حرب الخرطوم ... فتّش عن الإخوان

حرب الخرطوم ... فتّش عن الإخوان

حرب الخرطوم ... فتّش عن الإخوان


29/07/2023

بينما يتواصل القتال في السودان، لا سيّما في الخرطوم ودارفور، يبدو أنّ الخصمين، عبد الفتاح البرهان وحميدتي ، مصممان على متابعة نزالهما حتى آخر جندي، لكن وراء هذه الحرب يمكننا أن نرى بوضوح "اليد الطولى" لنظام المعزول عمر البشير ولشركائه الإخوان المسلمين.

ورغم أنّه راج إعلامياً أنّ الخلاف بين قائدي الجيش والدعم السريع كان بسبب الاتفاق الإطاري، لكنّ الناظر إلى المشهد برويِّة ومهنية لا يلحظ ذلك، فالبرهان نفسه وقّع على (الإطاري) في كانون الأول  (ديسمبر) 2022، بل كال فيه من المدح فيوضاً حين قال: إنّه "يصب في مصلحة كل السودانيين دون إقصاء لأحد"، وبالتالي لم يكن على خلاف مع حميدتي فيما يلي الإطاري، الذي تتلخص أهم بنوده في تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات النظامية، والنأي بالجيش عن السياسة وعن ممارسة الأنشطة الاقتصادية والتجارية الاستثمارية، ودمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام تشرين الأول (أكتوبر) 2020 في الجيش ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري تقود إلى جيش مهني وقومي واحد، وإصلاح  جهازي الشرطة والمخابرات ووضعهما تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء، وحصر مهام جهاز المخابرات على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة وتجريده من سلطة الاعتقال أو الاحتجاز، وإصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق استقلاليتها ونزاهتها؛ وإطلاق عملية شاملة تحقق العدالة الانتقالية تكشف الجرائم وتحاسب مرتكبيها وتنصف الضحايا وتبرئ الجراح، وتضمن عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الجرائم مرة أخرى، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام مع إعادة تقييمه وتقويمه واستكمال السلام مع الحركات المسلحة غير الموقعة، وإزالة تمكين نظام 30 حزيران (يونيو) 89، وتفكيك مفاصله في كافة مؤسسات الدولة، واسترداد الأموال والأصول المنهوبة، ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام 30 حزيران (يونيو) 1989، وإطلاق انتخابات عامة شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها (24) شهراً.

نكوص وردّة

بطبيعة الحال، لم يتوانَ قائد الجيش عن التوقيع على الاتفاق الإطاري، إلا أنّه عاد لينكص عنه بحجة خلافات فنية حول مدة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، رغم أنّه ظل يؤكد على أنّها جزء لا يتجزأ منه، وأنّها ولدت من رحمه،  بحسب عبارته.

لكن بدّل الرجل موقفة إلى النقيض تماماً، وشرع بمعية نائبيه شمس الدين الكباشي وياسر العطا في شن حملة شعواء ضد الدعم السريع وشيطنتها بشكلٍ غير مسبوق.

القتال متواصل في السودان، لا سيّما في الخرطوم ودارفور

ويعتقد مراقبون أنّ السبب وراء ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي سمح لها البرهان بالعودة إلى الواجهة بُعيد انقلابه في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، فيما تحفظ شريكه في الانقلاب محمد حمدان دقلو (حميدتي) على عودتها، وأبدى خشيته منها، الأمر الذي دفع الأخير إلى الاعتذار عن الانقلاب علانية، ممّا وضعه تحت نيران الجماعة وفي مواجهة قائد الجيش الذي يُعتقد على نطاق واسع أنّه نسق مع الجماعة من أجل الضغط على قائد الدعم السريع، لكنّه لم يكن يُرد إشعالها حرباً ضروساً، بيد أنّ الأمور فلتت من بين يديه، إذ ابتدرت ميليشيات الكيزان الحرب بمهاجمة معسكر للدعم السريع بوسط الخرطوم (المدينة الرياضية).

أدلة وبراهين

شواهد وحيثيات كثيرة تبرهن تورط الإخوان في إشعال الحرب وتأجيجها والمشاركة فيها، فهي المتضرر الأول إن لم يكن الأوحد من تبلور الاتفاق الإطاري إلى اتفاق سياسي شامل، لذلك أعلنت منذ البداية أنّها ستدك المبنى على الجميع إن لم يتم التراجع عنه، وأطلقت كوادرها الخطابية والعسكرية في جميع المنابر معلنة الحرب على الاتفاق ومهددة مؤيديه بالويل والثبور، مؤكدة على لسان أنس عمر أحد قادتها المتطرفين، والمعتقل حالياً لدى قوات الدعم السريع، حيث كشف في مقطع فيديو عقب اعتقاله عن خطط مبكرة بين جماعته وقيادة الجيش ممثلة في عبد الفتاح البرهان، وشمس الكباشي، وياسر العطا، وميرغني إدريس، للإجهاز على الحكومة الانتقالية والعودة إلى السلطة مجدداً.

لعبت جماعة الإخوان المسلمين دوراً رئيسياً في إشعال الحرب بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع، من أجل قطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي في البلاد

ويقول باحثون سياسيون ومراقبون: إنّ الجماعة أغرت المكوّن العسكري، وعلى رأسه عبد الفتاح البرهان، بالاستمرار في حكم البلاد وإنّها ستقف من خلفهم داعمة لهم، وأنّ العقبة الكبرى التي تواجههم هي قوات الدعم السريع التي يمكن للجيش بمعاونة كتائبهم وميليشياتهم القضاء عليها خلال ساعات.

من أطلق سراحهم؟

عقب اندلاع الحرب انطلقت كتائب الإخوان المسلحة على الأرض وكتائبها الإعلامية إلى وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات مروجة بأنّ المعركة لن تستغرق سوى أيام معدودات، وأنّ الجيش يحقق انتصارات ساحقة، وأنّ (الميليشيا المتمردة) شرعت في الهروب بأزياء مدنية بعد أن خلعت أزياءها العسكرية، ولكن مع مرور الوقت أصبحت الحقائق على الأرض مختلفة عمّا يروّج له في الإعلام.

في 23 نيسان (أبريل) أطلق مجهولون أركان النظام السابق وجماعة الإخوان المسلمين، ومن ضمنهم عدد من المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من سجن كوبر الشهير، بمدينة الخرطوم بحري، شمال العاصمة، وقالت قيادة الجيش وقتها: إنّ من فعل ذلك هي قوات الدعم السريع.

إلا أنّ مراقبين تساءلوا عن مصلحة الدعم السريع في إطلاق سراح أعدائه، من عتاة المقاتلين كأحمد هارون؛ المتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور إبّان الحرب الأهلية التي دارت رحاها هناك منذ عام 2003، والذي سرعان ما أعلن عقب تهريبه من السجن عبر رسالة صوتية عن دعم حزبه لقيادة الجيش، ثم ما لبث شهرين حتى عاد يجوب أنحاء السودان بحرية تامة تحت حماية الجيش لاستنفار المواطنين من أجل قتال الدعم السريع، الأمر الذي كشف بجلاء عن الجهة التي أطلقت سراح قادة النظام السابق، وعن مدى التنسيق بين الإخوان وقيادة الجيش، ودور الجماعة في إشعال الحرب والعمل على استمرارها وإعاقة جهود السلام والتفاوض من أجل إنهائها.

تلاعب بالقيادة

 مرة أخرى، وبعد أيام قليلة من إطلاق سراح قادة النظام السابق ومتطرفين إسلاميين وجهاديين، اقتحمت مجموعة مسلحة سجن أم درمان وأطلقت سراح (35) عنصراً من الضباط الإخوان بجهاز الأمن والمخابرات المحلول، بعضهم محكوم عليه بالإعدام. وقد أعيد تنشيطهم بمجرد بدء القتال، ضمن قوات هيئة العمليات، وهي ميليشيا إخوانية مقاتلة كانت تتبع للأمن والمخابرات وقد تم حلها، لكنّ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أعاد تشكيلها مرة أخرى لتقاتل بجانبه.

شيئاً فشيئاً، أصبح دور النظام المعزول وجماعة الإخوان يتبلور ويظهر جليّاً للعيان، إذ بدأت قيادتها تعمل دون مواربة في استنفار الشعب وتخويفه وتخوينه إن لم يشارك في الحرب، وانتشرت الكوادر الإعلامية والصحفيون التابعون للإخوان والمتعاطفون معهم، وهم معروفون لدى قطاع واسع من السودانيين، في كُبريات القنوات الفضائية العربية يروجون لمعلومات وأخبار خاطئة عن الحرب وعن سير المعارك، الأمر الذي أفقد قيادة الجيش مصداقيتها.

تمكنت جماعة الإخوان من إعادة ميليشياتها وكتائبها وعناصرها المتهمة بارتكاب جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية في إقليم دارفور إلى الواجهة مرة أخرى

ويُعتقد على نطاق واسع أنّ جماعة الإخوان ممثلة في حزب المؤتمر الوطني تتلاعب بقيادة الجيش، إذ تمكنت عبرها من إعادة تنشيط جميع القوات الموازية (الميليشيات الإخوانية) المرتبطة بالنظام العسكري الإسلامي السابق، بما فيها  قوات الدفاع الشعبي سيئة السمعة، وهي ميليشيا إخوانية تم إنشاؤها عام 1989، وحُلت عقب الإطاحة بالنظام مباشرة، لكنّ الكثير من عناصرها الفعالة أبقاها قائد الجيش ضمن ما يُعرف بقوات الاحتياط التي سيطرت قوات الدعم السريع على مقرها مؤخراً، بجانب كتائب الظل التي تقاتل الآن بجانب قيادة الجيش التي يسيطر عليها ضباط إسلاميون، وقد تمكنت الجماعة خلال (3) عقود من الحكم من إحلال عناصرها والسيطرة على قيادة الجيش وتحويله إلى (لواء إسلامي) يعمل لصالح حزب المؤتمر الوطني.  

قطع الطريق

بصفتها منظمة إسلامية عابرة للحدود، ومتجذرة بعمق في السياسة السودانية، لعبت جماعة الإخوان المسلمين دوراً رئيسياً في إشعال الحرب بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع، من أجل قطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي في البلاد، وتمكنت من إعادة ميليشياتها وكتائبها وعناصرها المتهمة بارتكاب جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية في إقليم دارفور إلى الواجهة مرة أخرى، وتبنت قوات الدعم السريع موقفاً مناهضاً للإسلاميين ودعمت التحول المدني الديمقراطي، وإن كان كثيرون يعتقدون أنّه موقف تكتيكي وغير أصيل، إذ إنّها صنيعة الإخوان المسلمين أيضاً.

ويمثّل نفوذ الإخوان المسلمين بالجيش السوداني تحدياً لتطلعات السودانيين نحو الديمقراطية على المدى الطويل، كما أنّه يعيق إنشاء المؤسسات الديمقراطية وانتقال البلاد إلى الاستقرار، الأمر الذي يهدد وجود السودان كدولة موحدة على المدى الطويل، إن لم يتم التصدي لخطاب الجماعة ومعالجة نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري.

 

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية