سجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي... تونس ومساءلة رموز "العشرية السوداء"

سجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي... تونس ومساءلة رموز "العشرية السوداء"

سجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي... تونس ومساءلة رموز "العشرية السوداء"


06/02/2024

قضت محكمة تونسية يوم الخميس الأول من شباط (فبراير) الجاري بسجن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وصهره (3) أعوام مع النفاذ العاجل، بتهمة تلقي حزبهم تمويلاً أجنبياً خلال انتخابات عام 2019. وقضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس بالسجن مدة (3) أعوام مع النفاذ العاجل في حق كل من رئيس النهضة، وصهره رفيق بن عبد السلام بوشلاكة، في القضية المتعلقة بحصول حزبهما على تمويل أجنبي.

وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس محمد زيتونة، في تصريحات لـ (العربية/ الحدث) يوم الخميس: إنّه جرى تخطئة الممثل القانوني للنهضة بمبلغ يعادل قيمة التمويل الأجنبي المتحصل عليه والبالغ نحو مليون و(170) ألف دولار أمريكي". وقد بدأت التحقيقات القضائية مع حركة النهضة بشبهة الحصول على تمويل أجنبي خلال الانتخابات قبل نحو (3) أعوام، بعدما تم الكشف عن عقود (لوبينغ) أبرمتها الحركة مع شركات أجنبية للقيام بحملات لصالحها، بغرض تحسين صورتها والتلاعب بالرأي العام، وذلك اعتماداً على ما كشفه التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لعام 2019.

الغنوشي موقوف منذ منتصف شهر نيسان (أبريل) 2023، بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي، على خلفية تصريح هدد فيه بإشعال حرب أهلية وبإثارة الفوضى في تونس في حال إبعاد الحركة من السلطة. كذلك صدر حكم آخر بسجنه بتهم تتعلق بتبييض الأموال والاعتداء على أمن الدولة في قضية ما يُعرف إعلامياً بشركة (أنستالينغو) المختصة في الإنتاج الإعلامي الرقمي.

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي

تعود قضية الطواغيت المتهم فيها رئيس حركة النهضة إلى قرابة العامين، وذلك حين تقدم أحد عناصر النقابات الأمنية بشكوى ضد راشد الغنوشي، اتهمه فيها بوصف رجال الأمن بـ"الطواغيت" إبّان كلمة تأبين لإحدى قيادات حركة النهضة، وقال حينها رئيس حركة النهضة: إنّه "لم يكن يخشى طاغوتاً ولا ظالماً".

مجموعة من الاتهامات

يواجه راشد الغنوشي قرابة (9) قضايا بحسب هيئة الدفاع عنه، وكانت الشرطة التونسية قد قبضت عليه بعد مداهمة منزله في 17 نيسان (أبريل) عام  2023، بتهمة التآمر ضد أمن الدولة. من جانبه قال سامي التريكي محامي الغنوشي لوكالة (فرانس برس): إنّ رئيس حركة النهضة الذي يمضي حالياً عقوبة بالسجن لمدة (15) شهراً أدين بتهمة تلقي "تمويل أجنبي" لحزبه.

جرى تخطئة الممثل القانوني للنهضة بمبلغ يعادل قيمة التمويل الأجنبي المتحصل عليه والبالغ نحو مليون و(170) ألف دولار أمريكي

إلى جانب الغنوشي تقبع قيادات بارزة بالنهضة في السجون، لمواجهتهم شبهات متعددة من بينها "التآمر على أمن الدولة"، و"التورط في شبكات التسفير إلى بؤر التوتر"، ومن بينهم: نائبا الرئيس نور الدين البحيري وعلي العريض وآخرون. ويبدو رفيق عبد السلام أكثر من كونه صهر زعيم النهضة، وأعمق من وصفه بالصندوق الأسود الذي يحمل خبيئة النهضة ليقترب من الحائط الذي تتفتت عليه كل المقاربات التي تعمل على إعادة إنتاج الحركة من جديد، وبعثها مرة أخرى بدون الغنوشي والقيادات التاريخية، الأمر الذي يسمح لها بالتحرك في الفضاء التونسي، وعقد الصفقات مع الدولة للسماح لها بالعمل.

رفيق عبد السلام هو عضو المكتب السياسي لحركة النهضة ووزير خارجية تونس من 2012 إلى 2014، واستطاع قبل أيام من قرارات 25 تموز (يوليو) عام 2021 أن يخرج من تونس رفقة معاذ نجل الغنوشي. وفي هذا السياق وصف الباحث التونسي محمد ذويب الحكم على راشد الغنوشي بكونه أمراً متوقعاً يتعلق بتمويلات حركة النهضة التي تؤكد عدة معطيات ارتباطاتها الأجنبية والدولية، وتلقيها الأموال من الخارج. وهذا واقع تأكد حتى في التسريب الأخير للقيادي بالحركة منذر بالحاج والصحفية شهرزاد عكاشة، بحسب المصدر.

زلزال متوقع داخل النهضة

يلفت الكاتب السياسي محمد ذويب في إطار حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ هذا الحكم، وغيره من السياقات، يشير إلى أنّ حركة النهضة ستشهد تطورات تغييرات كبيرة خلال المدة القادمة، وحقيقة الأمر أنّ تلك التبدلات والتغيرات تأخرت كثيراً، حيث إنّ الواقع السياسي بشكل عام وما يعتري حركة النهضة من الداخل كان يلزم الجميع بحدوث ذلك منذ أعوام، خاصة على مستوى قيادة الحركة، وكذا على مستوى خطابها وأفكارها. بيد أنّ واقع وأثر وثقل قرارات 25 تموز (يوليو) دفع بكل قوة قيادات الحركة للتفكير في التغيير.

ويتابع ذويب قائلاً: إنّ الأمين العام الجديد للنهضة السيد العجمي الوريمي أكد أكثر من مرة  نية حركة النهضة نحو التغيير، خاصة أنّها شهدت عدة انشقاقات وانسحابات في مستوى قياداتها، فضلاً عن التراجع الملحوظ في شعبيتها، وبالتالي، والحديث للمصدر ذاته، ستعمل النهضة لا محالة في الأفق المنظور نحو التغيير النسبي، ولو مرحلياً، بغية التكيف مع الواقع السياسي الجديد في تونس. وهذا الواقع من خلال رؤية الرئيس قيس سعيد ومسار 25 تموز  (يوليو) نقل قيادات حركة النهضة من حكام  تونس، كما يريدون، إلى مساجين، وأخرج الحركة برمتها من حيز السلطة.

ويشير ذويب إلى أنّ مستوى التغيير الذي ينبغي أن يطرأ على حركة النهضة سيكون شاملاً كل شيء، بحيث يصبح التغيير على مستوى القيادات الأولى، وأيضاً اسم الحركة وخطابها وتصورها للوضع في تونس، وأن يدرك الجميع في النهضة أنّ اللحظة الحالية ستخضع لأحكام القضاء، والتي رفعت الغطاء تماماً عن  القيادات التي كانت محمية سابقاً، وصارت تقاضيها كبقية التونسيين.

من الصعوبة بمكان النظر إلى كافة الاعتبارات الأخيرة التي طالت حركة النهضة في تونس، دون أن تفضي إلى نتيجة مباشرة تتمثل نحو تفكيك بنية الحركة التي عرفتها تونس خلال العقود الأخيرة، والتي وصلت إلى الحكم والسلطة، خاصة أنّها عبر تلك المرحلة فقدت كل شعبيتها أو أقلّ قليلاً في الداخل التونسي؛ ممّا أفقدها مشروعية المظلومية التي كانت تستند إليها، وذلك على خلفية فشل حركة النهضة  في البرلمان، الأمر الذي لقي استجابة واسعة حين قرر الرئيس التونسي تجميد وحل البرلمان في العام 2021، وتعدد الأزمات والانشقاقات في داخل الحركة، فضلاً عن تورطهم في عدد من القضايا الأمنية واتهامهم بالضلوع في إنشاء جهاز سري تكفل بالاغتيالات، لا سيّما مع شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والتعرض لتداعيات قرار الإدانة من الناحية القانونية، ممّا يضعنا أمام سيناريو حل الحركة بموجب التداعيات القانونية.

تبعات حادة للحكم

من جانبه يذهب الأكاديمي التونسي مراد الحاجي إلى القول: "إنّ قرار المحكمة الابتدائية بتونس بسجن الغنوشي وصهره رفيق بوشلاكة لمدة (3) أعوام هو أمر سيكون له تبعات عميقة، ومن تبعات هذا القرار أنّ حركة النهضة التي يقبع أغلب قياداتها التقليدية مثل العريض والبحيري في السجن مضطرة لتجديد الدماء فيها. 

ويضيف الدكتور مراد الحاجي في سياق تصريحاته لـ (حفريات): إنّ الأثر الأكبر والحقيقي لهذا القرار من المحكمة يتعلق بطبيعة التهمة الموجهة للغنوشي، وهي تلقي تمويلات أجنبية، فهذه التهمة حسب مرسوم الأحزاب في تونس قد تؤدي إلى حل حزب النهضة. فقانون الأحزاب يحظر تلقي تمويلات أجنبية، وتصل العقوبات فيه إلى حد حل الحزب الذي تلقى تمويلاً أجنبياً، ومن هنا تجد النهضة نفسها مهددة في طبيعة وجودها القانوني. ويبدو أنّ المطالبات بحل حزب النهضة على هذا الأساس تأتي من أحزاب تونسية مساندة لمسار 25 تموز (يوليو)، ويصبح الأمر وقتها مرتبطاً برئيس الحكومة الذي ينص مرسوم الأحزاب على أنّه يمكنه الدعوة إلى حل الحزب الذي يتلقى تمويلاً أجنبياً. 

من هنا، والحديث بحسب المصدر ذاته، فإنّ حركة النهضة مهددة بالاندثار في شكلها الحالي، وهي مضطرة بذلك إلى تجديد نفسها وخروج جيل جديد بعد استبعاد الجيل القديم وفشله. ويلفت مراد الحاجي إلى أنّه من الحري الانتباه إلى أنّ صراع الأجيال ليس جديداً داخل النهضة، فهو موجود منذ مدة، ويأخذ أشكالاً متعددة، منها ما بدا من صراع بين قيادات المهجر مسنودة من قيادات تقليدية في الداخل، وبين قيادات الداخل، وهي في أغلبها من الجيل الذي يلي جيل القيادات التقليدية، وهم من قادة الاتحاد العام التونسي للطلبة في الثمانينات والتسعينات، وقد تجسد هذا الانقسام بمجرد خروج النهضة من السلطة، فقد انفصل عنها أحد أهم قيادات الداخل التي تحدثنا عنها وهو عبد اللطيف المكي، وهو وزير سابق للصحة في أكثر من حكومة من حكومات النهضة.

وقد تجسدت القطيعة من خلال تأسيس المكي لحزب سياسي جديد سمّاه حزب "العمل والإنجاز". وقد ضم الحزب عدداً من الأسماء الشابة المستقيلة من حركة النهضة، ممّا يعني أنّ هناك جيلاً جديداً يسعى إلى الانفصال عن الخطاب التقليدي للنهضة، وهو ما تجلى في خلفية الحزب، فهو لا يعتبر نفسه حزباً إسلامياً، وإنّما اعتبر في إعلانه عن نفسه أنّه حزب وطني محافظ اجتماعي ديمقراطي، ممّا يدل على محاولة القطع مع الجيل القديم في النهضة.

ويختتم مراد الحاجي حديثه لـ (حفريات) بالإشارة إلى أنّ حل النهضة، إن حدث، فسيجعل الكثير من الشباب ينضم إلى حزب المكي، خاصة أنّه شخصية وازنة في النهضة، لكنّ هذا لا ينفي أن نجد أسماء أخرى من داخل النهضة قد تتزعم أحزاباً أخرى تجدد بها الخط التقليدي، الأمر الذي يعني تأكيداً على أنّ حركة النهضة التقليدية ستجدد نفسها في حزب بمسميات مختلفة، لكنّ حزب المكي سيستقطب الجيل الجديد أكثر فأكثر.

مواضيع ذات صلة:

اعتقال الغنوشي وإغلاق مقر النهضة.. هل طويت صفحة الإخوان في تونس إلى الأبد؟

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية