بين جبهات القتال وطاولة المفاوضات: من لا يملك خيار الحرب هل يملك خيار السلام؟

بين جبهات القتال وطاولة المفاوضات: من لا يملك خيار الحرب هل يملك خيار السلام؟

بين جبهات القتال وطاولة المفاوضات: من لا يملك خيار الحرب هل يملك خيار السلام؟


25/06/2023

انطلقت النسخة الثانية من منتدى اليمن الدولي الثاني -الذي ينظمه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية- يوم الإثنين الموافق 12 حزيران (يونيو) 2023، في قصر السلام في لاهاي. وقد شارك في المنتدى أكثر من (250) مشاركاً من داخل اليمن وخارجها: ممثلون عن الحكومة اليمنية والأطراف السياسية ونشطاء وممثلون عن المجتمع المدني وأكاديميون ودبلوماسيون ووسطاء دوليون.

نوايا حسنة تصطدم بطرف متعنت

يهدف المنتدى، في نسختيه الأولى والثانية -كما جاء في تقرير المنتدى- إلى "جمع الجهات الفاعلة الدولية مع الأطراف السياسية اليمنية والأفراد المنخرطين في مبادرات تعمل بالتوازي مع العملية السياسية: الشباب، وممثلي المجتمع المدني، والخبراء، والأكاديميين". وقد طرح هؤلاء تصوراتهم حول مستقبل اليمن في مرحلة ما بعد الحرب. وركز المنتدى على (6) مجالات محورية؛ وهي: التسوية السياسية، والحياة السياسية، والملف الجنوبي، والاقتصاد، والمصالحة والعدالة، والأمن. وقد أجمع غالبية المشاركين في المنتدى على ضرورة "إنهاء الحرب كشرط أساسي لإحراز تقدم ملموس في كافة المحاور". كما تضمن ملف التسوية السياسية في التقرير النهائي لعام 2022: "تفكيك القوات غير الحكومية ومطالبتها بالتخلي عن أسلحتها".

لكن من يملك إنهاء الحرب وتفكيك القوات غير الحكومية؟  

يبدو من هذين المطلبين -ومن التقرير النهائي الحالم للمنتدى، ومن كلمات المشاركين واللقاءات الجانبية مع أبرز المشاركين- أنّ جهود المنتدى، فيما يتعلق بالسلام، تظل مجرّد أمانٍ ودعوات غير ملزمة لأطراف النزاع، وهي على ذلك لا تختلف كثيراً عن مبادرة "جماعة نداء السلام" إلّا في كون المنتدى يحظى برعاية ودعم دوليين، ولديه برنامج انعقاد سنوي وخطط في مجالات أخرى مرتبطة بالسلام ولا يمكن تحقيقها إلّا به.

خريطة السيطرة العسكرية في اليمن / المصدر: med-dimensions.org

تأسست "جماعة نداء السلام" في مطلع عام 2017م، وسمّيت بهذا الاسم، نسبة إلى نداء السلام، الذي وجهته الجماعة "إلى الأمم المتحدة وبعض ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية، لوقف الحرب وإحلال السلام في اليمن. وهو النداء الذي وقّعت عليه قرابة (500) شخصية، من الأكاديميين والكتّاب والأدباء والسياسيين والناشطين الحقوقيين والشخصيات العامة، وسُلمت نسخ منه إلى مكتب الأمم المتحدة في صنعاء وإلى بعض السفارات الأجنبية في الخارج، ومنها سفارات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وإلى المبعوث الأممي إلى اليمن، ونُشر في مواقع التواصل الاجتماعي في حينه".

شارك في المنتدى أكثر من (250) مشاركاً من داخل اليمن وخارجها: ممثلون عن الحكومة اليمنية والأطراف السياسية ونشطاء وممثلون عن المجتمع المدني وأكاديميون ودبلوماسيون ووسطاء دوليون

تتكون جماعة نداء السلام من (3) مكونات: التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، ولجنة تنسيق الجهود لإيقاف الحرب، ومنتدى الحوار الفكري. "ومعظم أعضائها من المدنيين والعسكريين المتقاعدين، ذوي التاريخ الوطني الممتد." وتتلخص أهدافها في: "إيقاف الحرب، ورفع الحصار، والعودة إلى طاولة الحوار اليمني-اليمني، تحت إشراف الأمم المتحدة، للتوافق على بناء الدولة اليمنية، القائمة على الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والتبادل السلمي للسلطة، عبر صناديق الانتخابات."

ما يقوم به "منتدى اليمن الدولي" و"جماعة نداء السلام" جهد مهم، لكن حتى اليوم لا يوجد مشروع سلام برؤية متكاملة تضع في الاعتبار مصلحة اليمن قبل مصلحة أطراف الصراع ويكون حجة على من يرفضه. لكن حتى لو وجد مثل هذا المشروع، فالنية غير متوفرة لدى أطراف النزاع، وخاصة قيادة الحوثيين التي تعرقل أيّ مبادرة سلام، ممّا يجعل دعوات ومبادرات السلام تذهب أدراج الرياح. فهل الحوثيون لا يرغبون في السلام، أم أنّهم يريدون سلاماً بشروطهم انطلاقاً من قوتهم على أرض الواقع، وممّا يمكن أن يفعلوه بالوسائل القتالية؟

هدنة دموية

في 2022، وبمبادرة من الأمم المتحدة، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ هدنة مدتها شهران تبدأ في 2 نيسان (أبريل) 2022 وتنتهي في 2 حزيران (يونيو) 2022، وقد جُددت الهدنة مرتين، لتنتهي في 2 تشرين الأول (أكتوبر). تضمنت اتفاقية الهدنة "وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية، والسماح بدخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة واستئناف الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء." لكن يبدو أنّ الهدنة لم تشمل حماية المدنيين؛ فقد استمرت الانتهاكات وبلغ عددها، في أشهر الهدنة الـ (6)، بحسب موقع (مراقبة الهدنة في اليمن)، وموقع (هيومان رايتس واتش)، (2977) حادثة قصف وقذائف مدفعية وهجمات صاروخية، أدت إلى مقتل حوالي (938) مدنياً، "أيّ أكثر بـ (8) أضعاف عن الأشهر الـ (6) السابقة للهدنة، كما سجلت (374) غارة جوية بطائرة مسيّرة، و(369) اشتباكاً مسلحاً." كما سجلت منظمة (مواطنة لحقوق الإنسان) (14) هجوماً برياً عشوائياً على الأقل طوال فترة الهدنة. في إحدى الهجمات في 23 تموز (يوليو) 2022 قصف الحوثيون حياً سكنياً في تعز، فقتلوا طفلاً وأصابوا (11).

من الواضح أنّ الحرب قد أنهكت جميع أطرافها

من الواضح أنّ الحرب قد أنهكت جميع أطرافها، والوضع الإقليمي والدولي يتجه نحو وقفها، حتى أنّه لم تعد هناك مراقبة دولية للانتهاكات الحقوقية في اليمن منذ أن حُلّ في 2021 "فريق الخبراء البارزين"، وهي هيئة المراقبة المفوضة من "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة. صحيح أنّ "مجموعات غير حكومية وهيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة سدت الفجوة جزئياً، إلا أنّ عملها لم يعوّض غياب هيئة تحقيق مستقلة ومدعومة من الأمم المتحدة تتمتع بالموارد الكافية."

العالم مشغول بقضايا أهم من الحرب اليمنية المنسية، والسعودية ترغب في سلام استراتيجي، وقد تنجح في تحقيق سلام مع الحوثيين، أمّا السلام بين الحوثيين والشرعية، فمسألة مختلفة، سيكون كالسلام بين إسرائيل وغزة!

تتباين قدرة طرفي الحرب الأساسيين، وهما: الحوثيون والشرعية، على استئناف العمليات القتالية بحسب قدراتها ودعم الحليفين الرئيسيين: إيران والسعودية. منذ بداية الحرب ظهر الحوثيون، إعلامياً وميدانياً، وكأنّهم يملكون قرارهم؛ بحكم أنّهم جبهة واحدة، ولأنّ إيران لم تُظهر دعمها علناً، خلافاً للسعودية التي ظلت في واجهة الحرب وفي واجهة السلام، ممّا يعني أنّ الشرعية لا تملك قرارها، وهو ما سينعكس سلباً على أيّ عملية سلام قادمة. رغبة السعودية في تصفير مشاكلها يدفعها لتوقيع تفاهمات مع إيران والحوثيين، حتى لو أتى على حساب الشرعية، في صورة تعيد إلى الذهن معركة صفين فيظهر الأشعري مرادفاً للسعودية، وعمرو بن العاص مرادفاً لإيران، والنتيجة ستصب لصالح معاوية مع اختلاف جهته ومسمّاه هذه المرة!

خارطة الأمر الواقع

قوات الشرعية في تراجع، وقد توقفت عن الهجوم منذ 2016 تقريباً، وتقتصر عملياتها على الدفاع، ممّا يعني أنّها قد أعلنت استسلامها ورغبتها في الاحتفاظ بما تسيطر عليه من مناطق، ربما انتظاراً للسلام! وفي الوقت الذي استمرت فيه قوات الحوثيين في التقدم في أكثر من جبهة انشغلت القوات المناوئة لها في معاركها الجانبية، على سبيل المثال: معارك الإخوان ضد السلفيين وقوات اللواء (35) مدرع في تعز، والقتال الذي نشب في 2020 بين قوات المجلس الانتقالي والقوات الموالية للحكومة، وانتهى بسيطرة الانتقالي على مدينة عدن ومعظم محافظات الجنوب... ثمّة معارك باردة وصراعات على النفوذ تدار من وقتها هناك، وهذه المعطيات تشير إلى أنّ معركة تحرير صنعاء، من خلال الحرب، لم تعد في حسبان الشرعية، وأنّهم يأملون في تسوية سياسية تحقق ما لم تستطعه الحرب، لكنّ تعنت الحوثيين يجعل من مطالب الشرعية في السلام أقرب إلى نداء الاستسلام.

الحوثيون الذين عرقلوا فتح طرقات تعز لا يهمهم فتح مطار صنعاء لإنهاء الأزمة الإنسانية ولن يوافقوا على أيّ مبادرة لفتحه إلا إذا كانت ستحقق هدفهم

خارطة اليمن اليوم مقسّمة إلى مناطق عدة: منطقة تديرها الحكومة المعترف بها دولياً، ومنطقة يديرها الحوثيون، وثالثة يديرها المجلس الانتقالي الجنوبي، ورابعة تديرها القوات المشتركة. تسيطر الحكومة المعترف بها دوليّاً على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، لكنّ معظمها أراضٍ صحراوية، كما تدير المحافظات النفطية: مأرب وشبوة وحضرموت، إضافة إلى محافظة المهرة، وأجزاء من محافظات أبين والجوف، وتحضر صوريّاً في عدن، العاصمة المؤقتة التي يديرها المجلس الانتقالي، الذي يعترف بالحكومة اليمنية، لكنّه لا يسمح لها بنشر قواتها ويتجه عملياً للانفصال... في حين يسيطر الحوثيون على معظم محافظات البلاد المكتظة بالسكان بما فيها العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة التي تحوي ميناء استراتيجياً. ويقود طارق صالح أبرز الفصائل العسكرية المنضوية في القوات المشتركة التي تسيطر على الشريط الساحلي الممتد من مضيق باب المندب الاستراتيجي حتى مدينة الحديدة.

خارطة اليمن اليوم مقسّمة إلى مناطق عدة

يبدو أنّ خارطة النفوذ المقسمة هذه وجدت لتستمر. وهذه حقيقة يمكن للشخص العادي استنتاجها منذ 2017 على الأقل، فكيف بالقادة العسكريين والساسة أصحاب القرار؟ الذي أعطى أوامر الانسحاب من مواقع نهم، المطلة على صنعاء، يقف وراء هذه الخارطة، وهو نفسه الذي مكّن الحوثيين من الانتصار في معركة الحديدة - ليكون لهم ميناء ومنفذ بحري- وقد كانت هزيمتهم سهلة! والذي أعطى الأوامر بقصف البنية التحتية والمدنيين وترك الأهداف الحوثية هو نفسه الذي صمم هذه الخارطة. من غير المعقول أن يتقدم جيش غير نظامي براً بدون غطاء جوي ويتراجع جيش مدعوم بغطاء جوي متفوق! إلا إذا كان الهدف هو الوصول إلى واقع اليوم. عندما توفرت إرادة تحرير عدن تمت العملية في أيام. ولو توفرت إرادة تحرير صنعاء لكان ذلك ممكناً حتى من داخلها. ليس السلام الدائم إذن هو الهدف من كل ما حصل. الهدف هو سلام هش وبؤر صراع يمكن تغذيتها في أيّ لحظة. هذه حقيقة يلزمها قليل من الكرامة ليعترف بها الذين يتلقون رواتبهم من الخارج، وربما يكون في هذا الاعتراف بداية الحل.

من الذي يعرقل السلام؟

بحسب موقع (هيومن رايتس ووتش)، واصلت أطراف النزاع، والحوثيون تحديداً، تقييد وصول المساعدات الإنسانية. سجّل "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) حوالي (1205) حوادث عرقلة أو تدخل في وصول المساعدات الإنسانية خلال الهدنة، منها ارتكاب العنف ضد العاملين في مجال الإغاثة. وفي الأشهر الـ (3) التي أعقبت بدء الهدنة، ازداد العنف ضد العاملين في مجال الإغاثة ومنشآتهم بـ 40% مقارنة بالأشهر الـ (3) السابقة." فهل تكفي هذه الأفعال لكشف نوايا الحوثيين، أم أنّهم يقصدون بها المزيد من الضغط من أجل الحصول على المزيد من المكاسب؟

هناك من يقول إنّ "السلام سُمّ الحوثيين"، وهذا صحيح؛ فقد استفادوا من "العدوان الخارجي" أكثر ممّا أضرهم. لكن لن يقدر أحد أن يجرّعهم هذا السم إلا بالقوة لا بالاستجداء. الحوثيون الذين عرقلوا فتح طرقات تعز لا يهمهم فتح مطار صنعاء لإنهاء الأزمة الإنسانية، ولن يوافقوا على أيّ مبادرة لفتحه إلا إذا كانت ستحقق هدفهم. وليست أول مرة يعرقل فيها الحوثيون عمليّاً مبادرات السلام. ولا يمكن إجبارهم على قبول السلام بالكلمات، ولكن بالتقدم على الأرض. لكن يبدو أنّ السلام، بالنسبة إلى التحالف، أصبح "خياراً استراتيجياً"، وهذا يخدم الحوثيين؛ لأنّ رفضهم للسلام لا يتحول إلى لغة خطابية، وإنّما إلى قائمة أهداف على الأرض.

لماذا على الحوثيين التوجه للسلام، وهم يعتقدون أنّهم قادرون على تحقيق ما يسعون إليه بالحرب؟

هناك حقيقة يقررها المثل: "إذا أردت السلام، فكن مستعداً للحرب"، بمعنى أنّ القوة، وليست النوايا الحسنة فقط، هي التي تصنع وتفرض السلام. ولكي يكون هناك عدل في بنود السلام لا بدّ من تكافؤ القوى على الأرض. في الأخير "تقسيم اليمن مرهون بقرار اليمنيين أنفسهم" على حدّ وصف المبعوث السويدي إلى اليمن بيتر سيمنبي، لكنّ اليمنيين حتى اليوم لا يملكون قرارهم.

مواضيع ذات صلة:

اليمن: جامعة تعز تحت حصار الإرهاب الإخواني

اليمن: الإخوان والحوثي والقاعدة... هل أصبح التخادم على المكشوف؟

لأي هدف يقاتل حزب الإصلاح الإخواني في اليمن؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية