حركة طالبان بين واشنطن وموسكو.. كيف نقرأ المفاوضات؟

حركة طالبان بين واشنطن وموسكو.. كيف نقرأ المفاوضات؟


09/02/2019

يتسارع المشهد السياسي وترجماته العسكرية على الأرض في أفغانستان، عبر توسيع طالبان لضرباتها العسكرية، بفرد عضلاتها بتنفيذ العديد من العمليات النوعية التي تستهدف القوات الأجنبية "الأمريكية"، وأجهزة الأمن والجيش الأفغاني التابع للحكومة، لإرسال رسالة بقوتها على الأرض الأفغانية.

تبرز أربعة أطراف فاعلة في الملف الأفغاني، رغم تفاوت حجم فاعليتها وتأثيرها، تحاول جميعها تحقيق مكتسبات في  أفغاستان الجديدة

تطورات المشهد السياسي والعسكري في أفغانستان، ترتبط مباشرة بالتوجهات الأمريكية لسحب جيوشها من أفغانستان، وترتيبات ما بعد هذا الانسحاب، والإجابة على تساؤلات مرتبطة بشكل ومضمون أفغانستان الجديدة، التي تعرضت لاحتلالين: الأول؛ من قبل الاتحاد السوفيتي، والثاني؛ من قبل الولايات المتحدة، وكلاهما هدفا لإخضاع أفغانستان وإعادة تشكيله، ويبدو أنّ المفاوضات التي تجريها اليوم حركة طالبان في موسكو، ومع الولايات المتحدة عبر عواصم عربية "الدوحة" تؤكد أنّ موسكو وواشنطن أصبحتا على قناعة بأنه من غير الممكن تحقيق أهدافهما في أفغانستان إلا بالتفاهم مع الطرف الأقوى على الأرض وهو حركة طالبان.

اقرأ أيضاً: طالبان تكشف مخططاتها

واضح أنّ هناك أربعة أطراف فاعلة في الملف الأفغاني، رغم تفاوت حجم فاعليتها وتأثيرها، تمارس جميعها معارك عض الأصابع لتحقيق مكتسبات تحقق أهدافها من أفغانستان الجديدة، وتمتلك جميعها من الأدوات ما يمكنها لإفشال أي اتفاقات لا تلبي الحد الأدنى من طموحاتها وأهدافها، فكيف يمكن قراءة هذه المفاوضات التي تجري في موسكو ومع أمريكا عبر عواصم عربية، ومن هي تلك الأطراف وماذا تريد؟

أولاً: حركة طالبان: تدرك أنّها القوة الفاعلة على الأرض، وأنّها الوحيدة القادرة على ضرب أي مشروع، لا يعترف بقوتها، مستندة لتاريخ نضالي في مقاومة السوفييت وهزيمتهم في جبال وكهوف أفغانستان، وتكرار تجربتهم مع الأمريكان بعد عام 2001، ورغم أنّ الشعار الذي تطرحه طالبان اليوم هو خروج كافة القوات الأجنبية من أفغانستان، والاتفاق على مساهمة الجميع باستثمارات إعادة الأعمار، إلا أنه من غير الواضح مدى التوافق بين أجنحة طالبان حول تلك الأهداف، خاصة وأنّ هناك خلافات عميقة بين تلك الأجنحة، بالإضافة لمستقبل علاقة طالبان مع القاعدة وداعش،وفصائل أفغانية إسلامية معارضة.

اقرأ أيضاً: هل تعود طالبان لحكم أفغانستان من جديد؟

ثانياً: الولايات المتحدة، إنّ مجرد التفاوض مع حركة طالبان، والذي بدأ منذ أعوام، يؤكد حقيقة الاعتراف بفشل المشروع الأمريكي في أفغانستان، رغم نجاحاته في ضرب القاعدة بما في ذلك تصفية زعيمها، أسامة بن لادن، وهو ما أكده الجنرال جوزيف فوتيل، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، أمام الكونغرس الأمريكي أنه "في النهاية نريد أن نصل إلى حوار بين طالبان وأفغانستان. فهم وحدهم القادرون على حل مسائل أساسية في الخلاف". ويرجح أنّ الحسابات الأمريكية الإستراتيجية لأفغانستان تركز على ائتلاف أفغاني جديد يضم طالبان، يضمن ألا تبقى أفغانستان حاضنة للتنظيمات الإرهابية "القاعدة وداعش" وألا تكون موالية لموسكو أو إيران، إضافة لأهداف أخرى بأن يكون هناك نظام أفغاني موال لأمريكا بمواجهة المارد الصيني وتحديداً خطوط إمدادات الطاقة.

تسعى روسيا لبناء علاقات إيجابية مع النظام الأفغاني الجديد وطالبان هي القوة الفاعلة فيه، كما ترغب بتحقيق أهداف اقتصادية

ثالثاً: روسيا التي تدرك الأهمية الجيوسياسية لأفغانستان، كونها ترتبط بحدود مع الجمهوريات التابعة لها شمال أفغانستان، ويرجح أن فتح خطوط اتصال بين روسيا وطالبان منذ عدة أعوام تم من خلال القيادة الإيرانية، التي تمكنت من إقامة علاقات وثيقة مع طالبان، رغم الخلاف المذهبي بين ايران وطالبان؛ حيث أصبح مؤكداً، وفقاً لمعلومات استخبارات غربية، تقديم إيران خدمات دعم مالي وعسكري لطالبان، ويرجح أنّ لروسيا هدفين من التواصل مع طالبان، الأول؛ بناء علاقات إيجابية مع النظام الأفغاني الجديد الذي يفترض أنّ طالبان هي القوة الفاعلة فيه، لمواجهة التنظيمات الإرهابية في الجمهوريات الإسلامية السابقة التابعة للاتحاد السوفيتي "أذربيجان، أوزباكستان، تركمانستان، قيرغستان...الخ"، وهي جمهوريات تشكل حاضنة للتنظيمات الإرهابية، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الروسي، والثاني: أهداف اقتصادية تتمثل بالاستفادة من عقود إعادة الإعمارمع كابول الجديدة، وضمان إطلالة على دور أفغانستان في طرق إمدادات الطاقة، خاصة وأن روسيا من أبرز منتجي النفط والغاز في المنطقة.

اقرأ أيضاً: من نفّذ هجوم كابول.. طالبان أم داعش؟

رابعاً: الحكومة الأفغانية الحالية، والتي يبدو أنّها الطرف الأضعف في المشهد السياسي الحالي، ورغم أنّ ميولها التحالفية معلنة بالارتباط بالمشروع الأمريكي، إلا أنها انتقدت وبشدة تجاهلها من قبل روسيا؛ حيث أعلن الرئيس أشرف غني أنّ "المجتمعين في موسكو ليس لهم سلطة تنفيذية وبإمكانهم أن يقولوا ما يشاءون"، ومع ذلك فإنّ المفاوضات الأمريكية والروسية مع طالبان وأطراف أفغانية أخرى، بمعزل عن الحكومة الأفغانية، يؤكد حقيقة التوافق الأمريكي الروسي على فشل الحكومة الأفغانية، وعدم قدرتها على إدارة أمور البلاد، رغم الدعم الدولي لها منذ عام 2001.

اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تعرقل طالبان محادثات السلام بأفغانستان

من غير الواضح مستقبل المفاوضات بين طالبان مع موسكو ومع واشنطن، إلا أنّ المؤكد أنّ حركة طالبان تنتزع اعترافاً أمريكياً وروسياً بها، بوصفها القوة الفاعلة الأولى في أفغانستان، وأنّ أية ترتيبات جديدة لن يكتب لها النجاح بدونها، غير أنّ الأهم هو موقف طالبان من القاعدة وداعش والإرهاب، وهو ما يشكل القاسم المشترك بين أمريكا وروسيا، في تطلعاتهما لأفغانستان الجديدة، ومع ذلك فإنّ شهوة السلطة في أوساط الشعوب الأفغانية، بما فيهم حركة طالبان، والخلافات حول ذلك وإمكانية تصاعدها، ما بعد الانسحاب الأمريكي، تشكل الخطر الأكبر على مستقبل أفغانستان، واحتمالات بقاء أفغانستان "دولة فاشلة" تحتضن الإرهاب العالمي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية