رمضان مدرسة التقوى

رمضان مدرسة التقوى

رمضان مدرسة التقوى


15/04/2023

صالح محمد أحمد المشعري

يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ [البقرة: 183]، فقد بين سبحانه وتعالى الأمر الذي فرض لأجله الصيام ألا وهو التقوى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: التقوى، التحرز بطاعة الله تعالى عن مخالفته، وامتثال أمره واجتناب نهيه، وحقيقتها، أن يجعل المرء بينه وبين معاصي الله وقاية، تمنعه من انتهاكها، والوقوع فيها، فلا بد أن يجعل بينه وبينها حاجزاً.

فإذا عرفنا أن التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه شيئاً يقيك ويحميك منه، مثل من جعل بينه وبين النار جداراً يحتمي به، ومثل من يتقي ضرب السيف بالمجن، كما جاء في الحديث (فَلْيَتَّقيَنَّ أحدكم النار ولو بشق تمرة) فمعناه أن يجعل هذا القدر من التمر بينك وبين النار تحتمي به منها.

ففي نهار رمضان يترك العبد ما أحل الله له من الأكل، والشرب، والمعاشرة الزوجية تنفيذاً لأمر الله، وخوفاً من سخطه، على الرغم من أنه قد يكون مع زوجته في غرفة مغلقة، وتحت غطاء واحد، ونفسه تتوق إليها، ولكن مع ذلك يمتنع تنفيذاً لأمر ربه، وكذلك يرى الماء البارد عنده في براد غرفته، وهو في غاية العطش؛ لكنه يمنع نفسه من الشُّرب تنفيذاً لأمر الله تعالى، واجتناباً لسخطه.

فإذا كان الإنسان قد استطاع بتوفيق الله أن ينفذ أمر الله، ويكبح جماح نفسه بالتوقف عن أهم الأمور الحياتية، مثل الأكل والشرب والنكاح، مع قربها وتيسرها، وضرورتها وأهميتها، فإنه إذا نجح هنا فسيكون على منع النفس من الأمور الأقل أهمية أقدر وأجدر، فيكون بإمكانه ترك المأكل الحرام؛ لأنه قد ترك الحلال خوفاً من الله، وكذا المشرب والمنكح؛ لأنه قد تدرب في رمضان على ترك ما هو أشد حاجة إليه كالماء.

ليس المقصود من صيام رمضان أن يحرم الإنسان نفسه من الأكل والشرب، المقصود هو أن يعوِّد الإنسان نفسه على تنفيذ أوامر الله مهما كانت، ويترك المناهي مهما بلغت، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

اجعل رعاك الله رمضان شهر تعبدٍ لله بفعل ما يرضيه واجتناب ما يسخطه طلباً للأجر والثواب، وخوفاً من يوم الحساب، وعوّد نفسك على فعل الطاعات، واجتناب المنهيات، وأن يكون ذلك نهج حياة حتى تلقى الله، فبهذا نفوز ونفلح، ويكون الصيام قد أثمر في سلوكنا العملي، ولم يكن مجرد ترك أكلٍ وشراب في النهار، وفوازير ومسلسلات، وموائد عامرة بالأكلات في الليل.

عن "البيان" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية