تركيا تتخلص من عبء الإخوان بعد التقارب مع مصر

تركيا تتخلص من عبء الإخوان بعد التقارب مع مصر

تركيا تتخلص من عبء الإخوان بعد التقارب مع مصر


09/08/2023

ثمّة واقعية سياسية فرضت آلياتها على أجواء التوتر والملفات الساخنة في الشرق الأوسط، والتي بدت عصيّة على الانفراج طيلة أعوام مضت، الأمر الذي عقّد كثيراً من بعض جوانبها، وأربك الكثير من قضاياها وملفاتها، ممّا منح فرصة هائلة لكثير من الرؤى والأطروحات السياسية المختلفة، كنتيجة مباشرة ومنطقية لتصفير الأزمات والمشاكل.

نحو ذلك كانت العلاقات المصرية التركية، التي مرت بأزمة سياسية عاصفة بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، نموذجاً حقيقياً لتصورات مختلفة بعد قرار القاهرة وأنقرة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي فيما بينهما، خلال مطلع شهر تمّوز (يوليو) الماضي.

على وقع ذلك القرار والتقارب السياسي والدبلوماسي الذي حدث فيما بينهما، ثمّة تداعيات جرت كأثر مباشر لذلك، لا سيّما نحو ملف الإسلام السياسي وتنظيماته، خاصّة تنظيم "الإخوان المسلمين"، ومدى قدرة أنقرة على تحمل الحضور الثقيل لقيادات الإخوان وتحركاتهم وأدوارهم في تركيا.

تحولات استراتيجية

بدا واضحاً أنّ الرؤية السياسية التي تمثلت في ذهنية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ودوائره السياسية الفاعلة، هي أنّ ورقة الإخوان ينبغي أن تتدحرج كثيراً في سلم الأولويات، وتقبع في اللّاشعور المهمل، وتستقر حيث ذاكرة النسيان خاصّة في تلك المرحلة.

كان ذلك واحداً من التداعيات المباشرة للتقارب المصري التركي، كما أنّه كان استجابة واقعية لمتغيرات المرحلة السياسية، وتحلل الأدوار الوظيفية، وتفكك البنية التنظيمية وتحلل العلاقات بين القيادات والقواعد داخل الجماعة، كل ذلك كان دافعاً مباشراً حتى يبدو جسد (الإخوان المسلمين) جثة هامدة.

تسارعت وتيرة العودة إلى الوضع الدبلوماسي الطبيعي بين أنقرة والقاهرة

إلى ذلك صرّحت وزارتا الخارجية المصرية والتركية أنّه تمّ رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى تعيين السفراء؛ لإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها منذ طرد القاهرة للسفير التركي في العام 2013، وبدأت المشاورات بين كبار مسؤولي وزارتي الخارجية في أنقرة والقاهرة في العام 2021، مع سعي تركيا لتحسين العلاقات مع مصر والإمارات وإسرائيل والسعودية.

وتسارعت وتيرة العودة إلى الوضع الدبلوماسي الطبيعي بين أنقرة والقاهرة، بعدما تصافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان بالدوحة، في نهائيات كأس العالم لكرة القدم العام 2022.

بداية جديدة 

المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد قال في تصريحات صحفية: إنّ رفع التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة جاء بعد توصل الطرفين إلى "تفاهمات كاملة" بشأن الملفات المرتبطة بالعلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية التي تحظى باهتمامهما وقد اعتبرت تركيا هذه الخطوة "بداية جديدة".

وأوضح أبو زيد أنّ "هناك توجيهات صدرت منذ لقاء رئيسي البلدين في الدوحة إلى وزارتي الخارجية بفتح قنوات تواصل لاستعادة العلاقات بشكل كامل؛ عقب التوصل إلى تفاهمات كاملة بشأن الملفات المرتبطة بالعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية".

وتيرة التقارب بين مصر وتركيا تؤدي إلى ضغوط جمّة على عناصر الإخوان، لا سيّما أنّ الجماعة باتت عبئاً على السياسة الخارجية لحزب (العدالة والتنمية)

ويشير أبو زيد في تصريحاته الصحفية إلى الاتصال الهاتفي في 30 أيّار (مايو) بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، اتفقا خلاله على "البدء الفوري في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وتبادل السفراء".

وتيرة التقارب بين مصر وتركيا تبعث بضغوط جمة على عناصر الإخوان، لا سّيما أنّ الجماعة باتت عبئاً على السياسة الخارجية لحزب (العدالة والتنمية)، غير أنّ البراغماتية السياسية وتحولات الإقليم تفرض التخلص من الجماعة، وقد ظهر وجدي غنيم المرتبط بالإخوان في مقطع فيديو لتهنئة أردوغان بفوزه الرئاسي، قبل أن يعبّر عن امتعاضه من عدم منح السلطات التركية له الجنسية بعد مرور (9) أعوام على تقديمه لها. وقال: "السلطات التركية رفضت تصريح الإقامة الذي طلبته، على أمل أن أتحرك بحرية، وأن أتلقى العلاج، لكنّني لن أتمكن من العيش هناك بعد الآن".

أبو زيد: رفع التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة جاء بعد توصل الطرفين إلى "تفاهمات كاملة" بشأن الملفات المرتبطة بالعلاقات الثنائية

ولا يُعدّ غنيم الشخصية الوحيدة أو الاستثنائية في ذلك، فهناك شخصيات أخرى باتت أمام مراجعة الجهات المختصة في تركيا، سواء السياسية أو الأمنية، وتعطيل أيّ تسهيلات لبقائها في تركيا، الأمر الذي تزامن وانفتاحها مع القاهرة. وهنا يبدو ثمّة "عهد جديد" على حدّ تعبير وزير الخارجية التركي، وهو عهد ليس فقط على مستوى عودة العلاقات التي تشهد انعطافة لافتة، إنّما يمتد إلى وضع الجماعة في أنقرة، الذي يمضي نحو عهد مختلف، فيه قلق وانحسار وتهديد وجودي لها.

سامح الجارحي: الملفات المشتركة بدأت تظهر ملامح تسويتها بشكل تام، من خلال ملف الإخوان الموجودين في تركيا، والأبواق الإعلامية الناطقة بالعربية في إسطنبول

يمكن القول إنّ أنقرة لديها قناعة مؤخراً بأنّ "جماعة الإخوان المسلمين في المنفى كانت رهاناً خاسراً لم يعد من الممكن استخدامه لترهيب السيسي"، حسبما يقول معهد واشنطن، وبالتالي بدأ البلدان مؤخراً بتعميق تفاهمات متبادلة حول القضايا الرئيسية في المنطقة. وهنا تتناقص الخيارات الإعلامية المتوفرة للإخوان أكثر فأكثر، ويميل عناصر الإخوان إلى أنّ أنقرة لن تتساهل بعد الآن بشأن السماح لهم باستئناف خطابهم التحريضي السابق. ومن ثمّ من غير المرجح أن يبقى الكثير منهم في تركيا لفترة أطول، ومن الممكن أن تشهد الأشهر المقبلة رحيل بعض الوجوه البارزة، خاصّة بين الأفراد ذوي الثروات الكبيرة، أو العلاقات السياسية في أماكن أخرى، ومع ذلك قد لا تتوفر أمامهم أيّ خيارات في المنطقة.

ملاذ مستحيل

وفي المقابل، من المرجح أن تقع المعاناة الكبرى على كاهل الأعضاء ذوي المراتب المنخفضة والمتوسطة؛ لأنّ العديد منهم يملكون جوازات سفر مصرية منتهية الصلاحية، ويعيشون في تركيا بتأشيرات مدتها عام واحد، وفق المعهد الأمريكي. وخلال المناقشات التي تدور عبر الإنترنت، اقترح هؤلاء قطر وماليزيا وبعض العواصم الأوروبية، من بين الوجهات التي قد يقصدونها.

ويشير الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون التركية سامح الجارحي إلى أنّ هناك العديد من الملفات المشتركة فيما بين  تركيا مصر، وكانت هذه الملفات سبباً في الخلافات فيما بينهما.

ويتابع الجارحي في سياق تصريحاته لـ (حفريات) لافتاً إلى أنّ تلك الملفات المشتركة بدأت تظهر ملامح  تسويتها بشكل تام، من خلال ملف الإخوان الموجودين في تركيا، والأبواق الإعلامية  الناطقة بالعربية في إسطنبول وفي غيرها والقائمين عليها جماعة الإخوان الإرهابية.

كانت تلك الملفات مساراً مرت به ومن خلاله العلاقات المصرية التركية، سواء على مستوى الخلافات خلال عقد كامل، أو على مستوى ترفيع العلاقات الدبلوماسية  خلال الشهر الفائت، حيث تمّ تسوية ذلك بشكل كامل، بعد إجبار عدد من عناصر الإخوان على مغادرة تركيا، واعتقال عدد آخر وتسليم آخرين من المطلوبين للقاهرة.

ويضيف الأستاذ بجامعة القاهرة سامح الجارحي أنّ نمط العلاقات والتغيرات الإقليمية التي حدثت خلال العام الماضي في إقليم الشرق الأوسط، هي التي مهدت الطريق نحو عودة العلاقات المصرية التركية، ثمّ إعادة تطبيع العلاقات مرة أخرى، خصوصاً تجاه الدول الكبرى في الإقليم: تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، ممّا أدى إلى حلحلة الملفات العالقة بين هذه الدول، من أجل  خفض التصعيد وتصفير المشكلات.

ظهرت تلك التوجهات جليّة في السياسة الخارجية لهذه الدول؛ كردّ فعل للسياسات التركية التي قررت خفض التصعيد، وخفض التوترات، وتصفير المشكلات مع دول الجوار، خصوصاً مع مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة.   

أشارت التقارير الاعلامية إلى أنّ السلطات التركية شنّت حملة مداهمات واسعة النطاق على عناصر الإخوان المقيمين في البلاد، وقامت باحتجاز من لا يحمل أيّ هوية أو إقامة أو جنسية

وأشارت التقارير الإعلامية إلى أنّ السلطات التركية شنت حملة مداهمات واسعة النطاق على عناصر الإخوان المقيمين في البلاد، وقامت باحتجاز من لا يحمل أيّ هوية أو إقامة أو جنسية، كما طلبت من (2) من عناصر الجماعة مغادرة أراضيها.

وفرضت السلطات التركية قيوداً مشدّدة على عناصر الجماعة، وكذلك على تحركات عناصر مدانة بالإعدام وتابعة للجماعة أو موالية لها، مثل: نصر الدين فرج الغزلاني، ومجدي سالم، ومحمد عبد المقصود، وإسلام الغمري، ومصطفى البدري. وأكد قادة الإخوان للمسؤولين الأتراك أنّهم سيلتزمون بعدم ممارسة أيّ أنشطة ضدّ مصر من الأراضي التركية، وحتى خروجهم منهاً منعاً وتجنباً لأيّ مشكلات قد تؤثر على التقارب المصري التركي، وحفاظاً على مصالح أنقرة التي ساندتهم وفتحت أبوابها لهم طيلة (10) أعوام كاملة.

مواضيع ذات صلة:

الإخوان وتركيا: من الإعجاب بالنموذج إلى التذيُّل السياسي

بعد إغلاق "مكملين".. هل تتحول تركيا إلى دولة طاردة للإخوان المسلمين؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية