خبراء عراقيون لـ "حفريات": دوافع مالية وراء الهجمات الإرهابية في ديالى 

خبراء عراقيون لـ "حفريات": دوافع مالية وراء الهجمات الإرهابية في ديالى 


01/11/2021

عادَ الاحتراب الطائفي إلى الواجهة العراقية، عبر بلدة المقدادية التابعة لمحافظة ديالى، شرق البلاد، إثرَ هجماتٍ مسلحة لعشائر موالية لطرفي تنظيم داعش والمليشيات "الولائية" لإيران؛ إذ نزحت أكثر من 200 عائلة "سُنية" عن البلدة التي شهدت عنفاً مسلحاً، مساء الأربعاء الماضي، كردّ فعلٍ شيعي على مجزرة نفّذها مسلحو التنظيم، منتصف الأسبوع الماضي.
وسقطَ نحو 30 شخصاً، بين قتيلٍ وجريح، الثلاثاء الماضي، بعد هجومٍ شنّهُ عناصر من داعش، على ناحية "الرشاد" التي تقطنها قبيلة "بني تميم" الشيعية في قضاء المقدادية.   

جثامين ضحايا الهجوم المسلح لعناصر داعش في ناحية الرشاد بقضاء المقدادية

ويؤكّد خبراء أمنيون؛ أنّ أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها محافظة ديالى، ذات دوافع "عصاباتية"، وليست "أيديولوجية دينية محكمة"، كما يحصل في المدن العراقية الأخرى، مرجحينَ فشل القوات الحكومية في السيطرة على الأوضاع هناك. 

المجمع الفقهي العراقي لكبار علماء الدعوة والإفتاء استنكر الجريمة الانتقامية المروّعة بحقّ أهالي قرية نهر الإمام بالمقدادية، وطالب الحكومة المركزية بردع "الإرهابيين والخارجين عن القانون"


وكان القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد أصدرَ، الخميس الماضي، خلال ترأسهِ لاجتماع طارئ للمجلس الوزاري للأمن الوطني، توجيهاً للقادة الأمنيين والعسكريين، بـ "تثبيت الأمن والاستقرار، والقضاء على فلول التكفير الإرهابي والداعشي" في ديالى.
الولاء الطائفي للتنظيمات المتطرفة
وفشلت مجمل الحكومات العراقية، بعد عام 2003، في تثبيت أمن محافظة ديالى، ذات المجتمع المتداخل، طائفياً وقومياً، وكانت عمليات تحرير المدن العراقية من تنظيم داعش، قد قسمت المحافظة على أساس الحشود الطائفية الموالية للحكومة، ولم تستطع القوات النظامية فرض سطوتها؛ لانتماء أغلب أبناء العشائر لفصائل الحشد الشعبي والبيشمركة والجماعات السُنية المناهضة للنظام. 

أمين عام منظمة بدر هادي العامري
وتهيمنُ منظمة بدر، بزعامة هادي العامري (الموالي لإيران)، على القرار المحلي للمدينة، لما تمتلكهُ من أغلبيةٍ "ائتلافية" في مجلس المحافظة،
وتتبع إدارة المحافظة سياسة "العسكرة المليشياوية"، التي أفضت إلى انتماء أغلب الشباب للفصائل العقائدية، وفق مذاهبها المتناحرة، فضلاً عن شيوع الثقافة العشائرية إلى جانب ثقافة الشحن الطائفي السائدة في المجتمع. 

اقرأ أيضاً: العراق: هجوم جديد لداعش في ديالي وهذه حصيلة الضحايا
ويعدّ قضاء المقدادية أحد أكبر الأقضية في ديالى، وهو قضاء زراعي يضمّ أكثر من 10 قرى، يقطنها الشيعة والسنة، ومؤخراً اختطفَ مسلحون داعشيون ثلاثة مدنيين من ناحية "الرشاد" الشيعية، وطالبوا بفدية مقابل إطلاق سراحهم، ولدى تسليم الفدية، فتح عناصر التنظيم النار عليهم، ما أدّى إلى مقتل 10 مدنيين وإصابة 19 آخرين، فضلاً عن رشق بيوت الناحية بالعيارات النارية. 
النزوح خارج المدينة
وإثرِ هذا الحادث، تعرضت قرية "نهر الإمام"، المحاذية لناحية "الرشاد"، لهجوم انتقامي من قبل الفصائل المسلحة، وهي: "فصيل بدر، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء"، بدعوى أنّ كاميرات المراقبة الأمنية رصدت عدداً من منفذي هجوم "الرشاد" كانوا قد خرجوا وعادوا أثناء تنفيذ جريمتهم إلى القرية ذاتها، بحسب تصريح المحافظ مثنى التميمي. 

وأفضى الهجوم المضاد إلى قتل 10 أشخاص، وحرق عدد من المرافق الحياتية في القرية، فضلاً عن نزوح 227 عائلة إلى خارج القرية المستهدفة من أربعةِ محاور. 
ويقول الخبير الأمني، الدكتور محمد الحميداوي: "قضاء المقدادية يشهد تداخلاً عشائرياً غير منسجم اجتماعياً؛ بمعنى أنّ هناك عشائر ترتبط بالمليشيات الشيعية، وأخرى ترتبط بتنظيم داعش"، مؤكداً  لـ"حفريات" أنّ "العملية الأخيرة كانت بدافع عصاباتي خاص، وليست بدوافع الأيديولوجيا الداعشية المحكمة، كما في صلاح الدين وكركوك، المحافظتين المحاذيتين لمحافظة ديالى". 

النزوح قلق يعاود المواطنين العراقيين في المناطق الساخنة
وعن غياب الدور الحكومي، قال: "المليشيات لا تعطي أيّ دور للأجهزة الاستخباراتية الرسمية، في المناطق التي تسيطر عليها، وهذا ما يصعّب على الأجهزة الأمنية التنقل وجذب المعلومة". 

خطف واعتقالات بدوافع مالية
وعلى الرغم من الشعارات الطائفية التي تحملها الجماعات المسلحة في تلك المدينة الساخنة، إلا أنّ عمليات الخطف والاعتقال بحقّ المدنيين، تقوم وفق المساومات المالية، ويفصّل الباحث الحميداوي في هذه المسألة قائلاً: "المليشيات تحتكرُ المعلومات الاستخبارية لديها؛ لأنّ لعبة الاستخبارات لعبة دسمة، وبحسب نوعية المعتقل". 

ويتابع قوله: "المليشيا التي تعتقل قياديّاً داعشياً، أو عنصراً، أو أيّ شخصٍ ما، تستفيد منه مالياً، ووفق المصلحة الخاصة"، مؤكداً أنّ "هذا هو منطق المليشيات الحاكمة في ديالى".

الخبير الأمني الدكتور محمد الحميداوي لـ"حفريات": قضاء المقدادية يشهد تداخلاً عشائرياً غير منسجم اجتماعياً؛ بمعنى أنّ هناك عشائر ترتبط بالمليشيات الشيعية، وأخرى ترتبط بتنظيم داعش


ورأى أنّ ضعف الأجهزة الأمنية الرسمية "أمر طبيعي، لأنّ الأوساط المجتمعية هناك غير متعاونة، وإن كان هناك تعاون، فإنهُ قليل جداً". 
واستنكر المجمع الفقهي العراقي لكبار علماء الدعوة والإفتاء (مرجعية دينية سنية) بشدّة ما وصفها بالجريمة الانتقامية المروّعة بحقّ أهالي قرية نهر الإمام بالمقدادية، وطالب الحكومة المركزية بتحمّل مسؤولياتها في ردع من سمّاهم "الإرهابيين والخارجين عن القانون".
 أما زعيم تحالف "عزم"، خميس الخنجر، فقد دعا إلى ملاحقة منفّذي الاعتداءات على قرية "نهر الإمام"، مشيراً إلى أنّ "داعش والمليشيات وجهان لعملة واحدة".

 تحميل العامري مسؤولية ما حصل
وما إن وصل أمين عام منظمة بدر، هادي العامري، إلى محافظة ديالى التي ينحدرُ منها اجتماعياً، حتى قوبل بنقدٍ حاد من قبل الشيخ العام لقبيلة "بني تميم" في المحافظة. 
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً للعامري وهو يزور القرية المنكوبة، مقدماً التعازي لذوي القتلى، إلا أنّ الشيخ تميم مصطاف التميمي، ردّ عليهِ بالقول: "كلّ ما حصل لنا بفعلكم أنتم، أين كنتم قبل تدهور الوضع الأمني؟ أحمّلكِ والأحزاب مسؤولية ما حصل في ديالى". الأمر الذي استفزّ العامري، فقال: "أنا من حرّر المحافظة من داعش، وجئتُ هنا لحلّ الأمور". 

وزيرة الهجرة والمهجرين إلى جانب وزير الداخلية ومستشار الأمن القومي في ديالى
 وتفاعل كثيرون من رواد التواصل الاجتماعي مع كلام شيخ "بني تميم"، وهو ما جعل المقطع يتصدر الترند المحلي في تلك المواقع. 
وبشأن ما حصل، يعلّق أحمد الياسري، رئيس مركز العربي الأسترالي للدراسات؛ بأنّ "ردود الأفعال الشعبية تجاه القوى الحاكمة في المحافظة، كانت ردوداً طبيعية، لأنّ التقاطع الأمني وعدم وجود مركزية داخل منظومة الأمن العراقي، وهو الذي يجعل الخروقات الداعشية سهلة جداً للكثير من المناطق الهشة".

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ عمليات داعش ضد الشيعة في أفغانستان؟

وأكّد لـ "حفريات"؛ أنّ "هذا التقاطع سهّلَ عملية الاختراق، وبكلّ تأكيد الناس يحمّلون القيادات السياسية مسؤولية ما حصل".

محاولة لاحتواء الموقف
وفي محاولةٍ لاحتواءِ ما جرى، وصلَ وفدٌ حكومي رفيع المستوى إلى محافظة ديالى، للوقوف على مجرياتِ الأحداث الأخيرة، ورفع توصيات رسمية إلى القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي. 

بيان لمستشارية الأمن القومي العراقية، قال إنّ "وفداً أمنياً برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، وعضوية وزير الداخلية عثمان الغانمي، ورئيس أركان الجيش العراقي عبد الأمير يار الله، ووزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق؛ وصل إلى محافظة ديالى". 
وكانت أولى الإجراءات الحكومية؛ إقالة قائد شرطة المحافظة وتعيين آخر بديلاً عنه، وفيما رُفع حظر التجوال الذي  فُرِضَ سابقاً، أرسلت بغداد تعزيزات عسكرية إلى ديالى لسحب فتيل الأزمة الأمنية فيها. 

وزيرة الهجرة تزور أحد جرحى هجوم المقدادية في ديالى
وأكدت الإدارة المحلية لقضاء المقدادية عودة الاستقرار النوعي إلى القضاء بعد رفع حظر التجوال عنه، وأشارت إلى أنّ "الهدوء هو السائد في المقدادية، وسط انتشار أمني كثيف فيها". 
وقال حاتم التميمي، مدير القضاء بالوكالة: إنّ "نزوح الأسر عن المقدادية هو نزوح مؤقت، وأغلبها ستعود بعد أيام، ما إن تستقر الأوضاع"، نافياً حدوث أية عمليات نزوح جديدة، بحسب ما تناقلته بعض المنصات الإعلامية.  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية