جدل الفتوى والمفتي

جدل الفتوى والمفتي

جدل الفتوى والمفتي


16/04/2023

مختار الدبابي

تجتاح التونسيّين في شهر رمضان حالة خاصة تقوم على رفض كل شيء بدءا من المسلسلات والسيتكومات وصولا إلى جدل متكرر حول المفتي والهلال وزكاة الفطر؛ جدل لا علاقة له بالمعرفة ولا يمتّ إلى الفتوى بصلة، هو فقط مراء يسير بالاتجاه المعاكس الذي يبديه المفتي أيا كان اسمه ومن عيّنه في المنصب.

في السنوات الماضية كانت كل سكنات وحركات المفتي الراحل الشيخ عثمان بطيخ مثار احتجاج ونقد على مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر يتكرر الآن مع المفتي الجديد الشيخ هشام بن محمود، وكلاهما عالم بالدين وخريج جامع الزيتونة، ولا يحتاجان إلى شهادة أو تجريح سكان مملكة فيسبوك الذين لا يرضيهم العجب في رجب، فما بالك بالمفتي في رمضان.

قدّر المفتي الجديد أن قيمة زكاة الفطر في تونس ديناران (حوالي 0.600 دولار). وهاج النشطاء على مواقع التواصل وماجوا متسائلين كيف يمكن إقرار “الفطرة” بهذا المبلغ الهزيل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع وكان على المفتي أن يضاعفه ليتماشى مع حاجة الفقراء في وقت ترتفع فيه الأسعار إلى عنان السماء؟

وضمن مساعيهم للتقليل من قيمة ما أقره المفتي قاموا بجلب أثمان زكاة الفطر من مجتمعات عربية أخرى ثرية، كما وضعوا مقدار الزكاة على صور لأسعار الخضر والغلال التي تشهد في رمضان ارتفاعا كبيرا بسبب لهفة الناس وجشع الباعة.

وما يثير الاستغراب أن هؤلاء الذين يطالبون بزيادة مقدار زكاة الفطر هم أنفسهم الذين يتظاهرون افتراضيا على كل زيادة للمواد الأساسية وغير الأساسية ويتهمون الحكومة بالتقصير والسكوت عن الاحتكار والتساهل مع لوبياته النافذة… لا شيء يفسر هذا التناقض سوى منطق “خالِفْ تُعرَف”.

ومن صور الترف في الجدل الرمضاني السنوي نجد كذلك الخلاف حول زكاة الفطر هل تُدفع نقدا أم طعاما؟ ويميل أغلب التونسيين إلى دفعها نقدا لسهولة الأمر. كما أن الناس لا يحتاجون، في الأيام الأخيرة من رمضان، إلى ما كان يحتاجه القدامى من تمر أو شعير أو زبيب أو قمح؛ فلكل زمان حاجته وأدواته ورمزيته.

لكن جماعة من المتدينين الذين يعتبرون أنفسهم سلفيّين يصرون إصرارا على أن الطريقة المثلى هي وحدة الصاع، وأن التمر والدقيق والمعكرونة هي ما يحتاجه الناس وليس الأموال، وإلا خالفنا السنّة، حتى وإن قال المالكية، مذهب البلاد، بخلاف ذلك.

كان يمكن لكل صاحب رأي أن يدفع “فطرته” بالطريقة التي يريدها في صمت ودون رياء ولا مراء، ولا سيلفيات على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ما بالطبع لا يتغير، فالمفتون الجدد، وأعدادهم لا تحصى، يريدون لنا أن نظل على خلاف دائم كل رمضان بدءا من القصص المتوارثة من قديم الزمان بشأن موعد الهلال وصولا إلى قصص المفتي والدينارين.

عن "العرب" اللننية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية