ذوبان الجليد بين مصر وإيران... مناورة أم شرق أوسط "جديد كلياً"؟

ذوبان الجليد بين مصر وإيران... مناورة أم شرق أوسط "جديد كلياً"؟

ذوبان الجليد بين مصر وإيران... مناورة أم شرق أوسط "جديد كلياً"؟


10/06/2023

محمد حسين أبوالحسن

ترتفع أصوات الغزل الإيراني نحو مصر، هذه الأيام، آخرها ما أعلنه المرشد علي خامنئي خلال استقباله سلطان عُمان، عن رغبته في استئناف العلاقات مع القاهرة، في أقرب وقت. التفاؤل الإيراني يقابله تأنٍ مصري، فلا تبدو القاهرة في عجلة من أمرها، تلتزم الصمت، ما يشير إلى خلافات عالقة حول بعض الملفات، لكن موجات التطبيع توشك أن تلامس الشواطئ، لتنهي 45 عاماً من العداء والقطيعة بين البلدين، لاسيما بعد الاتفاق بين الرياض وطهران برعاية صينية. فهل نحن إزاء شرق أوسط جديد كلياً، أم أنّه ما زال من المبكر الثقة بالنوايا والتوجّهات الإيرانية؟.

فتور وتنافس

على مدى قرون طويلة، اتسمت العلاقات المصرية - الإيرانية بكثير من التنافس والخصام، وقليل من الهدوء والتعاون، برغم إدراك كل بلد لأهمية وعراقة البلد الآخر. اتضح هذا بجلاء منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت مصر الدولة الوحيدة التي استقبلت شاه إيران المخلوع رضا بهلوي، ما اعتبرته طهران "تصرّفاً معاديا"، بينما رأت القاهرة إيران مصدراً لتهديد الأمن وزعزعة الاستقرار في المنطقة، بعدما رفع نظام الملالي شعار "تصدير الثورة" والتشيّع، مع تهديد أمن دول الخليج واحتلال الجزر الإماراتية وتشجيع الجماعات الجهادية المتطرّفة، وإطلاق اسم خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس أنور السادات، على أحد الشوارع العاصمة الإيرانية.

أيضاً اتسعت هوة الخلافات بين الدولتين، لتغيّر موقع كل منهما تجاه العلاقة مع الغرب وإسرائيل، فحينما كانت إيران- الشاه شرطي الخليج برعاية الولايات المتحدة، وتحتفظ بعلاقات راسخة مع إسرائيل، كانت مصر عبد الناصر على الشاطئ الآخر- ثم تبدّل الأمر 180 درجة، بقيام الثورة الإيرانية وتوقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل؛ ما أفضى إلى توتر شديد بين القاهرة وطهران وقطع العلاقات الدبلوماسية عام 1980، ثم استُؤنفت بعد 11 عاماً، على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب رعاية المصالح.

برغم القطيعة، ظلّت محاولات القرب متوالية على استحياء، في ظلّ حكم حسني مبارك، ثم ارتفعت وتيرتها في ظلّ حكم الإخوان المسلمين، بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011. زار محمد مرسي طهران وأتى أحمدي نجاد إلى القاهرة، لكن الإطاحة بحكم الإخوان بعد 30 حزيران (يونيو) 2013، أعادت العلاقات للمربّع الأول، مع حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أنّ أمن الخليج هو امتداد لأمن مصر، فضلاً عن اتساع التوتر بين إيران والسعودية آنذاك، وتمدّد إيران في عواصم عربية، بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، وتدخّلاتها في القضية الفلسطينية، ما أثار حفيظة مصر وأصاب العلاقات بين العرب وإيران بالجمود والعداء الظاهر.

رياح جديدة

اليوم تهبّ رياح جديدة على المنطقة، يتوارى كثير من مبررات القطيعة، والسؤال: متى ينتهى الجمود بين القاهرة وطهران؟.

ترى مصر إيرانَ بلداً محورياً في الشرق الأوسط، يمتلك حضارة زاهرة، يمتد تأثيره من الخليج إلى الشرق الأقصى، تتطلع إلى أوروبا عبر البلقان وتجاور روسيا والخليج العربي وأفغانستان؛ هضبة تُشرف على الهند والصين، تحوز نفوذاً في ملفات العراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين وأمن الخليج والبحر الأحمر والخلاف السنّي- الشيعي، وسوق النفط والغاز، تقترب من العتبة النووية، وتلعب دوراً في صراع الباسيفيك، بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. والتلاقي المُحتمل بين القاهرة وطهران ربما يكون جسراً لحلّ مشكلات في الإقليم، لو حَسنت نوايا إيران، ونجحت الدولتان في تشكيل ثنائي لإخماد الحرائق ومجابهة الاختراقات الخارجية في الإقليم، ما يستوجب السعي لحوار صريح، يزيح التباينات في الرؤى والمواقف، بخاصة إلزام إيران بالتوقّف عن التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والالتزام بمحدّدات الأمن القومي المصري.

المصالحة المصرية- الإيرانية، إن اكتملت مصفوفتها، تساعد القاهرة في أن تحمي مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن، وتصوغ دوراً إقليمياً أوسع، بحكم طبيعة موقعها وحالة التنافس الدولي على تلك المنطقة التي تعدّ الطريق الرئيسي لمرور الطاقة إلى الأسواق العالمية. وزير الخارجية المصري سامح شكري قال، إنّ "عدم الثبات في السياسة شيء طبيعي، لأنّ الهدف منها تحقيق المصلحة". تنظر طهران للأمر من المنظور ذاته، لاسيما أنّ الاتفاق السعودي- الإيراني فتح الطريق أمام تعاون اقتصادي وتفاهم سياسي بين العرب وإيران. وبالطبع هناك أهمية كبيرة لإشراك مصر، نظراً لدورها وثقلها وأهميتها الجيوسياسية؛ إذ تسعى طهران لكسر العزلة والعقوبات الإقليمية والدولية المفروضة عليها؛ للتغلّب على مشكلاتها الداخلية المتصاعدة؛ فهي تعاني ضغوطاً ثقيلة داخلية وخارجية، ولا تستطيع خوض مواجهات على كل الجبهات في وقت واحد، من ثمّ تعمل على حلحلة الملفات مع العرب لتبريد الجبهات الساخنة، بعد أن تبدّلت قواعد اللعبة، عقب أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا، ما فرض على طهران السعي لتصفير المشكلات وتغليب المصالح الوطنية واستئناف علاقاتها مع السعودية ومصر.

والمؤكّد أنّ أي محاولة إيرانية للتقارب مع القاهرة لن يُكتب لها النجاح، في ظلّ أي توتر مع السعودية أو الإمارات. إجمالاً، يُعدّ لجوء القاهرة لإقامة علاقات متوازنة مع قوى إقليمية كإيران وتركيا أمراً يخدم المصالح الوطنية والعربية؛ لخفض التوتر على جبهات: فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن والتعاون الاقتصادي.

تتابع دول كثيرة جهود التطبيع بين مصر وإيران صاحبتي الثقل تاريخياً وعسكرياً وسياسياً في الشرق الأوسط، ولعلّ إسرائيل أبرز المتابعين، إذ حذّر يائير لبيد زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق، من التقارب المصري- الإيراني، وقال إنّه يتعارض مع المصالح الإسرائيلية والإقليمية، في ظلّ التوترات الشديدة بين إيران وإسرائيل، والتي قد تفضي إلى مواجهة عسكرية بأي وقت.

فقدان الثقة

لا تشعر القاهرة بالثقة في طهران، لأسباب ومواقف تاريخية، إذ تتسم السياسة الإيرانية بعدم الثبات، "خطوة للأمام... وخطوة للخلف"، لهذا تتريث القاهرة في الردّ على "الغزل الإيراني"؛ فلا يوجد ما يستدعي الاستعجال؛ تضع القاهرة السلوكيات الإيرانية قيد الاختبار، فما زال المشوار طويلاً لإعادة تأسيس علاقة سليمة بينهما، تتوسع لتشمل المنطقة، ومعيار الجدّية الإيرانية يتمثل في عدم التدخّل في الشؤون العربية والانتقال إلى التهدئة والتعاون لإبعاد الشرق الأوسط عن الصدامات.

الواقع أنّ أصابع إيران لا تزال على الزناد، تعزّز قدرات أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، صحيح أنّ طهران تُظهر اهتماماً كبيراً بتحسين العلاقات مع القاهرة، حيث أعطى المرشد خامنئي الضوء الأخضر لأجهزة الدولة للتحرّك في هذا المسار، خلال لقائه السلطان هيثم بن طارق، ومن المفترض أن يتحوّل الأمر إلى مسار سياسي مُلزم لأجهزة الدولة، لكن القوى المهيمنة في إيران متعددة الأصوات قد تفُسد الطبخة.

تدرك إيران أنّه لا يمكن لأي قوة إقليمية أن تمارس النفوذ والتأثير في منطقتها، من دون قبول إقليمي واعتراف دولي بوضعيتها، والسياسة شيء متغيّر وفقاً للمصلحة. فهل تقدّم طهران تطمينات عبر تغيير السلوك الإقليمي لتحصل على مكاسب؟ هل تعي أنّ الاستقرار ليس مباراة صفرية يكسب طرف ويخسر الجميع، بل ينبغي تحقيق المكاسب لجميع الأطراف؟. لذلك، ربما يتطلّب نجاح استئناف العلاقات مع مصر إجراء "محادثات استكشافية" في سلطنة عمان أو العراق، لتسكين هواجس القاهرة إزاء سياسات طهران، مع وجود "ضامن دولي"، الصين مثلاً، لرعاية الاتفاق، على غرار اتفاق السعودية وإيران؛ ترى بكين مصر وإيران من أهم حلفائها في الشرق الأوسط، وتلك ورقة مساومة بيد بكين أمام واشنطن، كجزء من المنافسة الدولية بينهما.

من جهتها، تضع مصر نصب أعينها، أنّ التطبيع مع إيران، ربما يسهم في إعادة تأهيل النظام الإيراني وترشيد سلوكياته. تحاول القاهرة إعطاء النموذج لدولة مسلمة لديها جيش قوي، ولا تصدّر أيديولوجيات تخيف جيرانها، ولا تمثّل لهم تهديداً.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية