تونس قيس سعيد وتونس الآخرين

تونس قيس سعيد وتونس الآخرين

تونس قيس سعيد وتونس الآخرين


11/01/2023

فاروق يوسف

لم يساهم الشعب التونسي في الانتخابات الأخيرة بطريقة يمكن من خلالها أن يُخرج البلاد من أزمتها. 

لم تكن سلبيته في محلها. كانت هناك فرصة ليقول كلمته الفصل في ما تعيشه البلاد والعباد ولكنه قرر أن ينزوي جانبا ليترك السياسيين يعبثون بمصيره مثلما فعلوا عبر السنوات العشر الماضية. 

لم يكن مطلوبا من الشعب التونسي أن يقول "نعم" كانت هناك "لا" ممكنة في الاقتراع من خلال طرق ممكنة أهمها الورقة البيضاء. ستهمل تلك الورقة ولكن هناك ناخبا لم يهدر صوته ولم يضح بفرصته. E

كان واضحا أن التونسيين صاروا يشعرون بالضجر واليأس بل والقرف مما يحدث لهم ومن حولهم. ذلك صحيح. غير أنه صاروا أكثر يأسا من أن تكون مساهمته في التغيير ذات قيمة. 

فالرئيس قيس سعيد الذي قرر أن ينهي حكم حركة النهضة وما تخلله من فساد كان قد جرد مجلس النواب من كثير من الصلاحيات شعورا منه بأن انقاذ تونس لا يمكن أن يمر من خلال ذلك المجلس الذي تحول إلى سيرك وحلبة ملاكمة وساحة نزال بين متنافسين على السلطة. 

وإذا ما كان الشعب قد تفاعل ايجابيا مع الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد بتجميد المجلس ومن ثم حله فإنه كما يبدو لا يزال متمسكا بالوهم الديمقراطي الذي روجت له حركة النهضة من غير أن تقدم دليلا واحدا على أن تونس سائرة في طريق الديمقراطية. فالفساد والتآمر والارتباط بمشاريع غير وطنية وتصاعد منسوب الفقر، كلها صارت عناوين مرحلة، كان يجب أن تُطوى. 

غير أن الأفعال غير الكلام. 

التف الشارع حول سعيد. في المقابل خسرت حركة النهضة ذلك الشارع. ذلك ما أبعد حرب شارعين عن الظهور. غير أن ما يحدث اليوم لا يمت إلى تلك الظاهرة بصلة. لقد تجمع الخاسرون في الانتخابات بطريقة لم يكن يتوقعها أحد. كما لو أن الرئيس التونسي قد دفع خصومه كلهم إلى التجمع في سلة واحدة. 

وإذا ما كان موقف اليسار متوقعا فإن موقف الوطنيين المعتدلين قد يشكل خرقا لما هو متوقع. غير أن الثابت أن أي تكتل ضد الرئيس سعيد انما يصب في مصلحة حركة النهضة التي صار في إمكانها اليوم أن تستعيد أنفاسها بالرغم من أن كبار رموزها أما قد تم اعتقالهم بأمر قضائي أو أنهم في طريقهم إلى المساءلة القانونية بعد أن صارت شبهات الفساد والتخابر مع دول أجنبية والتمويل المشبوه والمساهمة في تغذية الارهاب تلاحقهم.     

بضربة واحدة وضع سعيد جميع سياسيي بلاده في صفوف المعارضة. ولم يكن ذلك قرارا صائبا بالرغم من أنه يستند على الحقائق التي خلقتها سنوات عشر من الخسائر المريرة التي مني بها الشعب. من وجهة نظر سعيد فإن الجميع كانوا مسؤولين عما انتهت إليه البلاد من خراب وشعر أن من واجبه أن ينهي السيرك السياسي المتمثل في نزاع لا فائدة منه بين حركة النهضة وخصومها. 

بشكل أساس كانت حركة النهضة هي المقصودة من أجل انهاء الإسلام السياسي الذي عرض تونس للبيع وضم شبابها إلى قوائم الارهابيين وحطم حيوية الاقتصاد التونسي من خلال زعزعة الثقة بالسياحة. غير أن خصوم تلك الحركة كانوا من جهتهم قد شعروا بالخطر حين لم يستدرك الرئيس التونسي خطواته ولم يلتفت إليهم باعتبارهم واجهة شعبية يمكن الاعتماد عليها في اختراق المرحلة الصعبة. 

لقد أخطأ الرئيس سعيد حين راهن على الشارع في صراع مع جهات متضاربة المصالح، كانت إلى وقت قريب تعيش حالة اقتتال مصيري. فنأيه عن السياسة بكل ضروبها المحلية جعل منه عدوا للجميع وهو ما كان فرصة لليسار المنافق لكي يؤلف جبهة مضادة تسعى إلى إعادة تونس إلى ما كانت عليه تحت شعار حرية التعبير. 

اليوم هناك تونس قيس سعيد في مقابل تونس الآخرين الذين هم السياسيون الذين تضررت مصالحهم وللأسف ستكون تلك فرصة لحركة النهضة لكي تستعيد مكانها الذي فقدته، لا في الحكم بل في الشارع. تونسان، تقف الواحدة منهما أمام الأخرى بتحد، هو الامتحان الحقيقي لقدرة قيس سعيد على الاقناع بأن وطنيته كانت هي الحل السليم في مواجهة التشرذم السياسي الذي دفع ثمنه التونسيون من لقمة عيشهم. 

لقد أدرك سعيد أن تونس ينبغي أن تغادر عصر التسلية لتبدأ بإستعادة حياتها الحقيقية. ولكنه اليوم يقف وحيدا.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية