رغم القتل والإرهاب: هل تعود أفغانستان عظيمة مجدّداً؟

رغم القتل والإرهاب: هل تعود أفغانستان عظيمة مجدّداً؟


11/11/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

كان عبد الأكبري في فراشه، في مستشفى علي آباد، في كابول، يُداوي جُرحاً نجمَ عن طلق ناريّ في ساقه اليُسرى، ويتذكّر بوضوحٍ ما وقع في الهجوم الإرهابيّ على حرم جامعته في كابول.

قال عبد الأكبري: "لقد جاء الإرهابيّون في صورة مهاجمين انتحاريّين وقتلة، وسفكوا دماء الكثيرين، وقام أحدهم، ولم يكن يغطّي الوجه ويرتدي زيّ حارس أمن، بفتح باب الفصل ونظر إلينا مباشرة في أعيننا، وصرخ "الله أكبر" قبل أن يشرع في إطلاق النار"، وأضاف: "مات العديد من أصدقائي، ورأيتهم ممدّدين على الأرض عندما حاولت الهرب".

نجا الطّالب، البالغ من العمر 22 عاماً، لكن من بين 13 طالباً نُقِلوا إلى مستشفى علي آباد، كان عبد الأكبري أحد الطّلاب المحظوظين، وعبر الرّدهة، في وحدة العناية المركّزة المتقشّفة، رقد طالب آخر كان فاقداً للوعي ولديه أربع رصاصات في بطنه، وبقعة دمٍ متزايدة تحت فراشه، ومن جانبهم، لم يكن الممرّضون مُتفَائلين.

 

شهدت أفغانستان أكثر من أربعة عقود من الصّراع الشاقّ والمُتعِب، حيث حذّر زلماي زاد، من أنّ نافذة تحقيق تسوية سياسيّة لن تبقى مفتوحة للأبد

 

لقد لَقي ما لا يقلّ عن 22 شخصاً مصرعهم وأصيب العشرات فى هجومٍ إرهابي وقع في جامعة كابول، أكبر جامعة فى أفغانستان، والتي يبلغ عدد طلّابها حوالي 22 ألف طالب، وأعلن تنظيم داعش في أفغانستان مسؤوليّته عن الهجوم، وكانت هذه أحدث علامة على أنّ اتفاق السّلام الهشّ الّذي وُقّع هذا العام بين الولايات المتّحدة وطالبان بَعيد كلّ البعد عن أن يكون الكلمة الفَصْل في صراعٍ دمّر أفغانستان لعقود.

إقرأ أيضاً: ملامح إستراتيجية داعش الجديدة في أفغانستان

بدأ الحصار، الذي تواصل لستّ ساعاتٍ، في وقتٍ متأخّرٍ من الصّباح، وانتهى بقتل القوّات الأفغانيّة والقوّات الخاصّة الأمريكيّة لثلاثة مهاجمين، وطوال فترة ما بعد الظّهيرة، هزّت انفجارات مدوّية وإطلاق نارٍ متواصلٍ حرم الجامعة، واحتمى العديد من الطلاب، بينما تمكّن معظمهم من الفرار.

يضاف هذا الهجوم إلى الهجمات التي شنّها تنظيم داعش على المؤسّسات التّعليمية، خلال ما يزيد قليلاً عن أسبوع، ويأتي بعد وقت قصير من هجوم على مركز تعليميّ خاصّ، في 24 تشرين الأوّل (أكتوبر)، في حيٍّ ذي غالبية شيعية في كابول، ما أسفر عن مقتل 30 شخصاً، على الأقلّ، معظمهم من الطلاب المراهقين.

سارعت طالبان إلى نفي الهجوم، لكن، مع ذلك، ألقى عددٌ من مسؤولي الحكومة الأفغانيّة اللّوم على الحركة؛ فمنذ توقيع اتّفاق السّلام مع واشنطن، شنّت طالبان حملةً غير مسبوقة تقريباً من العنف ضدّ القوّات الحكومية الأفغانية والمدنيّين، وقد وثّقت الأمم المتّحدة 5,939 ضحية مدنيّة في الأشهر التّسعة الأولى من عام 2020، بما في ذلك أكثر من 2,000 قتيل، وقالت، الأسبوع الماضي؛ إنّ محادثات السّلام فشلت في إبطاء هذا العدد.

ومع انسحاب القوّات الأمريكية، ينتاب العديد من الأفغان القلق من تصاعد العنف ببساطة، وأقرّ أحد ضبّاط الشّرطة الوطنية الأفغانيّة، الذي كان يرتدي حذاءً أسود ملطّخاً بالدّماء الجافّة، ووجهه شديد الشّحوب، بأنّه غير متفائل، وطلب عدم الإفصاح عن اسمه.

وقال الضّابط: "لقد نقلنا عشرات الجثث إلى خارج الحرم الجامعي، الدّماء غطّت الفصول، وكان الأمر عبارة عن مذبحة"، مؤكّداً أنّ العدد الرّسميّ للقتلى سيستمرّ في الارتفاع، وأضاف: "يبدو أنّنا نبتعد كلّ يوم عن السّلام، ما من مكانٍ آمنٍ في هذا البلد".

"يأتي الإرهابيّون ليقتلوننا ويجرحوننا، كانت لدينا آمال، ولكن لا يُسمح لنا بالأمل، كلّ ما نريده، كلّ ما يريده جيلنا الشّاب؛ جعل أفغانستان عظيمةً مجدّداً"

 

هذا، وقد شهدت أفغانستان أكثر من أربعة عقود من الصّراع الشاقّ والمُتعِب، حيث حذّر الممثّل الخاصّ للولايات المتّحدة، زلماي خليل زاد، من أنّ نافذة تحقيق تسوية سياسيّة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد، وقال: "يموت الأفغان بمعدّلٍ مرتفع، والمُفسِدون الإقليميّون يستخدمون الأفغان وقود مدافع لأهدافهم غير المشروعة"، وتتوقّع قلةٌ تغيّر الوضع.

وفي مستشفى علي آباد، قبالة الحرم الجامعي، واصلت السيّارات التوقّف حتى وقتٍ متأخّرٍ من ليل الحادث، وتكدّس أقارب الجرحى والقتلى، وكانت وجوههم شديدة القلق، وأعينهم تفحص بشكلٍ محمومٍ قوائم تضمّ أسماء أولئك الذين أُدخلوا العيادة، آملين ألّا تكون المشرحة محطّتهم التالية.

إقرأ أيضاً: انفجار قويّ يهزّ كابول.. تفاصيل

انتهى بحث عائلة ناهدة مهرادي في مستشفى علي آباد، بشكل أقلّ فظاعة ممّا كان يمكن أن يحدث، هناك كانت مهرادي، وهي طالبة حقوق تبلغ من العمر 22 عاماً، تتعافى من جرح ناجمٍ عن رصاصةٍ في ساقها اليسرى، وتتقاسم غرفة العناية المركّزة مع خمس نساء أخريات، معظمهنّ أصيب في الهجوم، وحصلت شقيقة مهرادي على إذن الأطبّاء بالزّيارة، إلى جانب فراش مهرادي، أخذت الشّابتان تصرخان وتبكيان، وتمسك إحداهما بيد الأخرى، ويلامس وجه إحداهنّ وجه الأخرى.

قالت مهرادي إنّها غير متأكّدة ما إذا كانت ستبحث عن مخرجٍ من وطنها الّذي مزّقته الحرب، وقال عبد الأكبري، الذي شَهد مقتل الكثير من زملائه بالرّصاص، إنّه من الصّعب عليه رؤية مستقبله في أفغانستان، وأضاف: "لقد خذلتنا حكومتنا وخذلنا المجتمع الدّولي، بما في ذلك الولايات المتّحدة، ولم يَعد حضور الجامعة آمناً".

"يأتي الإرهابيّون ليقتلوننا ويجرحوننا، كانت لدينا آمال، ولكن لا يُسمح لنا بالأمل، كلّ ما نريده، كلّ ما يريده جيلنا الشّاب؛ جعل أفغانستان عظيمةً مجدّداً"

المصدر:

ستيفاني غلنسكي، "فورين بوليسي"، 2 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2020

https://foreignpolicy.com/2020/11/02/terrorist-attack-kabul-university-shatters-hopes-afghanistan/


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية