تونس: بين سعيد واتحاد الشغل... استعراض قوة ورسائل مشفرة

تونس: بين سعيد واتحاد الشغل... استعراض قوة ورسائل مشفرة

تونس: بين سعيد واتحاد الشغل... استعراض قوة ورسائل مشفرة


04/01/2023

في أول تحرّك مناهض للرئيس قيس سعيّد هذا العام، نفذ موظفو "شركة نقل تونس" إضراباً عشوائياً عن العمل، احتجاجاً على تأخر صرف المكافآت والأجور، بينما تواجه الشركة الحكومية وضعاً مالياً صعباً، وفق المتحدثة باسمها حياة الشمتوري.

هذا الإضراب يُعدّ أحدث تصعيد من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) ضد الحكومة وضدّ سعيّد، وقد أدى إلى تعطل وصول الآلاف من العمّال والطلاب إلى أماكن شغلهم ومقرّات الدراسة، بعدما توقفت حركة المترو والحافلات وقطارات العاصمة تونس، وأكدت نقابات النقل التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل أنّها لن توقف الإضراب قبل تنفيذ مطالبها.

وكان اتحاد الشغل قد هدّد "باحتلال الشوارع" في صورة عدم تراجع الحكومة عن قانون المالية الذي أقرّ فرض ضرائب إضافية على الموظفين ورفعاً جزئياً للدعم المخصص للطاقة والغذاء.

استعراض قوّة

وإضراب النقل هو استعراض قوة من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بتأثير قوي، وتعهد بتنظيم سلسلة احتجاجات، خصوصاً أنّ الاتحاد سبق أن حدد موعداً لإضراب نقابات النقل نهاية كانون الثاني (يناير) الحالي، غير أنّه لجأ إلى تنفيذ إضراب عشوائي ودون تفاوض مع الوزارة أو تحذير قبل تنفيذ الإضراب.

ويرى مراقبون أنّ هذا الإضراب يظهر أنّ القيادة النقابية تستعجل التصعيد مع السلطة، خاصة أنّ خطوة مثل هذه تؤكد أنّه لا رغبة لها في الحوار، بقدر ما هو إبراز لقوة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي سبق أن تعهد بتنظيم سلسلة من الاحتجاجات.

نفذ موظفو "شركة نقل تونس" إضراباً عشوائياً عن العمل

وأقرّ الاتحاد، الذي يضم أكثر من مليون عضو، الأسبوع الماضي إضراباً ليومين لعمال النقل الجوي والبري والبحري في 25 و26 كانون الثاني (يناير) الحالي، احتجاجاً على ما وصفه "بتهميش الحكومة للشركات العامة".

هذا التصعيد يأتي بعد أكثر من عام من تأييد "إجراءات سعيّد الاستثنائية" التي أعلنها منذ تموز (يوليو) 2021، لوضع حدّ لتمدّد الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ 2011 بقيادة حركة النهضة، وأدخلت البلاد في دوامة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 رسائل اتحاد الشغل

وتم تحليل الإضراب العام على أنّه رسالة واضحة من المركزية النقابية إلى الرئيس قيس سعيّد؛ مفادها أنّ بداية 2023 ستكون محوراً لتصعيد نقابي على أكثر من واجهة، في وقت تقول فيه أوساط سياسية تونسية إنّ كبرى النقابات في تونس تريد استثمار الأزمة التي تعيشها البلاد للضغط على السلطة من أجل الاعتراف بها كشريك سياسي قويّ ومؤثر.

 ويرى مراقبون أنّ الاتحاد يحاول استغلال الأزمة التي تشهدها السلطة والمعارضة معاً، للعودة وقيادة المشهد السياسي، حيث سبق أن حاول تجاوز دوره الاجتماعي منذ تأسيس دولة الاستقلال، وقد نجح في ذلك نسبياً خلال الأعوام الـ (10) التي أعقبت سقوط نظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.

الإضراب هو رسالة واضحة من المركزية النقابية إلى الرئيس قيس سعيّد؛ مفادها أنّ بداية 2023 ستكون محوراً لتصعيد نقابي على أكثر من واجهة

 

 ولا يستبعدون أن تسعى المنظمة النقابية، التي ساهمت أيضاً في تشكيل الحكومات المتعاقبة التي فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الوضع الاقتصادي، وفي تحقيق الإصلاحات المطلوبة، لتقديم نفسها على أنّها قوة بديلة.

 هذا، ويواجه الاتحاد العام التونسي للشغل بدوره انتقادات حادة، ويحمّله سياسيون المسؤولية عن الوضع الراهن أيضاً؛ بسبب التحركات الاحتجاجية التي خاضها وعطل من خلالها الإنتاج، في وقت تواجه فيه تونس أسوأ أزمة مالية تفاقمت بسبب وباء كورونا، ولاحقاً بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

 ويتهم سياسيون الاتحاد بلعب دور سلبي، وبأنّه يفاوض الحكومة على ملفات تخص منتسبيه، على نقيض ما يعلنه كقوة وازنة تدافع عن مصالح الشعب.

يرى مراقبون أنّ الاتحاد يحاول استغلال الأزمة التي تشهدها السلطة والمعارضة معاً

 ويستبعد خبراء في الشأن التونسي تقاطع اتحاد الشغل مع الأحزاب التي تعارض مسار سعيّد وتدعو إلى مقاطعة محطاته السياسية، وقد جدد نور الدين الطبوبي الأمين العام لمنظمة الشغيلة مراراً "رفض الاتحاد العودة إلى ما قبل 25 تموز (يوليو) 2021، أو استعادة الحكم عبر الاستقواء بالخارج"، في إشارة إلى محاولات عدد من الأحزاب المعارضة، ومنها حركة النهضة الإخوانية، لمسار سعيد "تصدير الأزمة السياسية التونسية واستعطاف الخارج من أجل حشد الدعم لإرباكه أو إطاحته".

 سعيّد يُحذّر

تعليقاً على الإضراب، حذّر الرئيس التونسي قيس سعيد الإثنين من تعطيل المرافق العمومية ومحاولات "ضرب السلم الاجتماعي"، مشدداً على أنّ الأجهزة الأمنية لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام المساس بتلك المرافق، وسط إضرابات شلت حركة النقل في تونس.

 وجاءت تصريحات الرئيس التونسي في اجتماعه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن، التي بحث معها الوضع العام في البلاد وتعطل سير عدد من المرافق العمومية.

 وقال بيان للرئاسة التونسية: إنّ تعطل المرافق العمومية "كان له الأثر الكبير على المواطنين".

يواجه الاتحاد العام التونسي للشغل بدوره انتقادات حادة، ويحمّله سياسيون المسؤولية عن الوضع الراهن أيضاً، بسبب التحركات الاحتجاجية التي خاضها

 وشدد سعيّد على ضرورة استمرارية المرافق العمومية، والتصدي لكل من "يسعى لضرب السلم الاجتماعي" بكل الوسائل، مشدداً على أنّه "لا أحد فوق القانون".

 وسيشكل الإضراب ضغطاً على حكومة الرئيس قيس سعيد، الذي يواجه معارضة متنامية بعد (17) شهراً من سيطرته على سلطات تنفيذية في خطوة وصفها خصومه بأنّها انقلاب.

 وخلال 2023، التي قال عنها وزير الاقتصاد سمير سعيد إنّها ستكون سنة صعبة جداً، ستخفض الحكومة أيضاً الإنفاق على الدعم بنسبة 26.4%، وذلك بالأساس في مجالي الطاقة والغذاء.

 تونس ترزح تحت الأزمات

وتمرّ تونس بأزمة مالية عميقة، أسفرت في الأشهر الأخيرة عن نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية مثل السكر والحليب والأرز وغيرها، في سياق تضخّم متسارع بلغ 9.8%، بحسب أحدث معطيات رسمية صدرت في مطلع كانون الأول (ديسمبر) المنقضي.

قال بيان للرئاسة التونسية: إنّ تعطل المرافق العمومية "كان له الأثر الكبير على المواطنين"

ولتحقيق التوازن المالي، يتعيّن على الدولة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي بأكثر من (4) مليارات يورو، وقروض محليّة بنحو (3) مليارات يورو.

 وقد توصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها (1.9) مليار دولار، مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود، وإصلاح شركات القطاع العام، وتسعى تونس للتوصل إلى اتفاق نهائي في أوائل العام المقبل.

وتظهر ميزانية 2023 أنّ فاتورة الرواتب في القطاع العام ستنخفض من 15.1% في 2022 إلى 14%، وهو إصلاح أساسي طالب به صندوق النقد الدولي.

ومنذ 25 من تموز (يوليو) 2021 تعيش تونس أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، بموازاة إجراءات استثنائية فرضها رئيس البلاد قيس سعيّد، من بينها حلّ مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتمرير دستور جديد، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

مواضيع ذات صلة:

تونس: هل تدخل معركة قيس سعيد ضد القضاء مرحلتها الحاسمة؟

التحديات الاقتصادية تطارد تونس في العام الجديد

حافظ على التوازنات السياسية منذ 2011... هل يُعمّق اتحاد الشغل أزمات تونس؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية