رمضان "وفلترة" العلاقات

رمضان "وفلترة" العلاقات

رمضان "وفلترة" العلاقات


27/03/2023

نجلاء محفوظ تكتب

في رمضان فرص رائعة للفوز "بكنوز" كثيرة دينية ودنيوية؛ والأولى منها مضاعفة الثواب في كل العبادات فلنسارع بالدعاء لأنفسنا ولمن نحب بأوسع الخير ونسعى لصنع الحياة الطيبة التي "ننعم" فيها بعلاقات جيدة تساعدنا لنكون من السعداء في الدارين.

الفلترة هي التنقية والتخلص من الشوائب؛ وكلنا لدينا بعض الشوائب في علاقاتنا "نحتاج" للتخلص منها ونستحق ذلك أيضًا.

نحرص في رمضان - رغم الشعور بالتعب من الصيام - على تحسين علاقاتنا بالأهل واللقاء بهم وجعل ذلك في "أولوياتنا" واختيار تجاهل الخلافات للفوز بصلة الرحمن "ولترطيب" الحياة أيضًا؛ ونستطيع فعل ذلك طوال العام.

"اللهم أني صائم"؛ نقولها لطرد الغضب ولتقوية النفس؛ ومن أهم ما يفسد العلاقات "التركيز" على الصغائر التي لا تخلو منها أي علاقات وتجاهل المزايا؛ فلنبدأ من رمضان تحسين علاقاتنا بالأهل وشركاء الحياة والجيران وزملاء العمل بنية تحسين الحياة لنا جميعًا.

لا نأكل الأكلات التي تتسبب في العطش أو التعب بالسحور ليسهل الصيام؛ فلنبتعد طوال العمر عن العلاقات التي "تثقل" علينا وتكون عبئًا نفسيًا أو نقلل منها ما استطعنا "ونختار" تناسيهم فور مغادرتنا لهم ونستثني من ذلك صلة الرحم بالطبع؛ فلهم علينا حق التواصل والتراحم وألا نرى ذلك عبئًا أبدًا؛ فالثواب الذي "نرجوه" من الرحمن يستحق حسن التعامل معهم والتجاوز "بسماحة" حقيقية عما لا يعجبنا منهم؛ ونعتبر التعامل مع من يضايقنا منهم "كالدواء" الذي يفيدنا رغم أن مذاقه غير محبب للنفس.

فلنستعن بالرحمن دومًا وليس في رمضان فقط؛ لنكن عنوانًا للحديث الشريف: (... إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ.. إلى آخر الحديث).

فلنقم بفلترة علاقاتنا "ونحذف" منها ونبقي على صلة الرحم؛ فنزدها ولا ننقصها ونتذكر الحديث القدسي: (أنا الرَّحمنُ خلَقْتُ الرَّحِمَ وشقَقْتُ لها اسمًا مِن اسمي فمَن وصَلها وصَلْتُه ومَن قطَعها بَتَتُّه)؛ والبت هو القطع، وضاعف برك للوالدين وتذكر أن "التجهم" في وجوههما من العقوق، وكان الإمام زين العابدين ينتظر أن تأكل أمه حتى لا يمد يده إلى طعام "قد" تشتهيه هي، والبر والعقوق نأخذ "ثمارهما" بالدنيا والآخرة فلنعز أنفسنا.
 
نوصي بتجنب العصبية وطردها أولًا بأول؛ فالعصبية نار "تنال" من الصحة النفسية وتفسد العلاقات ولنتدرب في رمضان على التخلص منها "ونتسلح" بالقول - بالقلب والعقل وليس باللسان فقط -: "اللهم إني صائم" للتحكم بها، "ولمنع" الآخرين من إلقاء نيران عصبيتهم علينا برفق وحزم "لحماية" أنفسنا ولمساعدتهم أيضًا للنجاة منها.

نقوم بتغيير بعض عاداتنا في النوم والطعام في رمضان "لنصوم" بأقل جهد لأداء العبادات بأحسن ما يمكننا؛ ونستطيع -إن أردنا- "بقوة" تغيير بعض العادات في الكلام والتصرفات والتي "ثبت" بالتجربة أنها تضايق شركائنا بالحياة وغيرهم وتتسبب لنا في المشاكل؛ وهذا ليس تنازلًا بل "ذكاء" واختيار ناجح لجعل حياتنا أفضل وتقليل المشاكل وادخار الطاقات للأهم وللفوز بالصحة النفسية والجسدية اللاتي تتأثران بالسلب من المشاكل "المزمنة" في العلاقات.

نقرر الصيام ولا نتراجع أبدًا ونتحمل "برضا" رغم التعب وإرهاق الجوع والعطش لنفوز بثواب الصوم "ولنرضى" عن أنفسنا؛ ونود اختيار حسن التعامل مع الناس؛ ولنتدبر الحديث الشريف: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى"؛ فالسماحة أفضل ما "نهديه" لأنفسنا وتساعدنا على الحياة الطيبة وعلى "فلترة" علاقاتنا بالإبقاء على ما يناسبنا "وإزاحة" الباقي بلطف وبلا إهانات.

نوصي بالاهتمام مع من نقضي أوقاتنا وهل تضيف لنا أم تخصم منا؟، ودوما نستطيع الابتعاد عن العلاقات التي تتسبب في إنهاكنا نفسيًا وصحيًا مثل "عشاق" الجدال ومن يتصرفون وكأنهم دائمًا على حق ومن يتطفلون على خصوصياتنا ومن يحبون القيل والقال.

فلترة العلاقات لا تعني الحذف فقط؛ "وتتسع" لإضافة وتحسين العلاقات بالأفضل والذين لم نعطهم مكانتهم بحياتنا لإنشغالنا بالذين يستنزفوننا فهم كالطعام الملوث يضرنا وينهكنا وبلا أي فائدة..

في الصيام "ننتبه" لأهمية الطعام المفيد والذي يمنحنا "الطاقة" بالسحور ولا نتجاهله لأننا "نحب" طعامًا آخر؛ ومن المهم فلترة العلاقات التي "نحبها" لنتأكد أنها لا تحتوي على بعض الضرر، وعندما نكتشفه لا نتجاهله ونؤذي أنفسنا؛ ولنمتلك إرادة "كعزيمتنا" بالصيام ونعطي أنفسنا حقوقها.

فلنقم أيضًا بفلترة العلاقة مع النفس؛ هل نبالغ بتدليلها ومنحها كل ما تريد كالصائم الذي يفرط بعد الإفطار بتناول الطعام فينهك نفسك وهو "يتوهم" أنه يحبها، أو نبالغ بحرمانها مما تحب ونقسو عليها كالصائم الذي يقلل كثيرًا من طعامه ومن راحته بالصيام فيضاعف من تعبه بيديه.

كما نتنبه لحسن صيامنا "بالامتناع" عن كل ما يبطله فلنحرص على "امتلاك" مهارات إنجاح كل علاقاتنا، ولنبدأ بالابتسام عند التعاملات والامتناع عن الكلام الذي يضايق الناس منا، ولنتدرب على ذلك في رمضان؛ لنفز بخيري الدين والدنيا والأولى معروفة والثانية فستقل تعرضه للمناكفات وللمضايقات وسنفوز بقدر أكبر من "الصفاء" النفسي والراحة الذهنية ونحتفظ بطاقاتنا؛ التي كان يتبدد بعضها في الخلافات والعكس صحيح.

في الصيام "ننتبه" لحماية النفس من الإجهاد فلا نتورط بما يفسد الصيام من قول أو عمل؛ وبالعلاقات برمضان وبغيره يجب التنبه فعندما نشعر بالغضب الزائد أو بالإجهاد النفسي أو الجسدي فعلينا تجنب التعامل مع الناس ما استطعنا، وعدم الانفجار في وجوههم عند أقل تصرف أو كلام لا يعجبنا، والتشبث بضبط النفس، وتذكر الحديث الشريف: (إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ).

عن "بوابة الأهرام"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية