تركيا وإسرائيل... الحياد تفادياً للخسائر

تركيا وإسرائيل... الحياد تفادياً للخسائر


09/03/2022

أسعد عبود

تركيا وإسرائيل من أكثر الدول التي تجد نفسها محرجة بالنسبة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا. ولهذا تحرصان على التأكيد أنهما مستعدتان للعب دور الوسيط، وتدعوان إلى تغليب لغة الحوار، وإبراز حياديتهما حيال ما يجري.   

وتدرك أنقرة وتل أبيب أن الوقوف إلى جانب أحد الطرفين سيكون مكلفاً، وأن من الأفضل الحفاظ على خط التواصل بين الجانبين، وحضّهما على وقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي هذا السياق، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت السبت موسكو، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، كما أنه يجري مكالمات هاتفية يومياً تقريباً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأعلن أنه يحاول التوسط على رغم أن الأمل ضعيف بنجاح مساعيه.   

وترتبط إسرائيل بعلاقات وثيقة مع روسيا، ويهمها أن يستمر "التنسيق" بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في سوريا. فالغارات الإسرائيلية على أهداف في سوريا، تكون موسكو على علم مسبق بها كي لا يحدث تصادم بين الطائرات المغيرة ووسائل الدفاع الجوي الروسية المنتشرة على الأراضي السورية.    

ولا تريد إسرائيل أن تفقد هذه الميزة، فضلاً عن وجود أكثر من مليون يهودي من أصل روسي في إسرائيل، وهؤلاء يشكلون كتلة انتخابية وازنة، ولا يريد أي سياسي إسرائيلي أن يخسر تأييدهم. 

وبالنسبة إلى أوكرانيا، فإن زيلينسكي ومساعديه هم يهود ومتعاطفون مع إسرائيل. كما أن الدولة العبرية زوّدت الجيش الأوكراني بطائرات مسيّرة وأسلحة أخرى في السنوات الماضية، وخصوصاً بعد عام 2014 ونشوب الحرب مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا. والجدير بالذكر أن زيلينسكي وجه قبل أيام نداءً إلى يهود العالم للوقوف إلى جانب كييف.    

وفي ما يتعلق بتركيا، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يريد أن يخسر علاقاته الاقتصادية المهمة بروسيا. وتركيا هي مصدّر رئيسي للفواكه والخضر إلى روسيا، كما أن السياحة في تركيا تعتمد اعتماداً رئيسياً على الروس. وفي الأعوام الأخيرة، نسج أردوغان علاقات شخصية ببوتين. واشترت تركيا صواريخ أرض-جو "إس-400" الروسية المتطورة، على رغم أنها تعرضت لعقوبات أميركية بسبب هذه الصفقة. ولتركيا وروسيا مصالح مشتركة في سوريا وليبيا، وهما ترعيان وقفاً للنار في البلدين.   

وفي الوقت نفسه، تقيم أنقرة علاقات تجارية واسعة بأوكرانيا. وفي السنوات الأخيرة زوّدت تركيا الجيش الأوكراني بمسيّرات من طراز "بيرقدار"، التي ذاع صيتها في حربي ليبيا وأذربيجان، حيث أحدثت فرقاً في ساحات المعارك. ومضى أردوغان في تزويد كييف بهذه الطائرات على رغم الاستياء الروسي. كما أن أردوغان زار العاصمة الأوكرانية في شباط (فبراير) الماضي، محاولاً التوسط في النزاع، واقترح استضافة الرئيسين الروسي والأوكراني في تركيا. وأبدى الرئيس التركي في أكثر من مناسبة، معارضته ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، وكان يشدد على حقوق التتار الذين يقيمون في المنطقة.   

وبعد نشوب الحرب، سجل أردوغان موقفاً مبدئياً بإعلانه أن الهجوم على أوكرانيا "غير مقبول"، لكنه لم يذهب إلى حد الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا، وبقي محافظاً على خط الاتصال بموسكو. لكنه لم يخرج نهائياً عن المسار الغربي، إذ أعلن إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام القطع الحربية المتوجهة إلى البحر الأسود، وفقاً لمعاهدة منترو لعام 1936، التي تجيز لتركيا إقفال المضائق في وقت الحروب.  

ويعتبر أردوغان أن نجاحه في عقد اجتماع في أنطاليا بين وزراء الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والروسي سيرغي لافروف والأوكراني ديميترو كوليبا، نجاح للدبلوماسية التركية الساعية إلى حل سياسي للأزمة. 

وعلى رغم كل الحذر الذي تبديه أنقرة وتل أبيب ومساعيهما لتبني مواقف متوازنة بين موسكو وكييف، فإنه في نهاية المطاف، لن يكون في مقدورهما تفادي الانعكاسات السلبية و"الأضرار الجانبية" التي ستصيبهما من هذه الحرب، مثلهما مثل دول أخرى في العالم.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية