جهاديون في بولندا: كيف يمكن للتطرف أن يتغلغل في أي مجتمع

جهاديون في بولندا: كيف يمكن للتطرف أن يتغلغل في أي مجتمع

جهاديون في بولندا: كيف يمكن للتطرف أن يتغلغل في أي مجتمع


12/02/2023

ريتشارد ماخينكوفسكي

من المؤكد أن بولندا ليست معروفة على نطاقٍ واسع بشبكات المقاتلين الأجانب الجهاديين، حيث إن أعداد المسلمين المتطرفين القادمين من هذه الدولة منخفضة نسبيًا. ويُعزى ذلك إلى ثلاثة عوامل: العدد الإجمالي المنخفض للمسلمين في بولندا؛ والطابع السلمي والمعتدل للإسلام بشكلٍ عام فيها، بما في ذلك مجتمع التتار، ويقظة أجهزة الأمن الداخلي البولندية التي تحاول مراقبة البيئات المتطرفة في الدولة، بغض النظر عن خلفيتها الأيديولوجية.

ومع ذلك، كانت هناك مجموعة من المقاتلين الأجانب البولنديين الذين تمكّنوا من السفر إلى سوريا والعراق في 2013-2014. تألّفت هذه المجموعة من بولنديين ومسلمين مهاجرين من شمال إفريقيا يحملون الجنسية البولندية. كان هؤلاء على صلة بأحد مساجد وارسو والمركز الإسلامي الذي يقع في شارع فيرتنيتسا في العاصمة البولندية. تضم المجموعة رجالًا ونساء بولنديين أصليين، هم: جاكوب جاكوس، وداود لوكاوسكي، وزوجته مالجورزاتا، وداميان وزوجته باتريتشيا، بالإضافة إلى مهاجرين إلى بولندا، هم: كريم وتوفيق ووائل، الذين تمكّنوا جميعًا من السفر إلى الأراضي التي كانت تسيطر عليها داعش، والجماعات الجهادية الأخرى. وهناك عضو آخر في هذه المجموعة، هو شخص يُدعى مارسين، كان ينوي الذهاب إلى هناك، لكنه فشل في النهاية.

إضافة إلى ذلك، كان من بين هذه المجموعة مواطنون أجانب: محمد، الذي كان عضوًا في شبكة التجنيد الأوسع، وسيف الدين، الذي رحّلته السلطات في نهاية المطاف من بولندا. تم تجنيد جاكوب جاكوس وداود لوكاوسكي من قبل جمعية نرويجية تُدعى “أمة النبي” (Profetens Ummah) وارتبطوا بمواطنين نرويجيين، ومقاتلين أجانب في سوريا، هم: محيي الدين واثنان من النرويجيين الذين اعتنقوا الإسلام هما، باستيان فاسكيز (الذي قدّم نفسه علنًا في فيلمٍ دعائي صادر عن وكالة الحياة الإعلامية بعنوان “نهاية سايكس بيكو”) وتوم ألكسندر (الذي توفّي في سوريا في مارس 2015). قضى كل من جاكوس ولوكاوسكي ووائل بعض الوقت في النرويج، وأصبحوا أعضاء في الدوائر الإسلامية المتطرفة في الدولة. ومن الواضح أن هذا “التدويل” للمقاتلين الأجانب القادمين من بولندا هو عامل مهم في إقامة صلات مع مختلف الجماعات الجهادية في سوريا والعراق.

مسارات مختلفة للتطرف

يجدر استكشاف ملامح هؤلاء الجهاديين البولنديين لتوضيح المسارات المختلفة لتطرف هؤلاء الأفراد، التي دفعتهم في النهاية إلى الانضمام إلى الجماعات الجهادية المتشددة في الشرق الأوسط، خلال فترة الخلافة المزعومة لداعش.

ربما كان الأب الروحي لهذه المجموعة هو جاكوب جاكوس، شاب بولندي اعتنق الإسلام ولد لعائلة كاثوليكية في 31 يوليو 1992 في مدينة ساندوميرز، في الجزء الجنوبي الشرقي من بولندا. تخرج جاكوب من المدرسة الثانوية الكاثوليكية “كلية جوستوميان”، واعتنق الإسلام أثناء دراسته هناك. في عام 2011، انتقل إلى وسط بولندا لدراسة العلاقات الاقتصادية الدولية في جامعة لودز، حيث شارك في تنظيم العديد من الأنشطة العامة تحت رعاية الرابطة الإسلامية في بولندا.

في الفترة من 27 مايو إلى 8 يونيو 2012، أدّى العمرة في مكة المكرمة، وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، غادر جامعة لودز للدراسة في جامعة خاصة في وارسو، ولكن في أواخر صيف عام 2012، ذهب إلى أوسلو للعثور على وظيفة صيفية وبقي هناك، وانضم إلى جمعية “أمة النبي”.

في أواخر يونيو 2013، ذهب مع “إخوانه الإسلامويين” النرويجيين الجدد إلى سوريا وانضم إلى داعش. انضم إلى تنظيم “الرباط” في الرقة، وأصيب أثناء القتال. كان لديه اتصالات مكثّفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الإنترنت، مع كل من المتطرفين الإسلامويين النرويجيين والبولنديين.

في أواخر أكتوبر 2013، اتصل بمالجورزاتا -شابة بولندية اعتنقت الإسلام- عبر الإنترنت. ووعدها بالزواج بعد وصولها إلى سوريا. لكن ما حدث هو أنه تزوج من امرأة محلية تُدعى عائشة، فيما أصبحت مالجورزاتا زوجة لداود لوكاوسكي، وجاءت إلى سوريا مع زوجها في مارس 2014.

في 1 مارس 2016، أفادت “مجموعة سايت الاستخباراتية” أن مقاتلًا جهاديًا يُعرف باسم أبو خطاب البولندي قد لقي مصرعه في سوريا. يُزعم أن هذا الشخص هو جاكوب جاكوس، على الرغم من أنه لا يزال مدرجًا في قائمة الإنتربول لأكثر الإرهابيين البولنديين المطلوبين.

قضية لوكاوسكي

تمكّن شريكه المُقرّب، داود لوكاوسكي المعروف أيضاً باسم أبو حنيفة داود، من النجاة من رحلته إلى سوريا، لكنه لا يزال يقضي عقوبته لمدة أربع سنوات في السجن البولندي. ولد داود في 19 أبريل 1992 لعائلة كاثوليكية من مدينة رادوم في وسط بولندا. في عام 2008، انتقل إلى النرويج مع والديه وإخوته. منذ عام 2013، شارك بنشاط في حياة البولنديين الذين اعتنقوا الإسلام في النرويج عبر موقع على الإنترنت يديره مع جاكوس.

ربما كان اعتناقه الإسلام مرتبطًا بعلاقته الرومانسية مع فتاة نرويجية، تُدعى رحيله، التي رفضت عائلتها بشدة هذه العلاقة بسبب أن لوكاوسكي، آنذاك، لم يكن مسلمًا. ومع ذلك، فقد واصل اتصالاته عبر الإنترنت مع رحيله عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد رحلته إلى سوريا.

في يناير 2014، عاد لوكاوسكي إلى بولندا للزواج من مالجورزاتا. وذهبا معًا إلى النرويج بعد ذلك بوقتٍ قصير. وفي مارس 2014، سافرا إلى سوريا عبر تركيا، ومكثا في مدينة “دارة عزة” بالقرب من حلب، حيث أصبح لوكاوسكي عضوًا في الجماعة الجهادية المحلية “حركة فجر الشام الإسلامية”، المتحالفة مع جبهة النصرة. كان يفكر في الانتقال إلى الرقة، لكنه قرر الذهاب إلى النرويج مع زوجته. وصلا إلى مطار أوسلو قادمين من اسطنبول في 17 أبريل 2015، حيث اعتقلهما جهاز الأمن النرويجي. وفي سبتمبر 2015، احتجزت دائرة الهجرة النرويجية داود لوكاوسكي ومالجورزاتا مرة أخرى. تم ترحيلها على الفور إلى بولندا، وتم ترحيل لوكاوسكي في 15 نوفمبر 2015 واعتقل بعد وصوله إلى مطار وارسو من قبل وكالة الأمن الداخلي البولندية. بدأت محاكمته في نوفمبر 2017، وحصل على إفراج مشروط منذ مارس 2018.

المتهم الثاني في المحاكمة هو مارسين، الذي ظلَّ على اتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع لوكاوسكي، وجاكوس، وبولندي آخر اعتنق الإسلام، والمتطرف الإسلامي داميان، الذي ذهب إلى سوريا وانضم إلى داعش. وقد تحوّل إلى التطرف في بولندا بعد عام 2010، عندما غيّر عقيدته الدينية، واتهم بارتكاب جريمة بسيطة تتعلق بالإرهاب أثناء محاكمة داود لوكاوسكي.

لم توجّه المحكمة الاتهام إلى مالوجورزاتا لعدم وجود دليل على تورطها في أي نشاط مسلح أثناء إقامتها في سوريا. في 12 فبراير 2019، احتجزت أجهزة الأمن الداخلي لوكاوسكي للمرة الثانية، ووجهت إليه تهمًا تتعلق بالإرهاب. واتهم كل من جاكوس ولوكاوسكي بأنهما حرضا الأشخاص الذين يتواصلون معهم في بولندا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل التواصل عبر الإنترنت، على الانضمام إلى الجماعات الجهادية في سوريا والعراق، وحققا بعض النجاح في ذلك.

المتواطئون

ذهب ثلاثة من شركائهم، كريم وتوفيق ووائل، إلى سوريا عبر إسطنبول. كان الثلاثة قد غادروا بولندا في مواعيد مختلفة -توفيق في 12 نوفمبر 2014، وكريم في 20 نوفمبر 2014، ووائل في 21 نوفمبر 2014- ووصلوا أخيرًا إلى وجهتهم في سوريا في 23 نوفمبر 2014.

وكان كريم، المواطن التونسي الأصل، قد وصل إلى بولندا في عام 2001، بدعوة من زوجته البولندية باربرا، حيث عمل كمصفف شعر في وارسو.

بعد إحدى رحلات كريم إلى وطنه في عام 2009، بدأ مواطنوه المسلمون في بولندا ينظرون إليه على أنه “متطرف”. كان يتردد على المسجد والمركز الإسلامي في شارع فيرتنيتسا في وارسو كل يوم. كان يبيع مستحضرات التجميل العربية هناك. طلّق زوجته الأولى باربرا، وتزوج من امرأة بولندية أخرى إيوا، التي كانت قد اعتنقت الإسلام. وكان لديه اتصالات مكثّفة، شخصية وعبر الإنترنت، مع جميع الأشخاص المذكورين في هذا المقال وساهم بنشاط في تطرفهم. قبل مغادرتهما، كان توفيق ووائل يعيشان في شقة مستأجرة من قبل كريم (مع سيف الدين).

جاء وائل، المواطن السوداني الأصل، إلى بولندا في عام 2005 وبعد ذلك بعامين تزوج من سيدة بولندية تُدعى مونيكا في عام 2012، وحصل على الجنسية البولندية. كان يعمل طباخًا في المطاعم العربية، وأصبح متطرفًا بعد إقامته في النرويج، حيث كان يعمل لمدة شهرين في عام 2013.

جاء توفيق، التونسي الأصل، إلى بولندا في عام 2007، حيث مكث في وارسو وعمل طباخًا في سلاسل مطاعم الوجبات السريعة العربية. تحوّل إلى التطرف في عام 2013. كل هؤلاء “الإخوة” ترددوا على المسجد والمركز الإسلامي في شارع فيرتنيتسا في بولندا، واعتبروا “متطرفين” ومؤيدين للجماعات الجهادية المتشددة. كانوا مرتبطين بإمام المسجد، السوري نزار، آنذاك، وشريكه المُقرّب، فيليب، البولندي الذي اعتنق الإسلام. ومع ذلك، فإن دورهم في عملية التطرف لهذه المجموعة غير واضح. ربما كانوا على علم بخطط سفرهم، لكن من غير المعروف ما إذا كانوا قد شجعوهم.

بدأ جاكوب جاكوس وداميان ومارسين وتوفيق مسار التطرف في بولندا، ووجدوا صحبة تضم متطرفين متشابهين في التفكير هناك، في حين أصبح كريم متطرفًا خلال إقامته في تونس، وأصبح داود لوكاوسكي ووائل أعضاء في دوائر متطرفة في النرويج.

وفي حين ما يزال داود لوكاوسكي يقضي عقوبته في السجن البولندي، فإن مكان وجود الأعضاء الآخرين في هذه “الشبكة” غير معروف. ويُزعم أن بعضهم لقوا حتفهم في القتال في سوريا أو العراق. خلاصة القول، توضح لنا قصص هؤلاء كيف يمكن أن يحدث التطرف الإسلاموي في أي مكان وزمان، وأنه لا توجد أرض خالية من تأثير الأيديولوجية الجهادية المتطرفة، حتى بولندا الكاثوليكية.

عن "عين على التطرف"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية