حماس وإسرائيل ولُعبتهما الفاسدة: فلسطين تحتاج إلى انتخابات ديمقراطية

حماس وإسرائيل ولُعبتهما الفاسدة: فلسطين تحتاج إلى انتخابات ديمقراطية


كاتب ومترجم جزائري
26/06/2021

ترجمة: مدني قصري

بعد انهيار اتفاقيات أوسلو، دَفنتْ "صفقةُ القرن" بشكل دائم فكرةَ الدولة الفلسطينية، موجة العنف الأخيرة التي استفادت منها حماس وإسرائيل على السواء كانت هي النتيجة لكلّ ذلك؛ لذلك إجراءُ انتخابات عامة يجب أن يسمح للحراك الذي وُلِد في القدس الشرقية بإيجاد تمديدٍ حقيقي في فلسطين.

يسجّل العنفُ الرهيب الذي اجتاح فلسطين وإسرائيل، خلال الشهر الماضي، الانهيارَ النهائي لِما يقرب من ثلاثة عقود من عملية السلام التي لم تنجح أبداً، بدأ كلّ شيء باتفاقية أوسلو، التي لم تضع إطاراً لتعايشٍ حقيقي طويل الأمد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولم تخلق الثقة اللازمة لتنفيذ حلّ الدولتين، علاوة على ذلك، فإنّه من خلال منح بعض صلاحيات الحكم للسلطة الفلسطينية، فإنّ هذه الاتفاقيات، التي ساندها المجتمع الدولي، قد حوّلت السلطة إلى دَرَكِي فلسطين، يعمل في سياق احتلالٍ لا يرحم.

ثم انتهت الإخفاقاتُ المتكرّرة في استئناف المفاوضات حول حلّ الدولتين إلى "صفقة القرن"، أكّد مشروع الهيمنة هذا من قبل إدارة ترامب أنّ الولايات المتحدة قد تخلّت عن كلّ قامةٍ أخلاقية، وعن احترام القانون الدولي.

منحت إسرائيلَ صلاحيات كاملة لإضفاء الطابع الرسميّ على الضمّ غير القانوني للأراضي الفلسطينية، ومواصلة استيطانها، وقد دعّمته الدولُ العربية المشاركة في الاتفاقات الإبراهيمية لأسباب إستراتيجية، لأنّ إسرائيل تمثل بالنسبة لهذه الدول حليفاً مناسباً ضدّ إيران، على خلفية الانسحاب الجيوسياسي الأمريكي من المنطقة.

اقرأ أيضاً: "التطبيع الحلال"... ماذا كشفت زيارة حماس للمغرب؟

لقد دمّرت "صفقة القرن" صَرْح السلام المتعثّر الذي أقامته أوسلو، لقد باعت حقوقَ الفلسطينيين بثمن بخس، وقضت نهائياً على فكرة الدولة الفلسطينية، موجة العنف الأخيرة هي النتيجة الحتمية، وهو ما زاد من حدّة فشل التطبيع، وهي تُذَكِّر بالصراعات السابقة في عامي 2008 و2014 في غزة، بين حماس وإسرائيل.

هناك تطور جديد

ومع ذلك، عند فحص الأمور بدقة، فإنّ هذه الأزمة لا تكتفي ولا تقتنع بتكرار القصة الحديثة، هناك تطوّرٌ جديد آخذ في الظهور: تلاقي مصالح حماس وإسرائيل لتقويض التعبئة الشعبية في مهدها، تخشى كلّ من حماس وحكومة نتنياهو مما تمثله أحداث الشيخ جراح، نشأة حركة مدنية لحقوق الفلسطينيين، فعلى غرار العديد من الحركات الاجتماعية الأخرى، اختار الفلسطينيون في الشيخ جراح العصيانَ السلمي على الكفاح المسلح، علاوة على ذلك، وُلِدت الحركةُ بشكل مستقل عن حماس في غزة، وعن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مما أعطى إطاراً جديداً للمرجعية السياسية للعديد من الفلسطينيين.

على المجتمع الدولي تشجيعُ إجراء انتخابات ديمقراطية في فلسطين، لإعطاء صوت للأغلبية الصامتة، من أجل كسر الجمود السياسي، وطرح طريقة بديلة لضمان حقوق الشعب الفلسطيني

يمثّل هذا الوضعُ مفارقةً تاريخية، فحتى وقت قريب، كانت المنطقة تتوقّع أن تَنْفُثَ المسألةُ الفلسطينية دماً جديداً في الربيعَ العربي، ومع ذلك، كانت روح المقاومة المدنية السلمية للربيع العربي هي التي غيّرت المعادلة الفلسطينية، وترتكز مقاومة الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية ضدّ عمليات الإخلاء القسريّ الإسرائيلية على شبكات التضامن الأفقي التي تُوحّد لغات مقاومةٍ جديدة، لقد تمّ تعزيز الحركة من خلال النشاط عبر الوطنيّ، والدّعم الدولي، بمظاهرات التضامن في معظم أنحاء العالم العربي والغربي.

اقرأ أيضاً: "إخوان" إسرائيل و"إخوان" حماس

كان اللاعنف الذي تمارسه هذه الحركة هو الذي دفع إسرائيل إلى ردّ فعلٍ عنيف، أدّى بدوره إلى ظهور حماس التي كانت، حتى أحداث الشيخ جراح، القوّة السياسيّة الفلسطينيّة الوحيدة المصمّمة على مقاومة التعنّت الإسرائيليّ، الوضع في الضفة الغربية هو الأكثر دلالة، لقد قتِل 25 فلسطينياً، وهو أكبر عددٍ من القتلى في أزمة واحدة منذ انتفاضة الأقصى قبل عشرين عاماً، ومع ذلك، فإنّ الاحتجاجات في جميع أنحاء فلسطين وإسرائيل متواصلة، لم نشهد تعبئةً شعبية بهذا الحجم منذ الإضراب العام، عام 1936، وفي المقابل لم نشهد مثل هذا العدد من الاعتقالات من قبل القوات الإسرائيلية منذ الأقصى الانتفاضة: قوات الأمن اعتقلت آلاف المتظاهرين الفلسطينيين، منذ نيسان (أبريل).

الخوف من هذه التعبئة الشعبية تحديداً هو الذي يخلق لِحماس والحكومة الإسرائيلية تلاقياً في المصالح، في حين أنّ كلّ طرف يرغب في القضاء على الطرف الآخر، حتى لو وجدا نفسَيْهِما الآن مصطفَّين على مواقف مشتركة، وليس بِحكم تفاهم متبادل، إسرائيل معتادة على الصراع العنيف، لكنّها مرتبكة وتائهة تماماً أمام المفردات الأخلاقية للحقوق المدنية. بالمثل، تستند رؤية حماس الأيديولوجية إلى الكفاح المسلح، وليس على حركة ديمقراطية شعبية متجذرة في مهد فلسطين التاريخية، القدس.

جعلت اتفاقاتُ أوسلو منظمةَ التحرير الفلسطينية هيئةً حكومية، مع إلغاء وضعها السابق كـ "فاعل إرهابي"، المفارقة في تاريخ عملية السلام هي أنّ حماس أيضاً قد تفقد صفتها كـ "منظمة إرهابية"؛ لأنّه، في سياق الوضع الحالي، يجب على إسرائيل أن تجد محاوراً.

حماس نسخة فلسطينية من حزب الله

استفادت كلٌّ من حماس وإسرائيل من العنف؛ صادقت الحكومة الإسرائيلية على إستراتيجيتها لعسكرة القضية الفلسطينية، من خلال التأكيد على حقّها في الدفاع عن النفس، وحتى أولئك الذين قدّموا أنفسهم على أنهم بدائل سياسية لنتنياهو، مثل بيني غانتس، أيّدوا قصفَ غزة، وفي غضون ذلك، تُخاطر حماس بالتحوّل إلى نسخة فلسطينية من حزب الله، وقد سمح لها الصراع بالانتقال من حالة منظمةٍ مقاومة وطنية إلى حالة قوّةٍ عسكرية، تسمح قدراتُها المسلحة بأن تندرج في زمانيةٍ ألفيّةٍ (الحكم الألفي) (1)، وفوق وطنية، دون القلق بشأن مصالح شعبها.

اقرأ أيضاً: الخلاف بين فتح وحماس أكبر من أن يجمعهما على طاولة الاتفاق

لا يبحث أيٌّ من الفاعلَين حقاً عن حلّ سلمي؛ إنهما يعزّزان بعضهَما بطريقة فاسدة منحرفة، في إطار طقوسٍ مسرحية للأداء المستمر، ضمن خطوط حمراء محدّدة جيّداً ومعروفة لكل منهما.

مَن المستفيد من الجريمة؟

عزّزت عدة جهات إقليمية فاعلة مكانتَها مع الصراع، سرعان ما ظهر المحورُ القَطري التركي، كمدافع عن فلسطين، وفي العالم الإسلاميّ أشيد بِرجب طيب أردوغان، على وجه الخصوص، لخطابه العدائي ضدّ إسرائيل، ودعوته الدينية لحماية الفلسطينيين المقيمين في القدس من مزيد من الهجمات، وتولى أميرُ قطر دورَ حامي الشعب الفلسطيني.

كما برزت مصر والأردن، بفضل الأزمة، من خلال جهودهما في التفاوض على وقف إطلاق النار.

كان على الأردن أن يتصرّف بالنظر إلى الوضع المعقّد الذي تجد المملكة الهاشمية نفسَها فيه، فالنظام الملكي يحتفظ بوضعه كوصيٍّ على الأماكن المقدسة في القدس، لكنّه يخشى أيضاً مِن دفعِ ثمنٍ باهظ، في حال أصبح في نهاية المطاف كدولة بديلة للفلسطينيين. من جهتها، تأرجحت مصر  في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بين التشدد المؤيد للفلسطينيين، والوساطة غير المنحازة لعهد مبارك.

لا يبحث أيٌّ من الفاعلَين حقاً عن حلّ سلمي؛ إنهما يعزّزان بعضهَما بطريقة فاسدة منحرفة، في إطار طقوسٍ مسرحية للأداء المستمر، ضمن خطوط حمراء محدّدة جيّداً

كان أداء اللاعبين الدوليين الآخرين أسوأ بكثير بعد الأزمة، ازدادت الولايات المتحدة تهميشاً بصفتها حَكماً في السلام، وعرّضت للخطر أيَّ احتمال مستقبلي لاستعادة هذا الدور، لقد أوضحت تدخلات إدارة بايدن المتكررة لإنهاء محادثات مجلس الأمن الدولي التي دعت إلى وقف إطلاق النار أنّ نفوذها الدبلوماسي له حدود جادة، وأنّها على الخصوص لا تريد التشكيك في الاستثناء الإسرائيلي.

نداء الاتحاد الأوروبي الخجول

لم يكن أداء الاتحاد الأوروبي أفضل من ذلك، لم يتمكّن من تنسيق العمل الجماعي بين الدول الأعضاء فيه إلا بعد أسبوع من العنف، ولم يستطع فِعلَ أكثر من توجيه نداءٍ خجول من أجل السلام، وهكذا يواصل الاتحاد الأوروبي الوقوفَ في ظلّ الولايات المتحدة.

موقف السعودية وإيران الضعيف

ظلت المملكة العربية السعودية وإيران على هامش الأزمة، وهو ما يعكس بوضوح نقاطَ ضعفِ كلّ منهما، ستصبح المملكة العربية السعودية الآن أكثر حذراً، وستسعى إلى إيجاد توازن جديد بين مصالحها الوطنية والإقليمية، كان التدفق الشعبي الذي أعاد إحياء المشاعر المؤيدة للفلسطينيين كافياً لإخماد جاذبيتها الكتومة للتطبيع مع إسرائيل، مؤقتاً على الأقل.

اقرأ أيضاً: هل تصلح القاهرة ما أفسدته الصراعات بين "فتح" و"حماس"؟

تواجه إيران معضلة أخرى: لقد أصبحت أكثر كفاءة في المنطقة، والنظام الإيراني نقل تقنيته الصاروخية إلى حماس، التي هيأت أسلحتها وأنتجت بنفسها الصواريخ التي تستخدمها اليوم، لكنّها لم تنضم إلى المحور الشيعي الزائف، واختارت  البقاء في الأسرة السنيّة، لأنها تاريخياً فرعٌ من جماعة الإخوان المسلمين المصرية؛ لذلك لم تكن إيران قادرة على استغلال الصراع الأخير لأغراض جيوسياسية. علاوة على ذلك، لم يكن هناك ردّ فعلٍ عسكري من حزب الله على قصف غزة، وهو ما كان يمكن أن يكون مؤشراً على تصعيدٍ إيراني، وبدلاً من ذلك، تظلّ طهران أكثر تركيزاً على تعزيز قواتها في العراق، والسعي إلى تسوية نووية جديدة مع الغرب.

انتخابات تشريعية كحلّ وحيد

هذا المشهد الإقليمي المتغير، وكذلك التقارب بين حماس وإسرائيل، يُغرقان معظمَ الفلسطينيين في وضع ميئوس منه، ومع ذلك، فإنّ أفضل طريقة للخروج من الأزمة هي إجراء انتخابات، وهي الانتخابات التي تؤجّلها حماس وفتح إلى أجل غير مسمّى؛ إذ إنّهما لا تريدان تنظيمَ مثل هذه المشاورات، خوفاً من فقدان صلاحياتها على الأرض؛ فحماس تخشى خسارة غزة لصالح فتح، وفتح تخشى خسارة الضفة الغربية لصالح حماس.

ومع ذلك، فإنّ الانتخابات ستمنح الشعب الفلسطيني ميزةً أساسية تسمح له بالتواصل مع النضالات الكبرى في العالم من أجل حقوق الإنسان، من نيلسون مانديلا إلى "Black Lives Matter" (حركة حياة السود مهمّة)، وستمنحه حكومةً شرعية يمكن أن تمثله في العالم، وتعيد تنشيط إمكانية حلّ الدولتين، أو أيّ وضع آخر ذي مصداقية، ستسمح هذه الانتخابات لأصوات فلسطينية جديدة، مثل النشطاء الشباب والحركات الاجتماعية التي احتشدت حول الشيخ جراح، أن تحلّ محل النخب المسنّة التي حكمته منذ اتفاقيات أوسلو، كما أنّ هذا  سيساعد في تعزيز ظهور بديلٍ سياسي فلسطيني راسخ محليّاً، وأخيراً في تجنّب أن ينتهي الأمر بظهور حكومة مستقبلية ترأسُها حماس التي ستتحوّل إلى حزب الله فلسطيني، أو إلى فتح أسيرة لريعها كدَرَكٍ بالوكالة.

اقرأ أيضاً: حركة حماس تواصل توددها للنظام السوري.. ما القصة؟

هذا هو الظرف الذي يمكن للمجتمع الدولي أن يخطو فيه في الاتجاه الصحيح، لن تؤدّي أيُّة إدانة دبلوماسية لإسرائيل إلى إنهاء الاحتلال وعملية الضمّ، ولن يقنع أيُّ عقاب أو تهديد حماسَ بالتخلي عن موقفها العسكري، بل على العكس من ذلك، يتعيّن على المجتمع الدولي تشجيعُ إجراء انتخابات ديمقراطية في فلسطين، لإعطاء صوت للأغلبية الصامتة، من أجل كسر الجمود السياسي، وطرح طريقة بديلة لضمان حقوق الشعب الفلسطيني.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine


الهامش:

(1) الألفية: الاعتقاد بأنّ المسيح سيعود إلى عالمنا هذا مع ملائكته والقديسين، ليحكم الأرض كملك مدة ألف عام، ومن هنا جاءت تسمية الألفية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية