رمضان في السودان.. صيام بنكهة صوفية

شهر رمضان

رمضان في السودان.. صيام بنكهة صوفية


28/05/2018

بصوته الشجِّي، ودفّه وأهازيجه وأناشيده الصوفية العذبة: "شهر الصيام هلاّ يا ناس الله/ في كتاب الله يا ناس الله/ يا صايم يرعاك الله/ ويا فاطر يهديك الله/ قوم اتْسحّرْ خاف الله"، يُعلن المُسحراتي السوداني عن قدوم رمضان ويستمر يومياً في مهمته هذه إلى ما قبل انقضاء الشهر الكريم بيومٍ واحد، حينها تتغير الأهزوجة إلى نشيدٍ للوداع: "شهر الصيام أوحشتنا/ من بعدِ ما عودتنا"، وهكذا يستقبل المسحراتي العيد.

إفطار جماعي

من أبرز العادات الاجتماعية التي تميز شهر الصوم في السودان الإفطار الجماعي في الشوارع والساحات العامة؛ إذ يخرج الجيران إلى الشارع كلّ بطعامه وشرابه يتشاركونه ويدعون العابرين إليه؛ فالإفطار الجماعي ظل عادة راسخة في الوجدان السوداني، لا يحيد عنها إلاّ قلة قليلة من سكان الأحياء الراقية في المدن الكبيرة.

الإفطار الجماعي ظل عادة راسخة في الوجدان السوداني، لا يحيد عنها إلاّ قلة

يتكون الإفطار الرمضاني السوداني بشكل أساس من التمر و"العصيدة" ومشروب "حلو مر"، وهو عبارة عن رقائق مصنوعة من طحين الذرة المخلوط بثمانية أنواع من البهارات اللاذعة والباردة؛ حيث يتم تذويب هذه الرقائق في الماء ويستخرج منها عصير بلون داكن مذاقه يتراوح بين الحلاوة والمرارة، لذا أطلق عليه (الحلو مر)، ولا يكاد بيت سوداني يخلو من هذا المشروب في رمضان.

اقرأ أيضاً: كيف تحتفي أكبر دولة إسلامية بشهر رمضان؟

أما العصيدة فهي "مخبوز" من الذرة في شكل عجينة يتم تشكيلها وفق للقوالب التي توضع فيها، وتؤكل على مائدة رمضان بإضافة إدامات (الويكة والتقلية والنعيمية) ومكونها الأساسي مسحوق البامية المجففة، واللحم القديد.

يتكون الإفطار الرمضاني السوداني بشكل أساسي من التمر والعصيدة ومشروب حلو مر

بطبيعة الحال، تأثرت المائدة الرمضانية السودانية بثقافات أخرى، فأضافت الحلويات والسمبوسة والزلابية والشوربة والحمص وغيرها من المأكولات الوافدة، وكذلك صارت أكثر تنوعاً من ناحية المشروبات، فانضمت إليها عصائر الفواكِه المختلفة، بعد أن كانت مقتصرة على: الحلو مر، الليمون، التبلدي، والكركدي.

أما مائدة العشاء فتضم صنوفاً مختلفة من الطعام، خاصة اللحوم وأنواع السلطات المختلفة والفول، كما يحتفي السودانيون بتناول وجبة خفيفة  وقت السحور، وهي في الغالب طبق صغير من رقائق القمح أو الأرز بالحليب.

"الحلو مر" لا يكاد بيت سوداني يخلو من هذا المشروب في رمضان

طقوس اجتماعية وثقافية

يُعتبر رمضان بالنسبة للسودانيين شهراً لصلة الأرحام، والبذل، فبعد صلاة التراويح يتزاور الأهل والأصدقاء، ويُحيي البعض حلقات المديح النبوي، إذ إنّ جلّ مسلمي السودان ينتمون إلى الطرق الصوفية، التي تنظم تلك الحلقات، وهناك ينشدون في مدح النبي ما شاء لهم أن يمدحوا.

اقرأ أيضاً: عادات وتقاليد صنعت المشهد الرمضاني ومنحته طابعاً خاصاً

بجانب ذلك، يجتمع شباب الأحياء المدنية في الأندية أو المقاهي أو المطاعم، يلعبون الورق والشطرنج، ويدخنون الشيشة، ويتسامرون إلى وقت متأخر من الليل، وفي ليالي رمضان تنشط الفعاليات والأنشطة الثقافية والرياضية بغية الترفيه والمتعة، فتلتئم المنتديات الأدبية والمنابر الشعرية ومجالس الغناء وما إلى ذلك.

يُحيي البعض حلقات المديح النبوي إذ إنّ جلّ مسلمي السودان ينتمون إلى الطرق الصوفية

ممنوع الزواج

يمتاز رمضان في السودان بمجموعة من المحظورات الاجتماعية، وفق ما تقول الباحثة الاجتماعية سامية الجاك لـ"حفريات"، إذ يخلو شهر الصيام من المناسبات الاجتماعية المعتادة كالزواج والختان، وتضيف: ربما يعود ذلك لاعتقاد جمعي بأنّ  رمضان مخصص للعبادة فقط، وأنّ مثل هذه المناسبات التي يسمح فيها بالترف والإسراف لا تتناسب مع مقتضيات هذا الشهر الكريم.

يخلو رمضان من المناسبات الاجتماعية المعتادة كالزواج لاعتقاد جمعي بأنّ الشهر مخصص للعبادة فقط

وتضيف "الجاك" قائلة: "من أبرز الظواهر في رمضان السودان، ذلك الشغف بالشراء والتسوق، خاصة بالنسبة للنساء، فلا يكاد ليل الأسوق يخلو من المتسوقات، يشترين كل شيء من المفروشات والملبوسات والأدوات المنزلية والتوابل والبهارات، خاصة في خواتيم الشهر المعظم، استعداداً للعيد.

من أبرز الظواهر في رمضان السودان، ذلك الشغف بالشراء والتسوق

ليلة القدر وجمعة الرحمتات

لليلة السابع والعشرين من رمضان "ليلة القدر" مكانة خاصة وعظيمة عند السودانيين، يحيونها حتى مطلع الفجر، فيما يستقدم بعضهم الشيوخ والمقرئين الذين يطلقون عليهم (الفقرا) ليقرأوا القرآن ويرتلوه طوال الليل وحتى فجر الثامن والعشرين من الشهر، ويكثرون فيها من التهجد والدعاء، ويتصدقون فيها للفقراء والأطفال الإيتام.

في الجمعة الأخيرة من رمضان يُحيي السودانيون ذكرى موتاهم بما يعرف عندهم بيوم الرحمتات

وفي الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يُحيي السودانيون ذكرى موتاهم، بما يعرف عندهم بيوم "الرحمتات"؛ أي يوم الرحمة، فيذبحون الذبائح ويولمونها للعامة، لكنّهم لا يتصدقون بها للأيتام أو الفقراء فقط، كما هو متوقع، بل يدعون إليها كافة الناس حتى ميسوري الحال، وبعد تناول إفطار الرحمتات ينخرط الجميع في ابتهالات وأدعية يطلبون الرحمة لموتاهم، بحسب الباحثة سامية الجاك التي تذهب إلى أنّ كلمة الرحمتات تعني "الرحمة تأتي"، مضيفة: في الأيام الأخيرة من الشهر الكريم تتحول البيوت السودانية إلى خلايا نشطة، إذ تبدأ الاستعدادات الخاصة لتحضير حلوى العيد، وتنشغل النساء في عمل الكعك والبسكويت، وغالباً ما يتم صنعها منزلياً بشكل جماعي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية