تحوّلات "الإخوان": معارضة بالكلاشنيكوف وإرهاب باللسان

تحوّلات "الإخوان": معارضة بالكلاشنيكوف وإرهاب باللسان


07/03/2021

منير أديب

مرت كل التنظيمات الدينية المتطرفة بعدد من التحولات على مستوى التنظيم والأفكار معاً، فهناك تنظيمات أصبحت أكثر عنفاً مثل تنظيم ما يُسمى بـ"الدولة الإسلامية" (داعش) وأصبح الإرهاب "العنيف" إحدى سماته الجديدة، بينما انتقلت تنظيمات أخرى من مربع العنف المحدود إلى عالمية الممارسة العنيفه مثل تنظيم "قاعدة الجهاد" حتى باتت قاطرة العمل الجهادي في العالم. بين هذين التنظيمين وقفت حركة "الإخوان المسلمين" التي جمعت صفات "القاعدة" في عدم محدودية حركتها، ولعلها كانت الأسبق في ذلك من غيرها، وهي لا تختلف كثيراً عن "داعش" في توجهها العنيف، سواء على مستوى الفكرة أو التنظيم.

تنظيم "الإخوان المسلمين" كان الأذكى في التعامل مع واقعه بخلاف تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، فبرغم أنه الأقدم في النشأة، إذ قارب عمره المئة عام، وأنه المصدّر الأول والرئيسي للعنف، إلا أنه أستطاع أن يتوارى عن الأنظار، حتى اختلف في أمرة السياسيون والأمنيون على حد سواء، وهو ما أبعده عن المواجهة ظناً من أنه تيار وسطي، والحقيقة أنه يحمل جينات العنف وسماته وإن كان يغيّر سلوكه وفق متطلبات المرحله، وهو ما ساعد في تأخر تقييمه الحقيقي.

من رحم "الإخوان المسلمين" خرجت كل تنظيمات العنف والتطرف، أسامة بن دلان، زعيم "القاعدة" كان منهم بشهادة أثبتها ووثقها الزعيم الحالي أيمن الظواهري، نقلها إليه بن لادن فنقلها الظواهري إلينا بلا رتوش، كما أن زعيم "داعش" وخليفة التنظيم أبو بكر البغدادي كان من "الإخوان" بحسب ما أكده الزعيم الروحي للتنظيم يوسف القرضاوي، ليس هذا فحسب، ولكن أغلب قيادات التنظيمين كانت جماعة "الاخوان" جسر عبورهم إلى المحطه الأكثر عنفاً ونقطة الانطلاق إلى تنظيمات عابرة للحدود والقارات.

ما نريد قوله في هذه النقطة، أن العلاقة بين "الإخوان" والتنظيمات المتطرفة، سواء المحلية أو الإقليمية أو المتعدّية الحدود، لم تكن على مستوى قياداتها، ولكن أغلب أعضائها مروا على "الإخوان"، وهنا يمكن التأكيد أن الإخوان كانوا بمثابة شريان العنف الممتد، ليس على مستوى تصدير المقاتلين في هذه التنظيمات، سواء من قياداتها أو حتى مقاتليها، ولكن على مستوى الأفكار أيضاً، وهنا نطرح تصوراً مهما ما زال غائباً عن المجتمع الدولي يرتبط بتصور مواجهة الإرهاب العالمي، والذي لا بد أن يبدأ بتنظيم "الإخوان المسلمين"، فأي مواجهة تستثني "الإخوان" تبقى مجرد مواجهة للذيل لا للرأس.

من الجدالات التي وقعت فيها النخبة المتصدّرة لقراءة تنظيمات العنف أو مواجهتها، مدى علاقة "الإخوان" بالعنف؟ وإذا كانت هناك علاقة فما مستواها؟ هذه الحالة السائلة من الأفكار المتضاربة التي قدمت بها الجماعة نفسها خلقت جداراً من الحماية، فالجماعة التي مارست كل أشكال العنف ومستوياته دفعت أنظمة سياسية عربية لإتاحة حرية الحركة لها واحتضانها حتى باتت في هذه البلدان المشار إليها جزءاً من تركيبة النظام السياسي، ولعل هذه الأنظمة حاولت من خلالها صناعة حالة التوافق، سواء على المستوى السياسي أو على مستوى مواجهة التيار الشيعي بقيادة إيران، الذي يحاول أن تكون له أذرع دينية وسياسية وعسكرية في بلداننا.

عندما نقول إن خطر "الإخوان المسلمين" أكبر من خطر التنظيمات المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش"، فمستوى الخطر لا يُقاس بدرجة العنف الممارس فقط، وإن كان العنف دلالة مهمة في الحكم، ولكن خطورة تنظيم "الإخوان" تبقى في الأفكار التي نظر من خلالها الى العمل "الحركي"، فكانت بداية تنظيمات الإسلام السياسي من تنظيرات الحركة على المستوى الفكري والممارسة أيضاً، كما أن الأفكار التي سوّقتها "الجماعة" وما زالت تمثل المعين الذي لا ينضب لكل تيارات العنف والتطرف على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وهنا نؤكد أنها ما زالت تمثل المادة الخام لكل تيارات العنف والتطرف.

النظرة المدققه الى أي فصيل ينتمي الى تنظيمات الإسلام السياسي لا بد من أن تكون منتبهة للبيئة التي يصنعها هذا التنظيم، فهي لا تقل خطورة عن الأفكار التي تحرك هذا التنظيم نفسه في اتجاه العنف المختلفة ومستوياته، ولعل هذا هو السر وراء الإرهاب اللفظي.

فد تكون حالة التشكيك وإثارة الفوضى أقوى وأكثر تأثيراً من الرصاص، وقد تكون مرحلة العنف الجنائي تالية أو سابقة، ولكنها مجرد مرحلة ضمن مراحل إسقاط الدولة أو صعود هذه التيارات، ولذلك معارضة التنظيم قد تكون باللسان، وهذا ليس دليلاً على سلمية الحركة وقد تكون بالكلاشنيكوف، فإرهاب اللسان لا يقل عن إرهاب السلاح، ما دام قد اختار هؤلاء المتطرفون أن يسقطوا كل شيء عبر قذائفهم.

"الإخوان المسلمون" يقودون المعارضة في الخارج وفق آليات التحريض، معارضة قائمة على الاستعداء والاستعانة بالخارج والعمل وفق أجندات تابعة لأجهزة استخبارات أجنبية، هدفها النيل من مصر. هدف معارضة "الإخوان" هو سقوط الدولة وليس معارضة النظام السياسي ولا محاولات إسقاطه، الهدف الدولة بكل مكوّناتها ويتم استخدام كل الأسلحه ما دامت تؤدي إلى هذه النتيجه، وهو ما أسقط التنظيم مرتين، مرة عندما أتيحت له فرصة الحكم في مصر فظهرت صورته الحقيقية التي تنطوي على الاستئثار بكل شيء، فضلاً عن الجهل أيضاً بكل شيء، وبالتالي ما يؤدي إلى نتيجة مفجعة لو استمرت الحال على ما هي عليه.

السقوط الثاني للتنظيم ارتبط بدرجة معارضته وهدفه، وهو ما أكد نيات التنظيم وعدم وطنيته، بخاصة أنه وضع يده في يد كل الدول التي لديها مشكلات مع الدولة، والعمل معها، ما دام يؤدي ذلك إلى نتيجه يسعى إليها وهي إسقاط الدولة، والحقيقة قد تحقق سقوط التنظيم في عين المجتمع وبعض المخدوعين فيه، غير أنه ما زال التنظيم نشطاً في بعض البلدان، وما زالت ترعاه بعض الدول، نفهم أسباب هذه الرعاية ولكننا في حقيقة الأمر لا نتفهمها ونحذر من خطورة استمرار هذه الرعاية.  

عن "النهار العربي"

الصفحة الرئيسية