رفع مستوى علاقات الجزائر وإيران: 4 أسباب و 3 رهانات

رفع مستوى علاقات الجزائر وإيران: (4) أسباب و(3) رهانات

رفع مستوى علاقات الجزائر وإيران: 4 أسباب و 3 رهانات


12/07/2023

يرصد محللان جزائريان (4) أسباب لرفع بلادهما مستوى علاقاتها مؤخراً مع إيران، وفي تصريحات خاصة لـ "حفريات" يحدّد كل من فائزة والي ونبيل كحلوش (3) رهانات كبرى لتفاعل العلاقات الجزائرية الإيرانية على أهبة القادم.    

تُبرز المحللة السياسية د. فائزة والي أنّ العلاقات الجزائرية الإيرانية بشكل عام تتميّز بالمتانة نوعاً ما، إذا ما استثنينا منها الفترة (1993-2000) التي كان سببها التدخل الإيراني، لتعود العلاقات إلى طبيعتها غداة تولي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة زمام الحكم العام 1999، حين تجاوزت المستوى الاقتصادي وصولاً إلى المستوى الثقافي باستحداث ملحق ثقافي إيراني، وانتهاءً بزيارة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف لطهران منذ أيام، وتتويجها برفع مستوى العلاقات الثنائية وإلغاء التأشيرات السياسية والخدمية.

وتضيف والي: "العلاقات الجزائرية الإيرانية قائمة على أساس الندّية وقاعدة رابح/ رابح، والمعروف استناد الجزائر على جملة من المبادئ تقوم عليها السياسة الخارجية، وأهمّها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحقّ الشعوب في تقرير المصير، والوقوف بجانب القضايا العادلة، وحلّ النزاعات بالطرق السلمية، وهذا لا ينفي وجود الطابع البراغماتي المصلحي".

وتركّز والي على أنّ أهمّ الأسس والمحدّدات والأبعاد التي ساهمت في الرفع من مستوى العلاقات بين البلدين "محدّد الاحتياج"، فالبلدان بحاجة لبعضهما بعضاً خصوصاً على المستويين السياسي والاقتصادي بجميع قطاعاته، ناهيك عن المحدّد الإقليمي والدولي الذي يفرض نفسه.

إبرام (70) اتفاقية... وظلّ أوبك للغاز

شدّدت فائزة والي على الدافع الاقتصادي الذي يربط الجزائر وإيران، واستدلت بوصول إجمالي الاتفاقيات بين البلدين إلى (70) اتفاقية، وهذا التقارب سيفضي إلى مناقشة الرؤى بينهما فيما يخص الطاقة، حيث ستستضيف الجزائر اجتماع أوبك المقبل للغاز ومشاركة إيران بمستوى عالٍ، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بليبيا والسودان والحرب في أوكرانيا.

فائزة والي: البلدان بحاجة لبعضهما بعضاً خصوصاً على المستويين السياسي والاقتصادي بجميع قطاعاته، ناهيك عن المحدّد الإقليمي والدولي الذي يفرض نفسه

وتشير والي إلى أنّه على المستوى الإقليمي، تكاد تتطابق وجهات النظر بين الجزائر وإيران، إذ يدعم البلدان بعضهما بعضاً تجاه قضايا عدة؛ منها الموقف الجزائري المعروف والداعم لفلسطين، ورفض الجزائر لعضوية الكيان الصهيوني كمراقب بالاتحاد الأفريقي، وموقفها أيضاً من قضية عضوية سوريا بجامعة الدول العربية، حيث أشادت إيران بذلك.

الباحث في الدراسات الاستراتيجية نبيل كحلوش

وسبق لإيران أن ثمّنت فوز الجزائر بالعضوية المؤقتة في مجلس الأمن الأممي، إلى جانب موقف طهران تجاه الوضع في "الصحراء الغربية" وحق شعب الساقية الحمراء ووادي الذهب في تقرير مصيره، علماً أنّ ذلك تزامن مع فتور وتوتر العلاقات المغربية الإيرانية، تماماً مثل الذي يطبع العلاقات الجزائرية المغربية منذ تموز (يوليو) 2021، بسبب تطبيع المغرب لعلاقاته مع الكيان الصهيوني آنذاك تحت مسمّى "اتفاقيات أبراهام".

وتضيف والي الأدوار التي نهضت بها في كثير من المنعرجات الإيرانية الساخنة، حيث ظلّت الجزائر تلعب دور الوسيط عند توتر علاقات طهران مع الولايات المتحدة الأمريكية والعراق في فترات سابقة.

نبيل كحلوش: إمكانيات الجزائر وإيران الاقتصادية ضخمة، وخاصة في الجانبين الطاقوي والعسكري، وهذا ما يعزّز من فرص الشراكة بين الطرفين

وكانت الجزائر قد فقدت وزيرها السابق للخارجية محمد صديق بن يحيى، 30 كانون الثاني (يناير) 1932ـ 3 أيار (مايو) 1982، حين كان الرجل يقود مهمّة وساطة بين إيران والعراق، لتحدث المأساة في منطقة قطور الإيرانية على مبعدة (10) كيلومترات عن الحدود العراقية التركية، وأدت إلى مقتل وزير الخارجية الجزائري رفقة (8) من كوادره، فضلاً عن صحفي و(4) من طاقم الطائرة ليلة الثالث إلى الرابع أيار (مايو) 1982، وذلك بعد أشهر من الدور الفارق الذي لعبه بن يحيى في حلّ أزمة الرهائن الأمريكيين بطهران كانون الثاني (يناير) 1981. 

أثر إيجابي

تعتقد فائزة والي أنّ وصول العلاقات بين الجزائر وإيران إلى هذا المستوى مع الإبقاء على مستوى الاحترام والثقة، سيكون له أثر إيجابي على صعيد تمتين أواصر التعاون السياسي والاقتصادي بمختلف قطاعاته.

وعلى المستوى الإقليمي، وبالنظر إلى تزامن رفع مستوى علاقات الجزائر وإيران مع ما تشهده العلاقات السعودية الايرانية من تقارب، فإنّ ذلك سيمكّن ـ بمنظور والي ـ من العمل على تقييد وتَحْيِيد وكبح تدخل إيران غير المرغوب فيه في الشؤون الداخلية للدول، خاصةً مع قوة العلاقات التي تمتلكها الجزائر، ممّا يؤهلها للعب دور محوري في الفضاءين الإقليمي والدولي، وسيؤدي إلى تنسيق الجهود لحلّ بعض القضايا الإقليمية العالقة كالأزمتين اليمنية والسورية.

تقارب جيشين وإيديولوجيتين ثوريَّتين

من جانبه، يشير نبيل كحلوش الباحث في الدراسات الاستراتيجية إلى أنّ للعلاقات الجزائرية -الإيرانية ميزة جيوسياسية مهمّة، وهي كونهما تعتمدان على استحضار القوة العسكرية والإرث التاريخي المتعلق بالثورة الخاصة لكل منهما في السياسة الخارجية، ممّا يعني أنّ التقارب بين هاتين الدولتين سيكون تقارباً أيضاً بين جيشين من أكبر جيوش منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  (MENA)وتقارباً بين إيديولوجيتين ثوريَّتين.

الدكتورة فائزة والي

يقول كحلوش: "تاريخياً كانت العلاقات الثنائية بين البلدين تتأرجح بين التجاذب والتنافر، فمثلاً كان قائد الثورة الإيرانية الخميني من الذين أرادوا اللجوء إلى الجزائر وقيادة مشروعه السياسي، لكنّ الجزائر رفضت استضافته على أراضيها عام 1978 حينما تمّ نفيه من النجف العراقي، فقام بالتوجه نحو فرنسا وقاد ثورته في بداية 1979. ومع ذلك لم تؤثر هذه المرحلة على العلاقات الثنائية، بل تعزّزت أكثر بعد أزمة الرهائن الأمريكيين بين 1979 و1981 حينما توسطت الجزائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وقامت بتحريرهم، مع الاضطلاع بأعمال السفارة الإيرانية في واشنطن إلى غاية تسعينات القرن الماضي، لكن بحلول العام 1993 قطعت الجزائر علاقاتها مع إيران بسبب تدخل الأخيرة في الشؤون الداخلية إبّان الأزمة الأمنية الوطنية، ولم ترجع العلاقات إلا بداية من عام 2000".

يُشار إلى أنّ الجزائر في عهد حكومة رئيس الوزراء الراحل رضا مالك قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في آذار (مارس) من العام 1993، إثر اتهام الجزائر لطهران بالدعم السياسي والإعلامي واللوجستي لجبهة الإنقاذ المحظورة، بينما كانت الجزائر تنجرف بقوة نحو الأزمة الأمنية التي أودت بحياة ربع مليون شخص.

شراكة التكنولوجيات العسكرية مقابل الاستثمارات الاقتصادية

يذهب نبيل كحلوش إلى أنّ إمكانيات الجزائر وإيران الاقتصادية ضخمة، وخاصة في الجانبين الطاقوي والعسكري، وهذا ما يعزّز من فرص الشراكة بين الطرفين، فمستقبلاً بإمكان إيران إفادة الجزائر بالعديد من التكنولوجيات العسكرية، مقابل تعاون الجزائر مع إيران في جانب الاستثمارات الاقتصادية التي قد تساعد الإيرانيين على فك نسبيّ للعزلة المفروضة عليهم. وهذا أمر طبيعي ومنطقي لكون الدولتين تنتميان إلى العمق الحضاري نفسه، وحتى إلى بعض المنظمات الدولية على غرار منظمة التعاون الإسلامي.

 

مواضيع ذات صلة:

هل الإخوان مؤهلون للحُكم في الجزائر؟

كيف ردّ الجزائريون على مزاعم الإسلامي علي بن حاج؟

ناشطون: أكبر واجهة إخوانية في الجزائر ليست على ما يرام




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية