تهدّمَ جدار برلين وبقيت أسوار حول العالم طولها 40 ألف كيلومتر

تهدّمَ جدار برلين وبقيت أسوار حول العالم طولها 40 ألف كيلومتر


10/11/2021

ثمة أحداث في التاريخ تشكل زمناً فارقاً، وانعطافة تترك آثارها العميقة على مدى عقود مستقبلية، وتصوغ فضاءً منقطع الصلة عن ماضيه. ولعل هدم جدار برلين كان واحداً من هذه الأحداث التي ستظل ساطعة في ذاكرة التاريخ.

ففي ليلة تاريخية من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، قرر الآلاف من شباب ألمانيا الشرقية تغيير مجرى التاريخ، فاندفعوا لاختراق الجدار بين الألمانيتين. هذا الجدار الذي وصفته وكالة الصحافة الفرنسية بأنه كان رمزاً لتمزق الأسرة الألمانية، إلا أنه انهار بعد ثلاثين عام، لتدق ساعة الوحدة الألمانية.

خلال ليلة التاسع إلى العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، أسقط المئات من مواطني ألمانيا الشرقية السور الإسمنتي والأيديولوجي، الذي كان يفصل بين الألمانيتين لمدة ثمانية وعشرين عاماً.

هل كان تفتيت سور برلين نهاية لعصر الشروخ والانقسامات في العالم؟

زمن ثقيل ربض على قلوب الملايين، حينما ورثت ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية خلافات الحلفاء والاتحاد السوفياتي حول النفوذ في أوروبا، فانقسمت إلى قطاعين، الأول غربي سمي بجمهورية ألمانيا الاتحادية، فيما تأسست في القطاع الشرقي جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وعلى أثر ذلك تحولت برلين إلى بؤرة النزاع في الحرب الباردة.

اقرأ أيضاً: المستوطنات والجدار العازل يهدّدان إنتاج العسل الفلسطيني

وفي آب (أغسطس) عام 1961، بنت سلطات ألمانيا الشرقية سوراً يفصل برلين الشرقية عن برلين الغربية بطول 155 كيلومتراً وبارتفاع يفوق ثلاثة أمتار. كما أقيمت نقاط للمراقبة الأمنية أشهرها "نقطة مراقبة شارلي".

وكان الإعلان عن سقوط جدار برلين زلزالاً سياسياً عظيماً هز ألمانيا والاتحاد السوفياتي وغيّر موازين العلاقات الدولية في العالم بأسره، فكانت الفرصة التي انتظرها عشرات الآلاف للتدفق إلى ألمانيا الغربية عبر بوابة برندبورغ الشهيرة.

جدار العار

ورصدت كاميرات الصحفيين وشاشات التلفزة كيف حمل المئات المعاول لهدم أجزاء من الجدار الذي كان رمزاً لسجن كبير حرمهم من الحرية. ولكنّ عملية هدم الجدار لم تبدأ إلا في 13 حزيران (يونيو) 1990. واستغرقت سنتين لإزالة كل التحصينات الحدودية القريبة مما ظل يوصف "بجدار العار".

وفي تعليق منه على هذا الحدث التاريخي، قال المستشار الألماني السابق ويلي براندت: "..الجدران الإسمنتية والتقسيم القائم على الأسلاك الشائكة لا يمكن أن يقاوم حركة التاريخ... برلين ستعيش والجدار سيسقط ".

كان سقوط جدار برلين زلزالاً سياسياً ورصدت كاميرات الصحفيين وشاشات التلفزة كيف حمل المئات المعاول لهدم أجزاء من الجدار الذي كان رمزاً لسجن كبير حرمهم من الحرية

وعلى مدى السنوات التي أعقبت إنشاءه، طالب زعماء ورؤساء دول بهدم الجدار، أبرزهم الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي، الذي ألقى خطاباً من أمام جدار برلين، قال فيه كلمته الشهيرة: "أنا من برلين".

وبدأت ملامح انهيار الجدار تظهر تدريجياً، قبل الانهيار الفعلي، ففي آب (أغسطس) من عام 1989، أعلنت بلغاريا إعادة فتح حدودها مع النمسا، ليفر ما يزيد عن 13 ألف "سائح" من ألمانيا الشرقية، ويصلوا إلى النمسا عبر بلغاريا، بحلول أيلول (سبتمبر) من العام نفسه.

وتوالت الأحداث في ذلك الشهر، وتزايدت فيه المؤشرات على "الانهيار القريب" كما يقول تقرير نشرته "سكاي نيوز عربية"، إذ انطلقت تظاهرات شعبية حاشدة ضد الحكومة في ألمانيا الشرقية، مما أدى إلى استقالة الرئيس الشرقي إريك هونيكر في تشرين الأول (أكتوبر)، ومنح الأمل بإمكانية التخلص من حائط الفصل هذا، خاصة أنّ هونيكر كان من أشد المدافعين عنه.

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إلغاء جميع خطط بناء الجدار الحدودي مع المكسيك

وفي الشهر الذي تلا استقالة هونيكر، تدفق عشرات الآلاف من الألمان الشرقيين نحو الجدار، ليعبروا الحدود باتجاه برلين الغربية، أمام أعين الحراس ورجال الجمارك.

وفي آب (أغسطس) 1990، تم انتخاب هيلموت كول مستشاراً لألمانيا الموحدة، وإعلان برلين عاصمة لها.

اقرأ أيضاً: القفز فوق الجدار.. وسيلة العمال الفلسطينيين لتجنب عذاب الحواجز

ومع الذكرى التي تحل بمناسبة انهيار جدار برلين، يتساءل العالم عن حقيقة انتهاء عصر الأسوار والجدران والحواجز، وهل كانت لحظة سقوط سور برلين نهاية لعصر الشروخ والانقسامات في المجتمعات وتسيد الثقافة الواحدة، كما يتساءل الكاتب أحمد عبد الحكيم  في "إندبندنت عربية" مستعيداً ما كتبه المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في 1989 بأنّ "التاريخ قد انتهى"، وأنّ تدفق الأحداث على مدار السنوات التي سبقت ذلك التاريخ "ليس فقط نهاية للحرب الباردة أو مرور فترة معينة من تاريخ ما بعد الحرب، لكنه نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية، وتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربية كشكل أخير لحكم البشرية"، فيما رأى المفكر الأمريكي صاموئيل هنتنغتون في كتابه عن "صراع الحضارات" بأنّ "عصر الصراعات الأيديولوجية قد انتهى، وحل محله عصر آخر يقوم على الصراع بين الحضارات والثقافات والأديان والمذاهب".

جدران وعسكرة وانعزال

وبحسب معهد "ترانسناشنال" الدولي للفكر التقدمي، في تقريره المعنون "بناء الجدران"، فإنه وعلى الرغم من أنّ "تاريخ التاسع من نوفمبر 1989، جسّد أمل كثيرين في أن يكون عهداً جديداً للتعاون والانفتاح العابر للحدود، فإنه وبعد أكثر من 30 عاماً فإنّ العكس تماماً هو ما حدث، إذ يواجه العالم مشكلات الأمن الدولي بجدران وعسكرة وانعزال".

رغم أنّ سقوط جدار برلين جسّد آمال التعاون والانفتاح العابر للحدود، إلا أنّ العكس تماماً هو ما حدث، إذ يواجه العالم مشكلات الأمن الدولي بجدران وعسكرة وانعزال

يأتي ذلك في وقت تشير فيه التقديرات، كما أفادت "إندبندنت" إلى أنّ "جدران الفصل" الموجودة حالياً حول العالم تشكل ما طوله نحو 40 ألف كيلومتر، أبرزها جدار الفصل العنصري الذي شيدته إسرائيل مع الفلسطينيين في 2002، وجدار الفصل في الجزيرة القبرصية بين جزئها اليوناني والتركي، وكذلك الجدار الكوري بين شطري جزيرتها، وجدار "بلفاست" أو ما يعرف بخط السلام في أيرلندا الشمالية، فضلاً عن عشرات الحواجز والجدران كما بين شطري إقليم كشمير، والجدار الباكستاني - الإيراني، والأوزبكي - الأفغاني، وبين المغرب وإسبانيا، وعلى الحدود المجرية - الصربية، وأخيراً الجدار الذي بدأ تشييده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب على حدود بلاده الجنوبية مع المكسيك. لكنّ وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، أعلنت أواخر نيسان (أبريل) الماضي، إلغاء جميع خطط بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، والذي تم تمويله بأموال مخصصة للوزارة.

جدار الفصل العنصري يمزق الأراضي الفلسطينية

ومن بين كل الجدران في العالم، يبقى جدار الفصل العنصري الذي شيدته إسرائيل في عام 2002، أكثر الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية، فما يزال هذا الجدار علامة على عار القوة الغاشمة، وقدرتها المزعومة على صناعة الأمن من خلال الوهم.

جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل تحول إلى احتجاج دائم للتحدي ونبذ الكراهية

 بدأت القوات الإسرائيلية عملية عسكرية واسعة النطاق في الأراضي الفلسطينية أطلقت عليها اسم السور الواقي، قامت فيها باجتياح كامل للمدن والقرى الفلسطينية واستباحتها، وارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في عملية أدخلت المنطقة مرحلة جديدة أفصحت فيها إسرائيل عن نواياها الحقيقة، وهي الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وطرد السكان الفلسطينيين منها، وما إن مرت أيام قليلة على بدء هذه العملية حتى أصدرت حكومة أرئيل شارون أوامر بتاريخ 23/6/2002، ببناء جدار الفصل العنصري الممتد على طول الخط الأخضر مع الضفة الغربية، بدعوى منع تسلل منفذي العمليات الفدائية إلى إسرائيل، كما أفاد تقرير لوكالة "وفا" الفلسطينية للأنباء.

على ثلاث مراحل

تم بناء جدار الفصل العنصري على ثلاث مراحل (أ، ب، ج)، حيث يصل طول الجدار على مدى المراحل الثلاث إلى (600 كيلومتر)، على الرغم من أنَّ الحدود بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 لا تتجاوز (360 كيلو متراً).

اقرأ أيضاً: جدار حول عفرين .. ماذا تفعل تركيا في الشمال السوري؟

لكنّ استدارات الجدار حول القرى والمدن الفلسطينية لفصلها عن بعضها، وانحناءاته لابتلاع مزيد من أراضي الضفة؛ جعل طول الجدار ضعف طول الحدود، كما تم الإعلان عن مرحلة إضافية في وقت لاحق، ليبلغ طوله حوالي (730 كيلومتراً).

ويصل ارتفاع الجدار إلى ثمانية أمتار، بعرض يتراوح بين 60 متراً و 150 متراً، يوجد في بعض أجزائه جدار كهربائي، وأسلاك شائكة، كما تحاذي الجدار طرقات معبدة لتسيير الدوريات، فضلاً عن طرقات رملية لتعقب آثار الأقدام، إضافة إلى أبراج المراقبة المزودة بأجهزة الاستشعار، وكاميرات المراقبة، كما تم تشييد جدار ثانوي في عمق الجدار الأساسي، تنحصر بينهما "المنطقة العازلة"، وقد رصدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مبلغاً يفوق الخمسة مليارات دولاراً أمريكياً لبناء الجدار.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية