حدود الدور والهدف لمواقع التواصل لدى المتطرفين

حدود الدور والهدف لمواقع التواصل لدى المتطرفين

حدود الدور والهدف لمواقع التواصل لدى المتطرفين


24/12/2023

خلال الفترة التي أعقبت سيطرة تنظيم داعش على الموصل، واندلاع الحرب بين التنظيمات المتطرفة والنظام السوري، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في مهمة التعريف بالأفكار المتطرفة، والتوصيل، والتشبيك، بين المستقطبين الجدد والتنظيمات المتطرفة، وما زال المخططون الإعلاميون لهذه التنظيمات يقومون حتى اللحظة بعمليات الترويج للمواد الإيديولوجية والقرصنة والتمويل عبر تلك الغرف المغلقة التي تجمع القريبين فكرياً، فما حدود الدور والهدف لمواقع التواصل لدى المتطرفين؟

التباين في استخدام وسائل التواصل

تشير إحدى الدراسات إلى أنّ منصة (تويتر) تستوعب 40% من المحتوى "الجهادي" الموجود على منصات الميديا الجديدة، والخطورة هنا تتجاوز الانغلاق الذهني على أفكار مُحدَّدة يُعاد ترديدها فيزداد الإيمان بها؛ إذ يصل الأمر أحياناً إلى زيادة الأفكار المتطرفة شططاً، بوساطة مستخدمين عاديين لشبكات التواصل يستقبلون أفكاراً تقليدية روَّجها في الأصل غُلاةُ المتطرفين، والمتنطعون سواء في الدين أو في أيّ توجه فكري، فيتحول أولئك المُتلقون المستهلكون لهذه الأفكار إلى "مُنتجين" لها بعد إضافة "لمساتهم" التي تزودها بالعشوائية والجهل، بعد أن تزيدها بالطبع تطرفاً.

بالنظر إلى تنظيم داعش باعتباره أكثر التنظيمات استخداماً لوسائل التواصل، سنجد أنّها مثلت لديه وسيلة لطرح أفكاره، ومنها الفروقات مع (القاعدة)، وإعادة إصدار وتحديث وتطوير الإنتاج القديم، ليواكب العصر والظروف والأحداث الأخيرة، سواء كانت مؤلفات مكتوبة أو سمعية أو بيانات أو تأصيلات علمية، فيما أخذ خطابه الإعلامي خطاً موازياً لاستثمار ما يحدث في الوطن العربي بعد ثورات "الربيع العربي"، وإعادة صياغة مفاهيم الجماعات المتطرفة بطريقة جديدة أكثر حدة وأكثر تناغماً مع الأجواء الشعبية والسياسية.

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي الدور الأبرز في مهمة التعريف بالأفكار المتطرفة

أمّا تنظيم القاعدة، فقد وضع المسؤولون عنه مجموعة من الأسس والمبادئ، تهدف إلى الحصول على أقصى تأثير ممكن من الرسالة الإعلامية، وتخفيض سقف المخاطر والخسائر، سواء الأمنية أو السياسية، ومنها: أن يخفي الإعلام نفسه، حتى لا يبدو ظاهراً على أنّه دعاية للتنظيم وإلّا تعرض للفشل، كما يجب أن يستند إلى المعلومات ذات القيمة، وإلى المعرفة الدقيقة بمجريات الأمور.

وفي الفترة التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى"، ظهر تباين كبير بين التنظيمين في استخدام وسائل التواصل، فبينما ظهر تنظيم داعش على أنّه مع الجهاد في فلسطين لكنّه ضد حماس وكل التنظيمات التي وصمها بالردة، فإنّ تنظيم القاعدة نشط إعلامياً بشكل لم يسبق له مثيل، بل كتب زعيمه سيف العدل مقالات متعددة تحت اسم حركي (سالم الشريف) يدعو من خلالها إلى الجهاد، ويحذّر من عمليات مرعبة دموية سيقوم بها هو وتنظيمه.

حدود وأدوار مواقع التواصل لدى المتطرفين

كانت وسائل التواصل لدى التنظيمين مختلفة، فبينما الأول يريد إظهار الكيان، يريد الثاني إثبات القوة، وكان الهدف لكل منهما التواجد على كل حال، ولكن لها أهداف معنية ببعض الأمور مثل: مأسسة التطرف، حيث تساعد شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديدة بتهيئة بيئة مشجعة على إقامة تكتلات وتجمعات تشترك في أفكارها وقناعاتها، يتطور ذلك التوافق الفكري والاتساق في الآراء إلى حالة من الارتباط النفسي والاستقواء المتبادل، ممّا يحفز بدوره على مأسسة تلك الروابط وتحويلها من مجرد تجمع افتراضي إلى كيانات لها ملامح مميزة وقواعد منظمة وأشكال تنظيمية، سواء ظلت تلك الكيانات تعمل فقط في العالم الافتراضي، أو تحولت لاحقاً إلى العالم المادي الفعلي، وممّا يزيد قابلية تلك التجمعات الافتراضية للتحول إلى تنظيمات واقعية، أنّها بمجرد تبلورها (الافتراضي) سرعان ما تبرز الحاجة إلى وجود قيادة وإدارة، وتحديد غايات وأهداف، ووضع خطط عمل وجدول أعمال، وهكذا تتكون وتتراكم تدريجيّاً وتلقائيّاً كل مقومات (التنظيم) بمعناه الحرفي المادي، ربما باستثناء اللقاءات المباشرة، وإلى حد ما التمويل، لكنّ غياب أيّ منهما لا يحدّ من الأثر السلبي التراكمي لتداول وإعادة إنتاج المفاهيم المغلوطة والأفكار المتطرفة، ومع التحول إلى الطبيعة التنظيمية الفعلية، فإنّ ذلك يعني مباشرة الوقوف على حافة الانتقال من التطرف إلى العنف .

 

أهم أدوار مواقع التواصل لكل من (داعش والقاعدة) الحرب النفسية، وهي تتكامل مع وظائف الوسائل الإعلامية، مثل الترهيب والترغيب، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية.

 

وتساهم مواقع التواصل في تبادل الأفكار، حيث إنّ سهولة التواصل والتفاعل عبر الفضاء الإلكتروني تشجع ليس فقط على ارتباط وتقارب الأفراد ذوي الأفكار المتطرفة أو ذوي الاستعداد المُسبق لتقبلها والإيمان بها، وإنّما ينسحب هذا أيضاً على المجموعات، أي تنطبق نفس فكرة التئام وانجذاب المتشابهين كلّ للآخر على المجموعات والكيانات، فتصير فيما بينها علاقة تفاعل إيجابي قابلة للتطور لاحقاً إلى استقواء وربما تنسيق، أو حتى اندماج، تماماً كما يحدث بين الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية في الواقع الفعلي.

تساهم مواقع التواصل في تبادل الأفكار

بالنظر إلى تنظيمي (داعش والقاعدة) سنجد أنّهما نجحا ببراعة في استخدام جيوب مخبأة داخل الشبكة العالمية تعرف باسم "المناطق الداكنة"، لتبادل المواد والاتصالات الجهادية، حيث لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وهي كما يقول الخبراء في هذا الشأن إنّها شبكة متعددة الطبقات، تخفي أصول الرسائل والملفات، وتشفر جميع العناوين الإنترنتية.

ومن أهم أدوار مواقع التواصل لكل من (داعش والقاعدة) الحرب النفسية، وهي تتكامل مع وظائف الوسائل الإعلامية، مثل الترهيب والترغيب، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، وتقويض المجتمع من الداخل.

ويستثمر كل منهما حالة الوهج أو انتصاراته الميدانية للحصول على مكاسب أكثر، منها تدفق مقاتلين جدد وبيعات من بقية الجماعات، وهذا ما ظهر تماماً في اجتياحه مدناً عراقية في حزيران (يونيو) 2014 بشكل سريع فاق جميع التوقعات والتي كانت تمثل قفزات ميدانية، فهو يعزز النصر على الأرض بمزيد من الإنجازات على الأرض ليكمل على خصومه، ضمن مبدأ "الصدمة والرعب" الذي يقوم على عنصر المفاجأة.

لولا وجود شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وما أفرزته من مواقع إخبارية وشبكات تواصل تحفل بكل أشكال الأخبار والآراء والأفكار، مرئية ومسموعة ومقروءة، لظلت المواقف المتطرفة والأفكار الانعزالية أسيرة أصحابها

الأهم في أهداف تعامل المتطرفين على مواقع التواصل هو الاستقطاب، حيث يعتبر العمل إلكترونياً لديهم وسيلة لاختيار المجندين الجدد، فبعيداً عن الخطوات التقليدية القديمة، التي جمعتها موسوعة القاعدة الجهادية، التي كانوا يحددون فيها الخطوات للاختيار، وأولها الجذب والدعوة، وهي مرحلة غالباً ما يقوم بها دعاة تلك الجماعات الذين يتواجدون غالباً في بؤر التجنيد التقليدية؛ المساجد والجمعيات الخيرية والإغاثية والثقافية الإسلامية والجامعات والمعاهد والمدارس الدينية ورحلات الحج والعمرة والمعسكرات الصيفية والكشفية والصالات الرياضية.

يبدأ الاستقطاب بجذب الشخص الهدف بعد معرفة البروفايل النفسي له بعمق، ثم عزله عن البيئة التي قد تؤثر عليه سلباً، ثم تبدأ الدورات الفكرية، وبعدها تبدأ المرحلة الثالثة، التي يتم فيها التصنيف إلى "مقاتل، متخصص، انغماسي، انتحاري".

ويستهدف الإرهابيون في مواقع التواصل تعميق التناقض في مختلف الجماعات والمكونات الدينية والثقافية، وهو دور ربما يكون غير ظاهر بوضوح، لأنّه يتركز بالأساس داخل الدول ذات التنوع المجتمعي، وخصوصاً تعدد الأديان أو المذاهب، فلولا وجود شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وما أفرزته من مواقع إخبارية وشبكات تواصل تحفل بكل أشكال الأخبار والآراء والأفكار، مرئية ومسموعة ومقروءة، لظلت المواقف المتطرفة والأفكار الانعزالية أسيرة أصحابها والدائرة الضيقة من معارفهم أو المحيطين بهم، ولما كان لها مردود عكسي سلبي على المكونات المجتمعية الأخرى التي تطالها تلك الأفكار، أو تضعها في خانة "الكُفر" أو "الشِرك"، وتحاصر إلى حد كبير نطاق انتشار الصورة الذهنية لمُروجي ومُصدري تلك الأفكار لدى الأطراف الأخرى، واعتبارهم "متطرفين" أو "إرهابيين"، أو على الأقل "رجعيين" و"انعزاليين"، وبعيداً عن تقييم مدى صحة أو خطأ إطلاق تلك الأحكام والأوصاف من الجانبين، المهم أنّ قدراً غير يسير من التغذية المرتدة، يُعزى بامتياز إلى وجود وانتشار وتزايد استخدام الميديا الجديدة من كل الأطراف، فيصير المشهد أقرب إلى "مزايدة" في التطرف والتطرف العكسي .

يستهدف الإرهابيون في مواقع التواصل تعميق التناقض في مختلف الجماعات والمكونات الدينية والثقافية

الخلاصة؛ إنّ النماذج التفسيرية لجهاديي الجيل الثالث في العالم الافتراضي الذي وفرته العولمة والثورة الاتصالية تكشف عن تحولات عميقة على صعيد الوعي والممارسة والحركية، ويعيد العالم الافتراضي صناعة أفق جديد من العوالم الجهادية الافتراضية، وتدشين جيل ثالث من الجهاديين أكثر خطورة ومعرفة ودراية يصعب تتبع مساراته ومآلاته، وما تزال الجماعات المتطرفة قادرة على الاحتفاظ بحضور ملحوظ على الإنترنت من خلال مشاركة موادها عبر شبكة واسعة قادرة على التكيف والتطور مع التحديات والمتغيرات المختلفة، وقد تمكنت من ابتكار وابتداع طرائق فريدة للحفاظ على وجودها وتطوير قدراتها الواقعية والافتراضية على الرغم من كثافة الملاحقة الدولية، وهذا ما يؤكد أنّنا إذا أردنا أن ننتصر على الإرهاب، فيجب علينا أوّلاً إيقاف جسور التواصل والتجنيد عبر الإنترنت، وأن ننتصر في المعركة الرقمية.

مواضيع ذات صلة:

بعد 20 عاماً من نشرها... رسالة بن لادن إلى أمريكا تهز مواقع التواصل.. ما التفاصيل؟

كيف توظف الجماعات الإرهابية شبكة الإنترنت ومنصات التواصل لغايات الدعاية والتجنيد؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية