ربيع أوكرانيا الدموي.. كيف تواجه كييف الدب العائد من سباته الشتوي؟

ربيع أوكرانيا الدموي.. كيف تواجه كييف الدب العائد من سباته الشتوي؟

ربيع أوكرانيا الدموي.. كيف تواجه كييف الدب العائد من سباته الشتوي؟


29/01/2023

تلجأ الدببة إلى الدخول في سبات شتوي نوعي عندما يطبق الشتاء القارس ببرودته، حيث ينخفض معدل ضربات قلب الدب، ويلوذ بكهفه لا يكاد يغادره، وغالباً لا تأكل الدببة القطبية أثناء فترة السبات، لكنّها تعتمد على احتياطياتها الدهنية؛ لإعالة نفسها وأشبالها أثناء تواجدها في العرين، ولا تنام الدببة أثناء السبات الشتوي، حيث تترقب انتهاء الشتاء، وما إن يأتي الربيع حتى تخرج أكثر شراسة ونهماً للصيد.

قد يلخص ما سبق حال الدب الروسي على جبهات القتال في أوكرانيا، بعد أن واجه مفاجآت غير سارة، ومقاومة شرسة مدعومة من حلف الناتو. ومن ثمّ قرر القادة العسكريون اللجوء إلى السبات الشتوي؛ كوقفة تعبوية يحتاج إليها دب منهك، يستعيد فيها قوته قبل أن يخرج إلى الصيد.

وبحسب شبكة (USNEWS) الأمريكية، كشفت المخابرات العسكرية البريطانية صوراً جديدة، تظهر أنّ القوات الروسية ركزت على إقامة مواقع دفاعية، على طول خطوطها الأمامية، باستخدام تكتيكات كلاسيكية، ربما تحاكي تلك المستخدمة في ساحات القتال في الحرب العالمية الثانية؛ حيث إنّ بناء خطوط دفاعية رئيسية  يعني عودة روسيا إلى حرب المواقع، التي تم التخلي عنها، إلى حدٍّ كبير، من قبل معظم الجيوش الغربية الحديثة في العقود الأخيرة.

هجوم الربيع

يؤكد العقيد البحري المتقاعد مارك كانسيان، كبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة، أنّ هجوماً برياً روسياً كبيراً يحتمل وقوعه في أوكرانيا، وهو الأمر نفسه الذي حذّر منه المسؤولون الأوكرانيون، مؤكدين أنّ روسيا تستعد لهجوم بري كبير في الربيع المقبل.

وعلى الرغم من الفوضى التي واكبت التعبئة الجزئية للجيش الروسي، التي بدأت في أيلول (سبتمبر) الماضي، لكنّها في نهاية الأمر أدت إلى تدعيم القوات الموجودة على الجبهة بنحو (300) ألف جندي احتياطي إضافي، كما نجحت موسكو في نقل معدات وأسلحة جديدة، وبالتالي سوف يكون لديها القدرة على شن هجوم كبير في الربيع، وسط مخاوف من أن يأتي الهجوم المتوقع من بيلاروسيا باتجاه العاصمة كييف مباشرة.

فكرة الهجوم الشتوي تبدو غير منطقية من المنظور العسكري

بالتزامن مع الجدل الذي أثاره التحفظ الألماني على إرسال دبابات ليوبارد-2، إلى أوكرانيا، تتحفظ واشنطن أيضاً على إرسال منظومة صوايخ باتريوت. وبحسب العقيد مارك كانسيان، فإنّه على الرغم من أنّ نظام صواريخ باتريوت قادر للغاية على مساندة الدفاعات الجوية الأوكرانية، لكنّ واشنطن قررت إرسال بطارية واحدة فقط لحماية العاصمة كييف؛ نظراً للتكلفة العالية، ذلك أنّ صاروخ باتريوت واحد يكلف نحو (4) ملايين دولار، وبالتالي ليس من المنطقي إطلاقه على طائرة بدون طيار إيرانية بقيمة (50) ألف دولار. وربما يتم الاستعاضة عنه ببعض الصواريخ من طراز كروز. إلّا أنّ الرئيس الأوكراني ما زال يضغط من أجل الحصول على منظومة باتريوت.

كشفت المخابرات العسكرية البريطانية صوراً جديدة، تظهر أنّ القوات الروسية ركزت على إقامة مواقع دفاعية على طول خطوطها الأمامية

على أيّ حال، من المتوقع أن تعلن الولايات المتحدة عن إرسال تكنولوجيا الدفاع الجوي الأكثر تطوراً إلى أوكرانيا، كجزء من حزمة أسلحة جديدة بقيمة (2) مليار دولار، في ظل التصريحات الأوكرانية المتكررة بأنّ روسيا تستعد لهجوم واسع النطاق. وهو ما أكد عليه ميخايلو بودولياك، كبير مستشاري زيلينسكي، لصحيفة "نيويورك تايمز"، فقد قال: إنّ روسيا تخطط لهجمات مشاة واسعة النطاق. وأضاف: "من الواضح أنّ القيادة السياسية في روسيا ترفض الاعتراف بالهزائم التكتيكية التي حدثت بالفعل، وتحاول استغلال أيّ فرص، حتى وإن كانت خادعة، لتغيير الوضع لصالحها".

جاء ذلك بعد أن صرّح قائد الجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني لصحيفة الإيكونوميست أنّ موسكو تخطط لشن هجوم بري شامل، ولفت إلى أنّ الروس يعدّون حوالي (200) ألف جندي جديد. مضيفاً: "ليس لديّ شك في أنّهم سيخوضون تجربة أخرى في كييف".

قدرة الروس على شن هجوم شامل

بحسب تقرير بالإنجليزية لـ"فرانس 24"، يقول جيف هاون، الباحث الاستراتيجي في مركز الأبحاث الجيوسياسية الأمريكي بمعهد نيو لاينز: إنّه من الواضح أنّ الروس لا يمتلكون الوسائل اللوجستية لإجراء عملية كبرى في الوقت الحالي، مستبعداً حدوث أيّ هجوم روسي كبير في الشتاء. وعليه، ربما ترغب أوكرانيا في الترويج لمثل هذه الأقاويل، من أجل ضمان استمرار تدفق إمدادات الأسلحة الغربية.

تبدو بيئة الشتاء في حروب الجليد غير مهيّأة للاندفاعات الهجومية، ذلك أنّها بيئة دفاعية في المقام الأول، يلزمها التحصن بالمواقع، وعدم الخروج منها إلّا للضرورة

من جهة أخرى، فإنّ الناتو يتعامل بجدية مع التوقعات التي ترجح تنفيذ حملة الربيع البرية؛ حيث يرسل الحلف بشكل متواصل أجهزة مضادة للطائرات لمواجهة موجة القصف الروسي المحتمل، كما تتفاوض أوكرانيا على معدات أرضية وذخائر حديثة، وسط تقارير تؤكد قيام الجيش الروسي بدعم مواقعه الدفاعية. ويقول سيم تاك، المحلل العسكري في شركة فورس أناليسيز لمراقبة الصراع: إنّ "هناك بالفعل زيادة في حركة القوات والمعدات الروسية في المواقع التي تقع من الحدود". كما رصدت التقارير وصول مركبات مدرعة جديدة، وبناء خيام حول القواعد العسكرية بالقرب من بلدة روفينكي، بين خاركيف ولوهانسك، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الروسية.

احتمالات الهجوم الشتوي

من قبل، وفي كانون الأول (ديسمبر) 1942، شن الجيش النازي الرابع عملية عاصفة الشتاء؛ بهدف اختراق الخطوط الدفاعية السوفياتية والتقدم تجاه ستالينغراد؛ لكسر الطوق السوفياتي عن الجيش السادس الألماني المحاصر داخل المدينة.

واجه الجيش الرابع الألماني صعوبات هائلة في بيئة قتال شبه متجمدة، ولم يستطع الفيلد ماريشال فون مانيشتاين إحراز أيّ تقدم يذكر، قبل أن يتمكن السوفيات من تجاوز الجيش الثامن الإيطالي المتواجد على الجناح الأيسر لجيوش المحور، ونظراً للخسائر العالية، اضطر مانشتاين إلى الانسحاب مهزوماً.

وعليه، تبدو بيئة الشتاء في حروب الجليد غير مهيّأة للاندفاعات الهجومية، ذلك أنّها بيئة دفاعية في المقام الأول، يلزمها التحصن بالمواقع، وعدم الخروج منها إلّا للضرورة.

ويمكن القول: إنّ فكرة الهجوم الشتوي تبدو غير منطقية من المنظور العسكري، إلّا إذا كان جنرالات الجيش الروسي يريدون تحقيق نوع من النجاح العسكري السريع؛ لإثبات أنهّم ما زالوا قادرين على إحراز النصر، في ظل الانتقادات الحادة التي يواجهها هؤلاء، سواء من رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوزين، أو الزعيم الشيشاني رمضان قديروف. وعليه قد ترغب القيادة العسكرية في شن الهجوم في أسرع وقت ممكن. وربما لأنّهم يدركون أيضاً أنّ الميزة التكنولوجية الأوكرانية، التي يوفرها الدعم الغربي، سوف تزداد مع الوقت.

من المتوقع أن يبدأ الهجوم الروسي المحتمل في آذار المقبل، وربما يبدأ من مكان ما في شرق أوكرانيا أو من بيلاروسيا

وبحسب تقرير "فرانس 24"، فإنّ جميع المحللين اتفقوا على أنّ الجيش الروسي سوف يعاني من الشتاء أكثر ممّا ستعاني القوات الأوكرانية؛ حيث إنّ "الأوكرانيين لديهم معدات أكثر حداثة وموثوقية، في حين أنّ الروس ليس لديهم ما يكفي من الطعام ليدوم طويلاً في الخطوط الأمامية".

شركة الاستخبارات الخاصة (RANE) توقعت، بحسب شبكة (USNEWS) الأمريكية، أنّ هجوماً روسياً قد يأتي من الشمال، ربما تشارك فيه بيلاروسيا، أمر ممكن، ولكنّه غير مرجح في الشتاء؛ بسبب قيود الموارد والمخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها مثل هذه العملية.

وعليه، فإنّه من المتوقع أن يبدأ الهجوم الروسي المحتمل في آذار (مارس) المقبل، وربما يبدأ من مكان ما في شرق أوكرانيا، أو من بيلاروسيا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية