعادة الثقة في كون تركيا دولة تركز على النمو الاقتصادي والاستقرار وليس على القوة العسكرية أو التدخل في شؤون الدول الأخرى، وفتْح الباب للتعاون مع صندوق النقد الدولي والمحافظ المالية الكبرى حول العالم من خلال سياسة اقتصادية حرة، وبالتالي فإنّ المعارضة حتى في حديثها عن تطوير الصناعات المحلية، فإنّها تركز على الشراكة مع الغرب وترفض شعارات الاستغناء والاستقلال عن الغرب في هذا المجال.

ومن أولويات مشروع القرن للمعارضة، الذي تحوّل أيضاً إلى حملة انتخابية واضحة، حلّ المسألة الكردية، واعتبار ذلك أساساً من أجل تحول تركيا إلى دولة ديمقراطية داخلياً، وجارة مُسالمة في محيطها خارجياً، ولتكون لديها علاقات أفضل مع المجتمع الدولي.

اتَّسمت مشاريع المعارضة بالوضوح وتفصيل الخطط من أجل تحقيق الأهداف المعلنة

اتَّسمت مشاريع المعارضة بالوضوح وتفصيل الخطط من أجل تحقيق الأهداف المعلنة، مثل تقسيم تركيا إدارياً إلى (5) مناطق، وإنشاء مناطق صناعية وزراعية حرة في مناطق وُزِّعَت جغرافياً بالفعل على الخارطة، بالإضافة إلى مشروع مفصل عن تحويل تركيا إلى مركز إقليمي للدعم اللوجستي والطاقة في المنطقة عبر مشاريع ربط بري بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ومخازن النفط والغاز.

لا توجد سياسة واضحة لتحقيق أهداف المشروع، والتي يمكن ان تبقى حبراً على الورق، مع محاولة النظام لتجيير النجاحات السابقة في مشاريع مقامة لصالحه

وختم المركز دراسته باستنتاج يتعلق بأنّ المشروع الذي قدّمه الرئيس رجب طيب أردوغان حول "القرن التركي" في الأساس مشروع دعاية انتخابية، بالنظر إلى تصادف الانتخابات مع مئوية الجمهورية التركية، وهو يحوي العديد من المشاريع التي نُفِّذَ بعضها، وبعضها قيد العمل، وأخرى مستقبلية، لكن دون وضوح في آليات التنفيذ. ويكتسي المشروع بصبغة قومية دينية محافظة، تحت بند الحفاظ على معايير الأتراك وتقاليدهم التي تمتد جذورها إلى الدولة العثمانية الإسلامية.

ويبدو المشروع، وفقاً لذلك، أقرب إلى شرح منظور الرئيس أردوغان لمشاريع حكومته وأهدافها، لكنّه بعيد عن مشروع لتحويل تركيا إلى جمهورية جديدة أو ذات مميزات مختلفة.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية