تداعيات التصريحات التركيّة بشأن المسار السياسي في تونس

تداعيات التصريحات التركيّة بشأن المسار السياسي في تونس


09/04/2022

ما زالت تداعيات التدخل التركي الفج في الشأن الداخلي التونسي تتوالي، فبعد ساعات من استدعاء الخارجية التونسيّة للسفير التركي لديها، كاجلار فهري شاكيرالب، وإبلاغه احتجاجها الرسمي على التدخلات التركيّة، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، في كلمة ألقاها بالمنستير، إنّ تونس "ترفض التدخلات الخارجيّة في شؤونها". وشدّد على أنّ "تونس ليست ولاية عثمانية تنتظر فرماناً"، وأضاف في لهجة تصعيديّة: "نحن لنا سيادتنا، ولنا اختياراتنا بناء على الإرادة الشعبيّة، لسنا إيالة (ولاية عثمانيّة)، ولا ننتظر فرماناً من جهة معينة، ولا نقبل بالقناصل الأجانب".

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أرودغان، قد وصف قرار الرئيس سعيّد بحلّ البرلمان بأنّه "ضربة لإراداة الشعب"، وأعرب في بيان صادر عن الرئاسة التركية عن أسفه لهذه الخطوة، مضيفاً: "حل البرلمان الذي يضم أعضاء منتخبين، مثير للقلق بشأن مستقبل تونس، وضربة لإرادة الشعب التونسي، الديمقراطية نظام يحترم فيه المنتخب والمعين، كل منهما الآخر، نحن ننظر إلى التطورات في تونس على أنّها إساءة للديمقراطية".

 

التدخلات التركية الراهنة في الشأن التونسي، تفصح عن دلالات متعددة، تعبر في مجملها عن تراجع الدور التركي في شمال أفريقيا، ومحاولات أردوغان اليائسة لجمع شتات حلفائه الذين تساقطوا واحداً تلو الآخر

 

واستمراراً لمسلسل التدخل التركي، وصف رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، قرار الرئيس التونسي، بــ "الانقلاب على الديمقراطية"، وأضاف القيادي في حزب العدالة والتنمية: "حل مجلس النواب، الذي يمثل إرادة الشعب التونسي، رغم عدم وجود نص في الدستور لا يجيز ذلك بوضوح، هو خرق صارخ للقانون والمبادئ الديمقراطية". وزعم أنّ "أيّ قرار أو فعل، يمنع البرلمانات المنتخبة ونوابها، من أداء مهامهم المنوطة بهم بموجب الدستور، يعد انقلاباً على النظام الديمقراطي الدستوري".

تداعي الطوق التركي في شمال أفريقيا

ويمكن رصد مستويات التدخل التركي وآثاره على الصعيد الإقليمي، فأنقرة التي فقدت حليفاً استراتيجياً بإبعاد حركة النهضة عن المشهد السياسي، حاولت على مدار الأشهر الماضية جس النبض، واستكشاف أبعاد الإجراءات التي اتخذها قيس سعيّد على الداخل التونسي، وكذا على التحولات الإقليميّة المتسارعة، وربما أدركت أنقرة أنّ عودة حركة النهضة إلى صدارة المشهد التونسي، باتت أمراً بعيد المنال، بعد أن لعب الغنوشي ورفاقه بكل الأوراق المتاحة، وكان آخرها الجلسة الافتراضية للبرلمان المنحل في 30 آذار (مارس) الماضي.

اقرأ أيضاً: ماذا يريد أردوغان من قيس سعيد؟

نجحت أنقرة بعد أحداث "الربيع العربي"، في تشكيل حزام إقليمي موال لها، بدأ من مصر، قبل أن يضم ليبيا وتونس والمغرب، بصعود الأحزاب والأذرع الإخوانيّة، ووصولها إلى الحكم، لكن التجربة المصرية سقطت سريعاً، بينما نجحت حركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية (المصباح) في المغرب، في تصدر المشهد لعشريّة كاملة، لكنّ حركة النهضة كانت تمثل بخاصة رئة للحلفاء في ليبيا، في ظل الروابط الوثيقة ما بين الغنوشي وأردوغان، وليس أدل من الزيارة المريبة التي قام بها الغنوشي إلى تركيا، عقب ساعات من فشل التصويت على حكومة الحبيب الجملي، في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2020، والاجتماع السري الذي عقده رئيس البرلمان المنحل مع أردوغان، تحت العلم التونسي، بالرغم من ادعائه أنّ الزيارة كانت بصفته الحزبية.

اقرأ أيضاً: الرقصة الأخيرة لتركيا على نغمات أردوغان

وأيّاً كان، فإنّ التدخلات التركية الراهنة في الشأن التونسي، تفصح عن دلالات متعددة، تعبر في مجملها عن تراجع الدور التركي في شمال أفريقيا، ومحاولات أردوغان اليائسة لجمع شتات حلفائه الذين تساقطوا واحداً تلو الآخر؛ حيث بات الملاذ الأخير في الغرب الليبي معزولاً عن محيطه الجغرافي، وأصبحت تصفيته سياسياً مسألة وقت.

لعبة الوقت

وربما كان التحرك التونسي السريع، مؤشراً على إدراك النظام التونسي معطيات هذا التدخل وتداعياته في المستقبل القريب، فعلى الفور، أجرى وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، اتصالاً مع وزير خارجيّة تركيا، كما تم استدعاء السفير التركي في تونس، وأبلغهما الجرندي رفض تونس لتصريحات الرئيس أردوغان، واعتبارها تدخلاً في الشأن الداخلي لبلاده، وأنّ تونس لا تسمح بالتشكيك في مسارها الديمقراطي.

 

تحاول حركة النهضة استثمار الدفعة التركيّة، لتعلن عن إقامة وقفة احتجاجيّة ضد قرارات الرئيس قيس سعيّد يوم غد الأحد

 

من جانبها، تحاول حركة النهضة استثمار الدفعة التركيّة، لتعلن عن إقامة وقفة احتجاجيّة ضد قرارات الرئيس قيس سعيّد، اليوم السبت، قبل أن تقوم بتعديل الموعد إلى يوم غد الأحد، ويشارك في الوقفة المحتملة، أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة، في وسط العاصمة، إلى جانب حركة النهضة، ائتلاف مواطنون ضد الانقلاب، الموالي لها.

وفيما يبدو، فإنّ تونس باتت أمام خيارات محدودة، تتعلق كلها بسرعة إنجاز التعديلات الدستورية، وفتح الملفات الشائكة، واتخاذ خطوات حاسمة؛ لأنّ الوقت أصبح في غير صالح النظام، والذي يبدو أنّه انتبه إلى ذلك جيداً؛ حيث بدأ الرئيس التونسي، منذ الإثنين الماضي، مشاورات موسعة، من أجل التحضير لفعاليات الحوار الوطني المرتقب، واستقبل سعيّد، على مدار الساعات الماضية، عدداً من الشخصيات السياسيّة الفاعلة، مثل؛ جمال مسلم، رئيس الرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان، وفاروق لوعسكر نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وراضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسيّة. وذلك للوقوف على أبرز التحديات، وسرعة إنجاز الحلول القانونيّة والدستوريّة، ذلك أنّ الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل المزيد من التسويف، بينما ينذر الوضع الاجتماعي بالمزيد من الارتباك والتوتر، في حال الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية