"ديمقراطية" أمريكا لم تعد تقنع أحداً

"ديمقراطية" أمريكا لم تعد تقنع أحداً

"ديمقراطية" أمريكا لم تعد تقنع أحداً


23/10/2022

طارق العليان

قال عالم الاجتماع الأرجنتيني خوان غابرييل توكاتليان، في مقال نشرته صحيفة "كلارين" الأرجنتينية، إنه يتعين على الغرب معالجة تدهور الديمقراطية محلياً وعالمياً، مضيفاً أنه من غير الصواب أن يتباهى الرئيس الأمريكي جو بايدن بالديمقراطية ويستخدمها كعصا في يد السياسة.

ولفت عالم الاجتماع النظر إلى أن الديمقراطيات تعيش حالة سيئة، ولا يلاحظ المرء تدهور الأنظمة الديمقراطية فحسب، بل بات تراجعها واضحاً للعيان. إن ما يسمى بالموجة الثالثة من التحول الديمقراطي، والتي لاحظ المؤرخ والكاتب المخضرم صموئيل هنتنغتون أنها استمرت من 1974 إلى التسعينيات، تراجعت على مدار العقد المنصرم.

موجة مضادة
ورأى خوان توكاتليان "أننا نشهد "موجة مضادة" فيما يسمى بالديمقراطيات المتقدمة. يقول المحلل والباحث لاستيان هير: تُظهر الأرقام انخفاضاً مزدوجاً في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية والديمقراطيات الانتخابية، مع صعود مزدوج في الأنظمة الاستبدادية الانتخابية والديكتاتوريات "الصريحة"، التي تستغني عن مسرح الانتخابات.

وهذا الاتجاه له جانبان رئيسيان، بحسب الكاتب، الأول هو حدوث انكماش داخلي للديمقراطية، على عكس منتصف القرن العشرين، دون أحداث مفاجئة مثل الغزو أو الانقلاب. والآخر هو أنه، على عكس فترة الحرب الباردة مرة أخرى، لا يوجد توق لبديل ثوري، حيث لم يعد الاتحاد السوفيتي موجوداً. ولا تقوم الصين الشيوعية، المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في العالم، بتصدير نموذجها المؤسسي إلى الخارج.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستساهم استراتيجية الرئيس جو بايدن في الصين، والتي تقدم نفسها بشكل فعال على أنها معركة بين الديمقراطية والاستبداد، في إحياء الديمقراطية وتوسيعها وتحسينها في جميع أنحاء العالم؟ هناك دلائل تشير إلى خلاف ذلك وأنها قد تؤدي إلى تفاقم التدهور الديمقراطي، بحسب الكاتب.

أسباب التدهور الديمقراطي
أولاً، تعد سابقة التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مرجعاً ضرورياً. في نقاط معينة واعتماداً على حالة التوترات، روّجت الولايات المتحدة للديمقراطية في الخارج. ولكن في كثير من الأحيان كانت تميل ببساطة إلى تغيير الأنظمة وحتى تفضيل الديكتاتوريات (المحافظة) كلما كانت المبادرات الديمقراطية في العالم الثالث تحمل طموحات إصلاحية أو تهدد مصالحها.

وأشار الكاتب إلى أن أمريكا اللاتينية عانت بشكل خاص من الترويج غير المتسق للديمقراطية من الولايات المتحدة، والذي قد يكون أحد الأسباب التي تجعل دول الجنوب العالمي غير راغبة في الارتباط بأي شكل من الأشكال بتقلبات سياستها الخارجية.

ثانياً، ليس من غير المعتاد أن ينتج الصخب الديمقراطي معايير مزدوجة - خاصة عندما تتعارض التطلعات والأعمال.
في مايو (أيار)، لم تشر إلى أنواع الأنظمة عندما نظمت قمة العشر دول الأعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا "آسيان" والتي تضم أربع حكومات استبدادية وخمس ديمقراطيات إشكالية وسلطنة أو نظام ملكي. كما استغنت واشنطن عن أنظمة التصنيف في قمة جزر المحيط الهادئ الأمريكية الأخيرة.

ثالثاً، كما أشار الكاتبان مايكل برينيس وفان جاكسون في مقال نُشر في يوليو (تموز) في مجلة "فورين أفيرز"، كانت المنافسات بين القوى العظمى سيئة بالنسبة للديمقراطية الداخلية. وهم يزعمون أن الحرب الباردة أدت إلى تفاقم عدم المساواة داخل الولايات المتحدة ولم تحابِ قطاعات الطبقة العاملة. لذا، يجب أن نحذر بالتأكيد من الادعاءات القائلة بأن حرباً باردة جديدة مع الصين يمكن أن تفيد بطريقة ما الطبقات الوسطى الغربية.

يقول خوان توكاتليان: تفشت التهديدات العسكرية منذ 1947، مما أدى إلى تأجيج المخاوف الاجتماعية التي أدت إلى تضخم ميزانيات الدفاع على حساب الاحتياجات العامة الأساسية الأخرى. وهذا على المدى الطويل يضعف الاقتصاد ويغذي القلق الاجتماعي ويقوض المصداقية الدبلوماسية.

رابعاً، أدرك بايدن منذ بداية ولايته الحالة الدقيقة للديمقراطية في بلاده، بعد محاولة سلفه الانقلاب الذي أدى إلى هجوم 6 يناير (كانون الثاني) على مبنى الكابيتول. كان هناك حديث عن حرب أهلية محتملة، وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن أكثر من 40% من الأمريكيين يخشون استمرار الخطر.

في الواقع، يشعر الجمهور بقلق بالغ، لدرجة أن استطلاعاً أجرته مؤسسة Morning Consult نُشر في 13 سبتمبر (أيلول)، كشف أن "الدفاع العالمي عن الديمقراطية" سيتذيل قائمة من 14 أولوية للأمريكيين! ويبدو الرأي الأمريكي غير متأثر بالمواجهة العالمية بين الديمقراطية والاستبداد.

خامساً: يتفق القادة والأكاديميون بشكل عام على أن مواجهة التحديات العالمية الكبرى وإحياء نظام متعدد الأطراف لن يأتي بموقف مع واشنطن أو ضدها. في الواقع، قد يكون هذا هو الافتراض الواضح والبسيط الذي يدعم المواجهة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية.

نتائج عكسية
هل كل هذا يعني أنه من المستحيل أو غير الضروري تنشيط الديمقراطية في الداخل؟ يتساءل الكاتب، ويجيب بقوله: فقط على العكس من ذلك. إنها مسألة ملحة، خاصة في الغرب وخاصة هنا في أمريكا اللاتينية.

واختتم خوان توكاتليان مقاله بالقول: "في الوقت نفسه، فإن جعل هذا الهدف حملة صليبية حقيقية يؤدي إلى نتائج عكسية، سواء بالنسبة للعالم أو من أجل السلام العالمي. دعونا لا ننسى أبداً ملاحظة الفيلسوف إيمانويل كانط بأن السلام الدائم لا يمكن أبداً فرضه".

عن "موقع24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية