"حق تقرير المصير للشعب القبائلي" تفجر الأزمة بين الجزائر والمغرب

"حق تقرير المصير للشعب القبائلي" تفجر الأزمة بين الجزائر والمغرب


26/08/2021

اختلف المعلقون السياسيون حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بالجزائر إلى قطع علاقاتها مع المغرب، رغم التوترات الكبيرة بين البلدين والتي تمتد لعقود شهدت مداً وجزراً ومناوشات وتهديدات متبادلة لم تنقطع حتى في أيام الهدوء والسلم.

لكنّ السبب الأكثر ترجيحاً وراء الموقف الحاد الذي توّج مرحلة التوتر وشرحه وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، في مؤتمر صحفي، يتصل بـ"حق تقرير المصير للشعب القبائلي"، وهذه نقطة خلاف على مستوى كبير من الحساسية، تضاهي ملف الصحراء المغربية، حيث تدعم الجزائر "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد في الصحراء، في حين تقترح الرباط منح الصحراويين حكما ذاتياً تحت سيادتها. وتعترف الجزائر بمساندة جبهة "بوليساريو" سياسياً ودبلوماسياً ومادياً منذ سبعينات القرن الماضي، وتعتبرها "ممثلاً شرعياً للشعب الصحراوي"، وهذا في نظر المغرب أمر لا يمكن التفاوض بشأنه أو السكوت عنه، إذ يرقى إلى المحرمات السياسية.

حق تقرير المصير للشعب القبائلي

وسبق للجزائر أن أدانت توزيع المغرب وثيقة على الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز "تتحدث عن حق تقرير المصير للشعب القبائلي"، متهمة الرباط بـ "دعم الجماعات الإرهابية التي تسببت في إراقة دماء الجزائريين خلال العشرية السوداء".

شهدت العلاقات بين المغرب والجزائر مداً وجزراً ومناوشات وتهديدات متبادلة لم تنقطع

وزارة الخارجية الجزائرية أدانت أيضاً ما وصفته بـ " الانحراف المغربي الخطير"، قائلة إنّ التصرف الأخير للممثلية الدبلوماسية المغربية في نيويورك يعد "مؤامرة تحاك ضد وحدة الأمة الجزائرية". وقالت وزارة الخارجية في بيان لها في السادس عشر من الشهر الجاري: "قامت الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك بتوزيع وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها بصفة رسمية انخراط المملكة المغربية في حملة معادية للجزائر، عبر دعم ظاهر وصريح لما تزعم بأنه حق تقرير المصير للشعب القبائلي الذي، حسب المذكرة المذكورة، يتعرض لأطول احتلال أجنبي (...)".

السبب الأكثر ترجيحاً وراء الموقف الجزائري الحاد الذي توّج مرحلة التوتر وشرحه وزير الخارجية رمطان العمامرة، في مؤتمر صحفي، يتصل بـ"حق تقرير المصير للشعب القبائلي"

وفي أول تعليق رسمي على قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع بلاده، قال رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، إنه يأسف كثيراً لهذا التطور الأخير، مضيفاً، في تصريحات لموقع "أصوات مغاربية"، "نتمنى أن نتجاوزه في القريب إن شاء الله".

وبعد إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، اعتبر محمد تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس، أنّ الموقف الجزائري كان متوقعاً، لأنّ المؤسسة العسكرية سارت باتجاه لا يصدقها عقل مع اتهام المغرب بوقوفه خلف حرائق الجزائر. وتوقع الحسيني في تصريحات لفرانس 24 ألا يدخل الرد المغربي الرسمي بالنقاشات "الفارغة" التي لا تؤدي إلى نتيجة، وسيكون دبلوماسياً.

وبعيداً عن افتعال الحرائق واتهامات التجسس المغربي على الجزائر بالتعاون مع إسرائيل، عبر برنامج "بيغاسوس"، يبقى ملف "حق تقرير المصير للشعب القبائلي"، هو أكثر ما سرّع في القرار الجزائري، فلماذا يكتسب هذا الملف هذه الأهمية؟

منطقة القبائل المتمردة

تعرف منطقة القبائل الأمازيغية، التي انطلق منها الحراك في الجزائر، بطبيعتها المتمردة منذ عشرات السنين، بدءاً من تمرد عام 1963، مروراً بـ"الربيع الأمازيغي" عام 1980 والربيع الأسود عام 2001، وحتى حراك 2019.

تُعرف منطقة القبائل الأمازيغية في الجزائر بطبيعتها المتمردة

وكانت منطقة القبائل التي تضم قرى ومدناً جبلية تقع شرق الجزائر العاصمة، في طليعة النضال من أجل  الهوية واللغة الأمازيغية منذ ستينات القرن الماضي. وتم إنكار هذه الهوية لفترة طويلة لا بل قمعها من قبل الدولة الجزائرية التي قامت على الهوية العربية.

في العام 1963، بعد عام على الاستقلال، أسس النائب الأمازيغي وأحد قادة حرب الاستقلال حسين آيت أحمد، المتمرد على سلطة أحمد بن بلة وهواري بومدين، جبهة القوى الاشتراكية، التي دافعت عن الهوية الأمازيغية والديمقراطية. وشنّ تمرداً مسلحاً في منطقة القبائل، فقمعته السلطة بشدة واتهمت مقاتلي جبهة القوى الاشتراكية بـ "الانفصالية"، كما يذكر تقرير بثته وكالة الصحافة الفرنسية.

في 1980، كان شكل منع محاضرة للشاعر الأمازيغي مولود معمري بداية "الربيع الأمازيغي"، وهو سلسلة من التظاهرات في منطقة القبائل والجزائر العاصمة للاعتراف بالأمازيغية "لغة وطنية". واقتحمت قوات الأمن حرم جامعة تيزي وزو أهم مدن منطقة القبائل الكبرى، وأصيب العشرات من الطلاب.

الحركة الثقافية البربرية

اعتباراً من العام 1988 ومع الاعتراف بالتعددية السياسية، أظهرت السلطة بعض التسامح مع "الحركة الثقافية البربرية (الأمازيغية)" التي قادت الحركات الاحتجاجية، وفي العام التالي، أسس سعيد سعدي مع مناضلين من هذه الحركة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو حزب علماني معارض.

وفي ربيع العام 1995، في خضم الحرب الأهلية، دعت الحركة البربرية إلى مقاطعة الدراسة. فاندلعت تظاهرات حاشدة وإضرابات عامة في منطقة القبائل "من أجل الثقافة الأمازيغية وضد الإرهاب".

ومنذ أعمال الشغب الدامية التي اندلعت في "الربيع الأسود" في نيسان (أبريل) 2001 في منطقة القبائل في شمال شرق الجزائر، شهد الأمازيغ تلبية بعض مطالبهم المتعلقة بالهوية، لكنهم يشاركون بقوة في الحراك الشعبي حتى لا تتكرر المأساة.

في أول تعليق رسمي على قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع بلاده، قال رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، إنه يأسف كثيراً لهذا التطور الأخير

وتعد منطقة القبائل موطناً لأكبر عدد من الأمازيغ في الجزائر التي تضم نحو 10 ملايين ناطق باللغة الأمازيغية، ما يعادل ربع السكان وهم القبائل، والمزابيون في وادي ميزاب (في الوسط)، والشاوية في الأوراس (الشرق) أو الطوارق (جنوب).

والبربر، الذين يسمون أنفسهم "الأمازيغ"، والأمازيغي يعني في لغتهم "الرجل الحر"، هم من سكان شمال أفريقيا الأصليون. وتقلصت أراضيهم التي كانت تضم جزر الكناري وواحة سيوة المصرية، وسواحل البحر الأبيض المتوسط وأقاصي أفريقيا جنوب الصحراء، بشكل كبير منذ القرن السابع بعد الفتوحات الإسلامية وحملات التعريب.

اتهامات الجزائر للمغرب

وتتلخص اتهامات الجزائر للمغرب، كما عبّر عنها وزير الخارجية الجزائري بـ"شن حملة إعلامية دنيئة" ضد بلاده، و"التعاون مع منظمات إرهابية"، و"التجسس على مواطنين ومسؤولين جزائريين"، و"التخلي عن التعهدات بشأن الصحراء الغربية".

وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة خلال مؤتمر صحافي في الجزائر العاصمة

وجاء القرار الجزائري بقطع العلاقة مع المغرب، بعد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

واتهم المجلس المغرب وإسرائيل بتقديم الدعم لحركة "ماك"، المطالبة باستقلال منطقة القبائل في البلاد.

وقبل نحو أسبوع، اتهم مكتب الرئاسة بشكل أساسي جماعتي "رشاد" الإسلامية و"ماك" الانفصالية في منطقة القبائل، وحمّلهما مسؤولية الحرائق التي اجتاحت الجزائر، لكنّ "حركة استقلال منطقة القبائل" المعارضة للحكومة، نفت ضلوعها في هذه الكارثة، ودعت العالم إلى إجراء تحقيق دولي في سبب اندلاع الحرائق التي اجتاحت الجزائر، وفي حقيقة الأشخاص الذين عذبوا وقتلوا وأحرقوا الشاب جمال بن اسماعيل الذي اتّهم خطأ بإشعال الحرائق في منطقة القبائل.

وفي الوقت نفسه، ألقت السلطات الجزائرية باللوم على جارتها المغرب لدعمها المزعوم لـ "حركة استقلال منطقة القبائل" التي تُعرف اختصاراً باسم "ماك".

"ماك" و"رشاد"

فلماذا تصنّف الجزائر "ماك" و"رشاد" كجماعتين إرهابيتين؟

تأسست حركة "ماك"، عام 2001، وتتخذ من باريس مقراً لها. وهي حركة غير مرخصة في الجزائر وصنفتها الحكومة في مايو (أيار) الماضي، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.

وتقول "بي بي سي" إنّ الحركة تأسست على يد فرحات مهنا، للمطالبة بالحكم الذاتي في منطقة القبائل التي غالبية سكانها من الأمازيغ، بعد أحداث "الربيع الأسود" في عام 2001.

وقد شكل عام 2010، نقطة تحول في مسار الحركة، عندما أعلنت الحركة تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل بقيادة مهنا. وكانت هذه الخطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر الحديث.

في عام 2013، طالب مهنا، الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، بالتدخل لحل الأزمة التي حصلت في مدينة غرداية، جنوبي الجزائر بين الشعانبة (عرب) وبني ميزاب (الأمازيغ).

وقال أكسل أمزيان، الناطق باسم "حكومة القبائل المؤقتة" التي أنشأتها الحركة: "إننا حركة سلمية، ولا أحد يعتبرنا منظمة إرهابية سوى حكومة الجزائر لأننا ننتقد تصرفات النظام".

وماذا عن حركة "رشاد"؟

تأسّست حركة "رشاد" في نيسان (أبريل) 2007، من قبل مجموعة من الجزائريين المستقلين أو ممن كانوا منتمين لأحزاب أخرى من بينهم: مراد دهينة ومحمد العربي زيتوت ومحمد السمراوي وعباس عروة ورشيد مصلي.

وتقول الحركة في موقعها إنها "تسعى إلى المساهمة في تغيير جذري في الجزائر، لإحداث قطيعة مع الممارسات السياسية السائدة منذ الاستقلال وتحرير الشعب الجزائري من كل وصاية. وأنها حركة ديمقراطية تحظر جميع أشكال التطرّف والإقصاء والتمييز وتتبنّى منهج اللاعنف لإحداث التغيير، ويحدّد ميثاق الحركة قيمها ومبادئها ".

وأحد أبرز مؤسسي الحركة (المنسق العام للحركة) هو العضو السابق في "جبهة الإنقاذ الإسلامية" مراد دهينة الذي حُكم عليه غيابياً بالسجن لمدة 20 عاماً بتهم تتعلق بالإرهاب.

وتحدثت صحف محلية تركية، في وقت سابق، عن مذكرة فرنسية سرية تفيد بأنّ المخابرات التركية استقبلت سراً كوادر حركة رشاد في كل من مدينتي أنطاليا واسطنبول، ووعدتهم بدعمهم لوجيستياً وتقديم مساعدات مالية لتعزيز نشاطهم الدعائي لاستقطاب الشارع الجزائري، وأنّ الأتراك حريصون على تأمين اتصالات كوادر الحركة الجزائرية مع المعارضين الإسلاميين الآخرين من الدول العربية الأخرى الذين يديرون وسائل إعلام تبث من تركيا.

بيْد أنّ السفارة التركية في الجزائر نفت ذلك في بيان رسمي مبينة أنّ "هذه الادعاءات تسعى إلى تقويض العلاقات بين البلدين الصديقين".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية