جدل حول منع كتب بمعرض تونس.. هل تحول الإخوان إلى مدافعين عن الحريات؟

جدل حول مصادرة كتب بمعرض تونس للكتاب وشبح العشرية الظلماء

جدل حول منع كتب بمعرض تونس.. هل تحول الإخوان إلى مدافعين عن الحريات؟


02/05/2023

شهدت دورة معرض تونس الدولي للكتاب الحالية جدلاً واسعاً على خلفية سحب عنوانين أو (3) عناوين تقول لجنة التنظيم إنّ سبب ذلك ترتيبي لا أكثر، وقد شنّ ناشطون وناشطات حملة واسعة ضد منع الكتب أو مصادرتها، فعادت إلى الأذهان "العشرية" التي حكمت فيها حركة النهضة البلاد وسمحت لناشطيها وقيادييها بالتضييق على حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير في مناسبات عديدة، وحوكم عدد من الناشطين على خلفية تدوينات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا إضافة إلى التكفير والتخوين والتنمر على كل من يبدي رأياً مخالفاً أو منتقداً السلطة القائمة حينها.

في تلك الأثناء كانت أصوات ناشطي حقوق الإنسان والحريات عالية تنادي برفع اليد عن حرية التعبير والإبداع، وعدم محاكمة الأعمال الفنية والإبداعية إلّا بمعيار الفن والنقد لا في مخافر الشرطة، وبالطبع كانت قواعد الحزب الحاكم حينها ترسل كل منتقد لسياسات القمع والترهيب والتكفير التي بلغت حدّ الاعتداء بالعنف على متظاهرين ووجوه إعلامية وحقوقية معروفة في الشارع العام، تحت غطاء حركة النهضة المسيطرة حينها على المؤسسة القضائية.

وكانت الفكرة التي يرفعها الناشطون حينها أنّ التضييق على الحرّيات قد يكون لصالح من كان في السلطة، ولكنّها حال فقدانها ستكتوي السلطة نفسها بنار المنع والقمع، ولذلك كان الصوت يعلو في وجه حركة النهضة وقواعدها وميليشياتها التي احترفت كل أنواع العنف حينها ضد الناشطين، وكان الشعار المرفوع لحظتها: لا تعادوا الحريات والحقوق لأنّها لا تتجزأ.

شهدت دورة معرض تونس الدولي للكتاب الحالية جدلاً واسعاً

وقد أثار الجدل الدائر هذه الأيام حول منع الكتب شبح تلك العشرية الظلماء بكل المقاييس، فإذا من عادوا حرية التعبير والنشر والإبداع والثقافة واستبسلوا في الدفاع عن القمع، يتحولون اليوم إلى مدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة. وبالتالي فإنّ الإخوان لم يكونوا يوماً مؤمنين بحق الإنسان في الحرية والإعلام والنشر والإبداع، وإنّما هي مجرد وسيلة ينتهكونها متى كانوا في السلطة وينكلون بالمبدعين في شتى مجالات الإبداع، ويحترفون السمسرة بها لحشد الدعم الخارجي من منظمات وطنية ودولية متى فقدوا السلطة، مثلما يوظفون اليوم مناصرتهم المزعومة للمبادئ والقيم الكونية في صراعهم مع السلطة التي يريدون الضغط عليها، وقد بلغ بهم الأمر حدّ طلب تدخل أجنبي في الشأن التونسي لفرض عقوبات على رئيس الجمهورية والحكومة التونسية.

لا شكّ في أنّ الحريات أصبحت مكسباً تونسياً حقيقياً أريقت من أجله الدماء، وبذل التونسيون والتونسيات من أجله كل ما استطاعوا خلال فترة دولة الاستقلال

أمّا من حيث المبدأ، فلا شكّ في أنّ الحريات أصبحت مكسباً تونسياً حقيقياً أريقت من أجله الدماء، وبذل التونسيون والتونسيات من أجله كل ما استطاعوا خلال فترة دولة الاستقلال، بدءاً بالزعيم بورقيبة ومروراً بزين العابدين بن علي ثم بالعشرية السوداء التي حكمت فيها النهضة، ولا أحد يمكن أن يتخيل تنازلهم عنها اليوم في عهد الرئيس الحالي.

وإذا كان سعيّد قد أحكم قبضته على كل أوجه الحياة في تونس منذ 25 تموز (يوليو) 2021، وباتت نيته واضحةً في السيطرة على البلاد بقبضة شمولية قاسية، فإنّ الجدل الذي أثير حول الكتب الـ (3): (فرنكشتاين تونس) لكمال الرياحي، و"قيس سعيّد ربان سفينة تائهة" لنزار بهلول، وكتاب أكاديمي لصلاح الدين العامري في معرض الكتاب، قد أثار موجة واسعة من الاستهجان والإدانة والتحذير من العودة إلى مربع مصادرة الكتب والتضييق على حرية الإبداع والنشر.

وتاريخ التونسيين مع المنع طويل؛ إذ كانت طرق النشر جميعاً تمرّ عبر هيئة الرقابة التابعة لوزارة الداخلية التي تتدخل في كل ما ينشر وتصادر ما تشاء من نشريات وكتب وجرائد ومجلات محلية وعربية ودولية، في حين تنفق الأموال الطائلة على مؤسسات إعلامية أخرى مرئية ومسموعة ومكتوبة لتبييض صورة النظام في الداخل والخارج، وأحدثت وكالة الاتصال الخارجي التي استقطبت وجوهاً عديدة اشتهرت بتلقيها أموالاً لتلميع صورة الرئيس في الخارج. وبعد انفجار الحريات في 2011 فشلت حركة النهضة الحاكمة في تقييد الأيدي وتكميم الأفواه عبر كل الوسائل، رغم سطوتها في الإعلام والقضاء ووسائل التواصل الاجتماعي والتخوين والتكفير، في حين كانت تنفق مليارات الدولارات عبر عقود موثقة مع مجموعات الضغط الدولية لتلميع صورتها وصورة رئيسها راشد الغنوشي، والنفاذ إلى المؤسسات الدولية والبرلمانات لتشكيل كتل داعمة لسياساتها في الغرب. وهي الاستراتيجيا التي كان يعتمدها زين العابدين بن علي حتى هروبه في 2011.

 حرية التعبير والنشر والتفكير وغيرها من الحريات مضمونة ضماناً واضحاً في دستور 2014 كما في الدستور الجديد

أمّا قيس سعيّد الذي ما انفك يؤكد في خطاباته وتصريحاته أنّه لا تنازل عن حرية التعبير والتفكير، فها هي ذي الأضواء الحمراء تشتعل من جديد في الواقع في عهده منذرة بفترة من قمع حرية النشر والإبداع، بدأت بمحاكمات طالت مدونين أو سياسيين على خلفية تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي، فهل تمتد يده إلى عالم الكتاب، بعد هذا الشوط من النضال الذي بذله التونسيون لنيل حرياتهم؟

كانت طرق النشر جميعاً تمرّ عبر هيئة الرقابة التابعة لوزارة الداخلية التي تتدخل في كل ما ينشر وتصادر ما تشاء من نشريات وكتب وجرائد ومجلات محلية وعربية ودولية

إنّ حرية التعبير والنشر والتفكير وغيرها من الحريات مضمونة ضماناً واضحاً في دستور 2014 كما في الدستور الجديد، ولمّا كانت الدساتير ضامناً شكلياً للحريات والحقوق يمكن لكل سلطة أن تخترقه بل وتوظفه لصالحها بتهم جاهزة يمكن أن تنطبق على كل ما يهدد السلطة ذاتها من قبيل تهم "الإخلال بالنظام العام" أو "الاعتداء على الأخلاق الحميدة" أو "ارتكاب فعل موحش ضد رئيس الجمهورية"، أو غيرها من التهم التي تتسع وتضيق حسب قراءة السلطة ذاتها، ولمّا كانت الدساتير ضامناً شكلياً، فإنّ الضامن الحقيقي لحرية التعبير وغيرها من الحريات والحقوق هو الإيمان العميق لدى قطاع واسع من التونسيين والتونسيات بحقوقهم وحرياتهم التي كانت مصادرة إلى زمن قريب، وإيمانهم أنّه لا يمكن التراجع عنها تحت أيّ مسمّى كان. وأمّا السلطة، فتدرك جيداً أنّ كل الأنظمة التي صارعت الحريات وقمعت الشعوب وصادرت حقوقها في الحياة والحرية والكرامة انتهى بها المطاف إلى هزائم مدوية. ويدلّ على ذلك التاريخ ويؤيده المنطق والعقل وتؤكده التجربة الإنسانية.

مواضيع ذات صلة:

سيف "ازدراء الأديان" يشهر في وجه حجّاج: حرية التعبير في القفص

نعلّم أطفالنا القراءة.. فأين يختفي القارئون؟

عليك أن تسأل نفسك: هل تجيد القراءة فعلاً؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية