تونس: هل حركة النهضة الإخوانية وراء "هجوم جربة"؟

هل تحاول حركة النهضة الإخوانية تركيع النظام عبر "عملية جربة"؟

تونس: هل حركة النهضة الإخوانية وراء "هجوم جربة"؟


10/05/2023

بعد زمن طويل من الخمول حقّقت فيه وزارة الداخلية نجاحات عديدة في القضاء على الجماعات الإرهابية الناشطة على الأراضي التونسية والمتمركزة خاصّة بالجبال، وبعد كشفها مخطّطاتها والقضاء على كثير من قياداتها، عاد شبح الإرهاب يطلّ برأسه من جديد في مدينة جربة السياحية التونسية مساء 9 أيار (مايو) 2023. إذ تناقلت بعض حسابات التواصل الاجتماعي خبر تبادل إطلاق نار في المدينة، قبل أن تصدر وزارة الداخلية بلاغاً تؤكّد فيه أنّ "عون حرسٍ تابعٍ للمركز البحري للحرس الوطني بأغير جربة أقدم على قتل زميله باستعمال سلاحه الفردي والاستيلاء على الذخيرة، ثمّ حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة، وعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائية على الوحدات الأمنية المتمركزة بالمكان، والتي تصدّت له ومنعته من الوصول إلى المعبد، وأردته قتيلاً".

وتابع البلاغ أنّ العملية أسفرت "عن إصابة (6) أعوان أمن بإصابات مُتفاوتة الخطورة استشهد أحدُهم، كما توفّي (2) من الزوّار، وأصيب (4) أشخاص آخرين بجروح متفاوتة، وتمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج".

أكّدت وزارة الداخلية في البلاغ أنّه تمّ تطويق المعبد وحوزته، وتأمين جميع المتواجدين داخل المعبد وخارجه

وأكّدت وزارة الداخلية في البلاغ ذاته "أنّه تمّ تطويق المعبد وحوزته، وتأمين جميع المتواجدين داخل المعبد وخارجه، والأبحاث متواصلة لمعرفة دواعي هذا الاعتداء الغادر والجبان".

وقالت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في توضيح لبلاغ وزارة الداخلية: إنّ ضحيّتيْ العملية تونسي (30) عاماً، وفرنسي (42) عاماً.   

وفي قراءة أولى لهذه الحادثة، من حيث المكان والزمان والسياق، يّرجَّح أنّ العملية إرهابية تأتي في وقت ضاق فيه الخناق على حركة النهضة المتهمة برعاية الإرهاب، وتوظيفها سياسياً، فقد وفّرت الحماية لإدخال السلاح وتنظيم التظاهرات والمؤتمرات والتدريب، وادّعت أنّ التحركات المشبوهة في الجبال هي لمواطنين عاديين يتعاطون الرياضة، قبل أن تدوي عمليات إرهابية متفرقة في أماكن متعددة من تونس، راح ضحيتها جنود تونسيون وعناصر من الشرطة والحرس، وقيادات سياسية على رأسها كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

العملية أسفرت عن إصابة (6) أعوان أمن بإصابات مُتفاوتة الخطورة استشهد أحدُهم، كما توفّي (2) من الزوّار، وأصيب (4) أشخاص آخرين بجروح متفاوتة، وتمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج

عملية جربة تستهدف بالتحديد قطاع السياحة الذي بدأ يتعافى من خلال ارتفاع نسب الحجوزات على أبواب الموسم السياحي الجديد، وهو قطاع يمثل دخلاً مهمّاً للميزانية، ويعيش منه قطاع واسع من التونسيين، وكل استهداف له يُعتبر بالتأكيد استهدافاً لقوت التونسيين، ومحاولة لتضييق الخناق على النظام لتركيعه، بعد أن فشلت حركة النهضة في تركيعه عبر المظاهرات وفشلها في استمالة الشارع التونسي الذي توضحت له كل ألاعيبها وممارساتها وتعاملاتها مع الخارج.

بعض المراقبين ربطوا عملية جربة بالتصريح الذي أشار فيه راشد الغنوشي إلى حرب أهلية إذا تم إبعاد النهضة أو بقية الأحزاب، وهو التصريح الذي يقبع من أجله في السجن حالياً، واعتبروا أنّ هذه العملية كانت إعلاناً لما يُعرف بـ "تحرير المبادرة"، وبالتالي السماح للذئاب المنفردة بالقيام بما تراه ناجعاً، دون انتظار إشارة أو إذن من القيادة المركزية للحركة.

عملية جربة تستهدف بالتحديد قطاع السياحة

ويبدو أنّ العملية مخطط لها بدقة، لولا أنّ قوات الأمن قد تفطنت إلى الإرهابي الذي نفذ العملية لحظة محاولته اقتحام الطوق الأمني المحيط بمعبد الغريبة في جربة قبل أن ترديه قتيلاً، ويبدو أيضاً أنّ القصد واضح، فقد قتل زميلَه بالذبح من أجل الحصول على سلاحه، والقيام بالعملية الإرهابية التي استهدفت الحجاج اليهود في جربة.

كما أن استهداف مدينة جربة ومعبدها الذي يمثل محجّاً لملايين السياح وأغلبهم من اليهود، هو تشويه لصورة تونس المتسامحة التي تأسست على نبذ التفرقة بين الأديان، رغم كل دعاوى التكفير التي ترفع في وجه المخالفين من طرف جماعات مناوئة للحرية ولا تؤمن بالتعدد، وهي جماعات إمّا مقربة من حركة النهضة، وإمّا أنّها من صلبها.

بعض المراقبين ربطوا عملية جربة بالتصريح الذي أشار فيه راشد الغنوشي إلى حرب أهلية إذا تم إبعاد النهضة أو بقية الأحزاب

كما رأى بعض المراقبين أنّ هذه العملية يمكن أن تكون بداية للخطة "ب"؛ أي الخطة البديلة المتمثلة في اللجوء إلى العنف، بعد فشل كل وسائل حركة النهضة في استعادة الحكم، فقد فشلت الضغوط الديبلوماسية الخارجية وشركات الضغط، وتخلى عنها شركاؤها إذ أعلنوا نواياهم مواصلة التعاون مع مؤسسات الدولة، وفشلت تحالفاتها في الداخل، وباتت تحركات جبهة الخلاص التي كوّنتها باهتة ولم تعد تستقطب التونسيين، رغم آلتها الدعائية الضخمة وإمكاناتها المالية الهائلة وقدرتها على التحشيد وادعاء دور الضحية. وبما أنّها الحركة الوحيدة التي واجهت الدولة بالعنف والسلاح، واستخدمت الحرق والتفجيرات سابقاً ضد الدولة ومؤسساتها، فإنّ أصابع الاتهام تتجه إليها كلما تعلق الأمر بعنف يمارس ضد الدولة ومؤسساتها، خصوصاً إذا فقدت السلطة.

استهداف مدينة جربة ومعبدها هو تشويه لصورة تونس المتسامحة

وقد سعت حركة النهضة الإخوانية منذ تولّيها الحكم إلى اختراق كل أجهزة الدولة، فانتدبت أتباعها ودفعت لهم التعويضات، وزرعتهم في كل مفاصل الدولة بما في ذلك وزارة الداخلية والديوانة والقضاء كي يسهل عليها السيطرة على الدولة واتخاذها رهينة، وكثيراً ما طالبت بعض أصوات الناشطين بضرورة مراجعة الانتدابات التي قامت بها حركة النهضة منذ العام 2011 إلى يومنا، وخصوصاً في وزارة الداخلية، للحدّ من سطوتها واختراقها للدولة.

وفي انتظار المزيد من الحقائق التي سيكشف عنها البحث مستقبلاً، ورغم أنّ المصالح المعنية تتعامل بتكتم شديد مع العملية، فإنّ كل الأصابع تشير إلى إمكانية ضلوع حركة النهضة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذه العملية، لتضييق الخناق على النظام وتركيعه لاستعادة السلطة، وإن كان ذلك عبر إجباره على قبول الحوار معها.

مواضيع ذات صلة:

حج اليهود إلى تونس... فرصة لتجاوز العمليات الإرهابية ومظهر للتسامح الديني

خطايا الغنوشي وأبنائه... هكذا أداروا تونس خلال عقد من الزمن

نحو المصالحة مع السلطة.. قراءة في خطاب الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية