رؤية تحليلية: تنظيم داعش وقضية "الذئاب المنفردة"

رؤية تحليلية: تنظيم داعش وقضية "الذئاب المنفردة"

رؤية تحليلية: تنظيم داعش وقضية "الذئاب المنفردة"


10/01/2023

هاجم تنظيم داعش نقطة تفتيش للشرطة في مدينة الإسماعيلية بمصر في 30 ديسمبر 2022، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، ثلاثة منهم من رجال الشرطة، وإصابة اثني عشر شخصًا. تبنى التنظيم العملية في اليوم التالي، عبر وكالته الإخبارية “أعماق”. هذه العملية بمنزلة تذكير بأنه رغم خسارة داعش “خلافته” في عام 2019، فإن التنظيم لا يزال خطيرًا ومنتشرًا في جميع أنحاء العالم، ويثير مرة أخرى قضية “الذئاب المنفردة”.

ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها داعش الإسماعيلية، فقد وقع هجوم آخر قبل شهر من الهجوم الأخير، وخلال العام المنصرم، صعّد داعش عملياته في سيناء ومناطق أخرى من مصر، كجزء من اتجاه أوسع لنشاط داعش المتنامي في أفريقيا. الجدير بالذكر أن داعش وصل رسميًا إلى مصر في نوفمبر 2014، عندما انشقت جماعة القاعدة، أنصار بيت المقدس، إلى داعش، بعد خمسة أشهر من إعلان “الخلافة” التي تغطي مناطق من العراق وسوريا. وعُرفت جماعة أنصار بيت المقدس بعد ذلك باسم “ولاية سيناء”.

من ناحيةٍ أخرى، بدأ تنظيم القاعدة في تشكيل “فروع” في مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. في البداية كان داعش يُعرف باسم تنظيم القاعدة في العراق. ومنذ ذلك الحين، أسّس فروعًا في غرب إفريقيا، تُعرف باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي اليمن، تُعرف باسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وفي الصومال، تُسمّى حركة الشباب المجاهدين.

بعد طرد داعش من تنظيم القاعدة في فبراير 2014، بدأ في إنشاء “ولايات”، عن طريق ضم جماعات القاعدة السابقة غالبًا، كما كان الحال مع جماعة أنصار بيت المقدس. وفي حالاتٍ أخرى مثل ليبيا، “استورد” داعش الولاية جملة واحدة من الخارج، حيث جلب الآلاف من المقاتلين من الخارج وشكّل في الواقع مستعمرةعلى ساحل شمال إفريقيا. ما حدث في ليبيا أمر بالغ الأهمية لفهم مفهوم داعش لولاياته. الفرق هو أنه بينما صمّم القاعدة هيكله لتوفير الموارد والتوجيه الاستراتيجي المشترك من تنظيم القاعدة المركزي للجماعات التابعة، مع منحها استقلالية واسعة لتحقيق أهدافها الجهادية في سياق محلي، فإن نموذج ولايات داعش واتبع العكس، حيث صُمّم لجلب الجهاديين المحليين إلى هيكل مركزي للغاية. وقد نجح في ذلك.

أوفد تنظيم داعش “المركزي” عناصر رفيعة المستوى إلى “الولايات” لتنفيذ عملية تدريجية، بدءًا من بنية الهياكل الإعلامية الأساسية للجماعات المحلية، التي جعلتهم تحت سيطرته المركزية. وكانت النتيجة النهائية، كما وثّق تقرير حديث لعين أوروبية على التطرف، أن داعش انتشر في جميع أنحاء العالم، بينما ظل “تنظيمًا متجانسًا ومركزيًا بالكامل وعابرًا للحدود: ليس لديه فروع أو جماعات تابعة أو حلفاء، بل فقط ولايات إمبراطورية، عابرة للحدود والأوطان، تسيطر فيها قيادتها على جميع الأفراد، والتمويل، وصنع القرار في كل ولاية”.

بالنظر إلى هذه المعرفة التي تراكمت على مدى العقد الماضي، من المستغرب أن الأمر استغرق وقتًا طويلًا حتى يدرك المحللون أنه عندما أعلنت “القوات الديمقراطية المتحالفة” في جمهورية الكونغو الديمقراطية ولاءها لداعش، أصبحت حقًا ولاية داعش. لقد اتبع داعش -في إعادة تشكيل مجموعة محلية إلى ولاية تحت إدارة مركزية- بدءًا من وضع وسائل إعلام “القوات الديمقراطية المتحالفة” تحت سيطرة داعش “المركزي”.

كانت هناك أيضًا أدّلة أخرى متاحة للجمهور تمثلت في إخطارات العقوبات على التدفقات المالية من داعش “المركزي” إلى “القوات الديمقراطية المتحالفة”، وينطبق الشيء نفسه على موزمبيق، حيث أظهر المحللون بالمثل ترددًا غريبًا لبعض الوقت في الاعتراف بوصول داعش.

التردد التحليلي في الاعتراف بحقيقة داعش في الكونغو وموزمبيق جزء من سلسلة متصلة من كيفية تعامل المجتمع التحليلي مع مسألة “الذئاب المنفردة” لداعش. خلال ذروة حملة هجمات داعش العالمية من 2014-2017 خاصة، خصصت تغطية إعلامية واسعة النطاق لهجمات “الذئاب المنفردة”، أو، كما كانت تُسمى في كثيرٍ من الأحيان، الهجمات “المستوحاة من داعش”.

وهذا التصنيف الأخير -“مستوحاة”- يعتبر في حدِّ ذاته مؤشرًا على أن هؤلاء العملاء لم يكونوا حقًا جهات فاعلة “منفردة”. والحقيقة هي أن داعش قد أعدّ نظامًا متطورًا لتوجيه العناصر الفاعلة المنفردة في الدول الغربية، من خلال الفرع الأجنبي لنظامه الاستخباراتي، المعروف باسم الأمن الخارجي.

وفي الواقع، يمكن تصنيف عدد قليل فقط من هجمات داعش على أنها هجمات “ذئاب منفردة”، وحتى هذا العدد ربما يكون مبالغًا فيه: نحن ببساطة نفتقر إلى المعلومات حول كيفية تنفيذ عدد من هذه الهجمات بالفعل. وإذا توفّرت لدينا الحقائق الكاملة، قد يتبين لنا أن العديد منها على صلة بداعش.

وكما أوضح شورمان وآخرون قبل نصف عقد من الزمان، فإن هذا ليس هو الحال فقط مع داعش: فكل إرهاب الفاعل المنفرد تقريبًا ينتج عن شبكات ومنظومات اجتماعية أوسع تفرز مثل هذه الهجمات وتساعد فيها. إن الشخص الذي ينفّذ الهجوم الإرهابي هو مجرد غيض من فيض، هو الجزء الأصغر والأقل أهمية من نواحٍ كثيرة في صورة التهديد الكبرى. بل “يمكن القول إن المهاجمين المنفردين حقًا غير شائعين لدرجة أنهم يمثلون حالاتٍ شاذة، وليس أساسًا يصلح لتصنيف محدد للإرهاب”، كما يؤكد المؤلفون.

ومع ذلك، حاول داعش الاستفادة من “الذئاب المنفردة” كجزء منخفض التكلفة وعالي القيمة من استراتيجيته. وقد أصدر التنظيم كتيبًا بعنوان “الذئاب المنفردة” يحتوي على تعليماتٍ لأتباعه في جميع أنحاء العالم لتنفيذ هجماتٍ إرهابية بشكلٍ فردي دون الاتصال بالتنظيم. تتضمن التعليمات أشياء من قبيل: “احلق لحيتك، واِرْتدِ ملابس غربية، واستخدم العطور العادية الشائعة، وشفِّر هواتفك”.

ويشجع الكتيب “أي (ذئب منفرد) على الاندماج والتماهي في المجتمع المحلي”، وعلى “أن يكون دائمًا مثل أي سائح عادي أو مسافر تقليدي”. بل إن التعليمات تذهب إلى حدِّ تنسيق الملابس لدى إرهابيي داعش المحتملين: “حاول ارتداء ملابس متناسقة الألوان، لذا فإن ارتداء قميص أحمر أو أصفر مع بنطال أسود يجعلك مشبوهًا، ولا داعي لارتداء ملابس جديدة لأن ذلك قد يثير الشكوك”.

“الذئاب المنفردة” الحقيقية تمثّل أصعب مهمة تواجه الشرطة والأجهزة الأمنية، حيث يكاد يكون من المستحيل اكتشافها وتفكيكها، على الرغم من تدابير المراقبة البشرية والتقنية، لأن العمليات التي يقومون بها تعتمد على “تسريب” التفاصيل قبل الهجوم، ولن يكون “الذئب المنفرد” الحقيقي على اتصال بأي شخص آخر.

وبفضل الاتصالات الحديثة، يستطيع داعش وغيره من الجماعات الإرهابية نشر رسالتهم بسهولة في جميع أنحاء العالم. ومن أسفٍ أن عدد الأفراد الذين يعتنقون هذه الأيديولوجيات فكريًا، يتزايد يومًا بعد يوم، ويزدهر داخل مجتمعاتنا، ويصعب السيطرة عليهم بأدوات الحرب التقليدية.

في السياق ذاته، يعتقد الخبراء أن داعش يستهدف الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية وسجلات جنائية لاستخدامهم كذئاب منفردة. هناك عناصر، مرة أخرى، ليس لها صلة بأشخاص آخرين، ما يجعل مراقبتهم وإجهاض عملياتهم مهمة شبه مستحيلة. من الصعب على الجيوش النظامية مواجهة المتطرفين الذين يشرعون في تنفيذ الإرهاب، عندما يكون الإنذار المُبكّر الوحيد في رأس الفرد “المُنفّذ” فقط.

وختامًا، تهديد “الذئاب المنفردة الإرهابية”، التي تنجم أفعالها عن دوافع داخلية بحتة، ولا تتفاعل مع الجماعات الإرهابية أو غيرها من الجماعات المتطرفة التي تشاركها المعتقدات المتطرفة نفسها، يثير سؤالًا خطيرًا جدًا حول أفضل السبل للحفاظ على أمن مجتمعاتنا. التهديد الذي يُشكِّله هؤلاء الأفراد يتعاظم، ولا توجد حلول يسيرة.

عن "عين على التطرف"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية