تنظيم الكتاتيب القرآنية... هل يحمي أطفال تونس من الفكر الإخواني السائد؟

تنظيم الكتاتيب القرآنية... هل يحمي أطفال تونس من الفكر الإخواني السائد؟

تنظيم الكتاتيب القرآنية... هل يحمي أطفال تونس من الفكر الإخواني السائد؟


09/10/2023

بعد أعوام من تهميش دورها، وضعت الدولة التونسية في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي برنامجاً لتحديث الكتاتيب القرآنية وتطوير أدائها ومحتواها البرامجي، لكن سرعان ما أمسكت حركة النهضة الإخوانية الحكم بالبلاد بعد 2011، وانتشرت الجمعيات الناشطة في العمل الخيري، وتم بعث العديد من الجمعيات القرآنية تحت عنوان حرية التنظيم، في امتداد لحالة عامة من الانفلات الذي شهدته البلاد بعد الثورة.

تبعاً لذلك ظهر عدد من المدارس القرآنية الخارجة عن القانون، التي لا تحترم قوانين الدولة والخاضعة لتسيير أشخاص أو جمعيات لا تملك القدرة لتقديم الدروس أو تأطير الأطفال بالشكل السليم، إضافة إلى خروج مئات الجوامع والمساجد عن سيطرة الدولة، قبل أن تسترجعها بعد أعوام، ممّا دفع بكثير من المنظمات للتنبيه إلى خطورة التماس بين الديني والسياسي.

وعملت حركة النهضة الإخوانية، والماسكة بزمام السلطة بعد 2011، على نشر المدارس القرآنية لتكريس "ثقافة إسلامية أصيلة، بديلاً لما كانوا يعتبرونه ثقافة علمانية غربية سائدة"، وفق وصفهم.

تنظيم الكتاتيب  

سعياً لاحتواء هذا الانفلات، أصدرت وزارة الشؤون الدينية التونسية أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي قراراً يتعلّق بتنظيم الكتاتيب.

وعرّف هذا القرار الكتّاب (مفرد كتاتيب)، على أنّه "فضاء تربوي عمومي يؤمّه الأطفال المتراوحة أعمارهم بين (4 و6) أعوام، ويعمل خاصة على تحفيظ الأطفال نصيباً من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وعلى تربيتهم على الآداب والأخلاق الفاضلة، وعلى تعليمهم المبادئ الأساسية للّغة العربية، وتدريبهم على الأنشطة الرياضية المناسبة لهم، بما يساهم في تنمية مهاراتهم وتطوير ملكاتهم ونموهم الذّهني والبدني والنّفسي، وإعدادهم لمراحل التعليم اللاحقة، ويحجر ترسيم الأطفال الذين يقلّ سنّهم عن (4) أعوام".   

وحسب القرار، تخضع الكتاتيب لإشراف وزارة الشؤون الدينية إدارياً وفنّياً، من حيث إحداثها وبرامجها التربوية ونظام وتوقيت التدريس فيها وطاقة استيعابها، ويتولّى المؤدبون مهمة التربية بمقتضى قرار تكليف من وزير الشؤون الدينية ويحجر التدريس بالكتاتيب على من ليس له صفة مؤدب.

سعياً لاحتواء هذا الانفلات، أصدرت وزارة الشؤون الدينية التونسية أواخر أيلول (سبتمبر) المنقضي قراراً يتعلّق بتنظيم الكتاتيب

كما نصّ القرار على أنّ الكتاتيب تخضع للتراتيب المعمول بها في مجال الصحة والسلامة، وخاصة منها الأحكام المتعلقة بإصدار مجلة السلامة والوقاية من أخطار الحريق والانفجار والفزع والبنايات، ويتولّى متفقّدو الشؤون الدينية والوعاظ تفقّد ومتابعة سير الأنشطة التربوية بالكتاتيب كل في نطاق مهامه.

ويقع تأجير المؤدبين على أساس مقتضيات أوامر حكومية، ويحجّر اعتماد برامج تربوية مخالفة لبرنامج التربية بالكتاتيب المقرر من قبل وزارة الشؤون الدينية.

ونصّ أحد فصول هذا القرار على أنّه يتمتّع بمجانية الدراسة بالكتاتيب الأيتام، وأطفال العائلات المعوزة، والأطفال ذوو اضطرابات طيف التوحد.

انتشار الجمعيات القرآنية

وبينما تشرف وزارة الشؤون الدينية على المحتوى البرامجي للكتاتيب، وتراقب مدى ملاءمة فضاءاتها للمعايير الصحية المعمول بها، ينتشر عدد من الجمعيات القرآنية في مختلف مناطق الجمهورية تحت إشراف الرابطة الوطنية للقرآن الكريم، التي تمثل امتداداً للجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم التي تأسست عام 1968، وتغير اسمها عام 1988 لتصبح رابطة الجمعيات القرآنية عام 2011.

ما تزال حوالي (4) آلاف جمعية ومدرسة قرآنية ومعهد شرعي وفروع لتنظيمات إسلامية، على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تواصل نشاطها في تونس

وتخضع الرابطة الوطنية للقرآن الكريم لأحكام المرسوم رقم (88) المؤرخ في 24 أيلول (سبتمبر) 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، الذي "يضمن حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها".

وبحسب موقع الرابطة على الإنترنت، فهي ذات "صبغة علمية وتربوية واجتماعية، وهي مستقلة عن أيّ جهة سياسية، ومفتوحة لكل الراغبين ولكل من يريد طلب علوم القرآن الكريم والسنّة النبوية ونشر الأخلاق الحميدة من خلال (24) فرعاً جهوياً و(600) فرع محلي".

الكتاتيب القرآنية من التهميش إلى الانفلات

هذا، وتعدّ الكتاتيب من أعرق مؤسسات التعليم الديني في المجتمع التونسي، ولكنّها تعرّضت إلى شبه انقراض خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1881 ـ 1956) وساهمت فترة حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة (1956 - 1987) في تهميشها بشكل كبير.

وكان الرئيس بورقيبة يعتبر أنّ مؤسّسات التعليم الديني، وعلى رأسها مؤسسة جامع الزيتونة، معقل للأفكار التقليدية التي تتعارض مع مبادئ الدولة الحديثة التي سعى   لإرسائها في تونس المستقلة، بحسب دراسة لمؤسسة (مؤمنون بلا حدود).

ومنذ عام 2002 اعتمدت الحكومة التونسية خطّة لإحياء دور الكتاتيب، ولكن من منظور يختلف عن النمط التقليدي الذي عرفت به العهود السابقة، فأطلقت وزارة الشؤون الدينية التونسية برنامجاً شاملاً لتطوير مناهج التدريس وتحديث بنيات الكتاتيب وإحداث فصول مختلطة فيها.

الفكر الإخواني يسود

وقد أثبتت تقارير لاحقة بعد العام 2011 أنّ جهات متطرّفة قد أحكمت سيطرتها على أغلب الكتاتيب التابعة للمساجد في تونس، بعد أن تمكنت من السيطرة على دُور العبادة مستغلّة حالة الارتباك الأمني والمؤسساتي التي عصفت بالبلاد بعيد الثورة.

 جهات متطرّفة أحكمت سيطرتها على أغلب الكتاتيب التابعة للمساجد في تونس

يُذكر أنّ تونس عاشت خلال العشرية الماضية وضعاً خطيراً جداً في علاقة باستقطاب الأطفال والشباب، وتوجيههم نحو التطرف والإرهاب والتكفير والسفر نحو بؤر التوتر، إذ وفرت حركة النهضة والحكومات الموالية لها، والإسلام السياسي بصفة عامة، نوعاً من الحماية لتلك المؤسسات والسماح لها بممارسة أنشطتها بكل أريحية.

وفي كانون الثاني (يناير) 2019 تصاعد الجدل في الأوساط التونسية إثر الكشف عن مدرسة قرآنية عشوائية في مدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، تلقّن الأطفال أفكاراً داعشية متطرفة وتعاملهم معاملة سيئة في ظروف صحية قاسية.

تونس عاشت خلال العشرية الماضية وضعاً خطيراً جداً في علاقة باستقطاب الأطفال والشباب وتوجيههم نحو التطرف والإرهاب والتكفير والسفر نحو بؤر التوتر

وردّت السلطات وقتها بالقيام بحملة أغلقت بموجبها عشرات المدارس القرآنية المشبوهة، وتم إيقاف عدة أشخاص بتهمة "الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال والاعتداء بالعنف والاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، حسب بيان صدر عن وزارة الداخلية في ذلك الحين.

وما تزال حوالي (4) آلاف جمعية ومدرسة قرآنية ومعهد شرعي وفروع لتنظيمات إسلامية، على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تواصل نشاطها في تونس.

ويشير مراقبون إلى أنّ المدارس القرآنية العشوائية والكتاتيب الناشطة تحت غطاء الجمعيات الخيرية هي في الواقع "استراتيجية تتبعها التنظيمات الأصولية المتطرفة لتكوين جيش احتياط يساعدها في تنفيذ عمليات إرهابية في المستقبل".

مواضيع ذات صلة:

عقوبة بعضها تصل إلى الإعدام... هذه أبرز التهم الموجهة إلى السياسية التونسية عبير موسي

منها ملف تسفير الجهاديين.. هل يصلح التقارب التونسي السوري ما أفسده الإخوان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية