سقوط الأقنعة... أبرز خسائر الحركات الإسلامية بعد "الربيع العربي"

سقوط الأقنعة... أبرز خسائر الحركات الإسلامية بعد الربيع العربي

سقوط الأقنعة... أبرز خسائر الحركات الإسلامية بعد "الربيع العربي"


22/06/2023

على مدار أعوام طويلة منذ بدايات القرن الـ (20) شهدت المجتمعات الإسلامية ظهور العديد من الحركات والتنظيمات الدينية، والتي وإن اختلفت فيما بينها حول بعض الأفكار والمنطلقات؛ إلا أنّها اتفقت حول الهدف الرئيس وهو إقامة دولة إسلامية على غرار دولة الخلافة التاريخية، وقد مرت تلك الحركات بفترات من القوة والضعف ومن الانتشار والانحسار، وبعضها استطاع أن يحقق نجاحات أكثر من الأخرى، لكنّنا شهدنا في الأعوام الماضية منذ أحداث الربيع العربي رحلة صعود ثم هبوط مفاجئ للعديد منها، وكان لكل من الصعود والهبوط أسباب وعوامل مختلفة.

يتتبع الكاتب تاريخ الجماعة والذي تراوح بين الصعود والهبوط وبين القوة والضعف من فترة زمنية لأخرى

كتاب "سقوط الأقنعة... صورة الإسلام السياسي في زمن الثورات" للدكتور أسامة السعيد والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام 2022 يناقش أسباب وآلية صعود وهبوط التيار الإسلامي بعد ثورات "الربيع العربي"، لكنّه يؤكد على فكرة معينة وينطلق منها مفادها أنّ السقوط من الحكم لم يكن هو الخسارة الأهم التي واجهتها تلك الحركات، كما ترى هي ويرى الكثيرون كذلك، لكنّ الخسارة الحقيقية تمثلت في تشوه الصورة الذهنية الراسخة عن تلك الحركات في نظر الكثيرين والتي تسببت فيها الممارسات التي قامت بها الحركات بعد الثورات، تلك الصورة التي ظلت ترسم فيها الحركات وتصنعها عبر أعوام وترسخها في العقول، والتي كانت تمثل رأس مالها الحقيقي، حتى كانت لحظة الربيع العربي بمثابة "سقوط للأقنعة"، وهي ليست خسارة وقتية ولكنّها سوف تؤثر على مستقبلها بشكل كبير، ويركز الكاتب على جماعة الإخوان والتيار السلفي بتنوعاته وذلك في (3) دول، هي مصر وليبيا وتونس.

غلاف الكتاب

الإخوان المسلمون من الدعوة إلى السياسة

في أحد فصول الكتاب يتتبع الكاتب تاريخ الجماعة والذي تراوح بين الصعود والهبوط وبين القوة والضعف من فترة زمنية لأخرى، ويرى أنّ الجماعة بدأت في مصر كجماعة دعوية، حيث إنّ البُعد السياسي لم يكن واضحاً في المرحلة الأولى لتكوين الجماعة بقدر ما كانت تركز على الجانب الدعوي، ويتضح ذلك من خلال أدبيات الجماعة وقانونها الأساسي وممارساتها في ذلك الوقت، ثم بدأت فيما بعد بالدخول في مرحلة جديدة حاولت خلالها كما يصف الكاتب أن تفرض نفسها بقوة وأن تكون رقماً صعباً في معادلة السياسة المصرية، سواء باستخدام أدوات سياسية مثل ترشح بعض أعضائها ومنهم البنا في الانتخابات التشريعية، أو باستخدام أدوات غير سياسية مثل تكوينها للنظام الخاص، وعند قيام ثورة تموز (يوليو) كانت بالفعل الجماعة رقماً صعباً في المعادلة، لكنّها لم تستمر كذلك لوقت طويل، فقد حدث صدام مع النظام الحاكم نتج عنه اختفاء الجماعة عن المشهد لأعوام، لتعود بعدها بنحو (20) عاماً عندما تولى السادات الحكم ليمنح الجماعة فرصتها في إعادة بناء هيكلها التنظيمي والتغلغل في المجتمع بدرجة كبيرة.

يرى الكاتب أنّ التيار السلفي تيار متنوع، والحالة السلفية ليست متجانسة في الإيديولوجيات والأفكار، لكنّها تتضمن توجهات متنوعة ومتباينة ومتصارعة في أحيان كثيرة، سواء في الأفكار أو الأهداف أو آليات التغيير وفي المواقف السياسية

 

ويرى الكاتب أنّ تلك الفترة حاولت الجماعة فيها أن تغير من خطابها وتتخلص من أفكار سيد قطب وتتبنّى أفكاراً أكثر انفتاحاً، لكنّها لم تستطع أن تتخلص من إرث سيد قطب، ربما لأنّ التغيير كان ظاهرياً من أجل تحقيق بعض المكتسبات، وهذا ما ظهر فيما بعد 2013 حيث تم استدعاء تلك الأفكار في إطار الصراع مع الدولة، وعلى الرغم من أنّ نمط العلاقة بين الجماعة والنظام قد تغير فيما بعد أثناء فترة حكم مبارك؛ إلا أنّ الكاتب يرى أنّ الجماعة استطاعت أن تستفيد في تلك الفترة بدرجة كبيرة من خلال التمدد في النقابات والجامعات ومن خلال العمل الخيري، وعلى الجانب الآخر فإنّ نظام مبارك اتبع سياسة معينة تجاه الجماعة تعتمد على تحجيم دورها، لكن مع عدم التخلص منها بشكل نهائي من أجل الاستفادة من وجودها واتخاذه مبرراً لعدم إجراء إصلاحات سياسية مطلوبة، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان وتداول السلطة، وبعد ثورة كانون الثاني (يناير)، يرى الكاتب أنّ خطاب الجماعة اتسم بعدة سمات ربما تمثل أسباباً لحدوث العديد من الأزمات والخلافات بين الجماعة وبين التيارات السياسية الأخرى، والتي انتهت بالمطالبة بإسقاط الجماعة من الحكم؛ ومن بين هذه السمات أوّلاً الغموض، وأيضاً البراجماتية التي تصل أحياناً إلى الميكافيلية، والغرور والاستعلاء، كما اتسم كذلك خطابها بالمراوغة.

التيار السلفي من تحريم السياسة إلى ممارستها

ويلفت الكاتب إلى أنّ التيار السلفي تيار متنوع، والحالة السلفية ليست متجانسة في الإيديولوجيات والأفكار، لكنّها تتضمن توجهات متنوعة ومتباينة ومتصارعة في أحيان كثيرة، سواء في الأفكار أو الأهداف أو آليات التغيير وفي المواقف السياسية، وقد اختلف الموقف السلفي قبل الثورة من العمل السياسي تبعاً لتعدد مكونات التيار السلفي، فهناك من كان يرى تحريم ممارسة العمل السياسي من الأساس، وهناك من كان يرى ضرورة تأجيل هذه الممارسة حتى يتم إعداد جيل يتم تربيته على أسس فكرية معينة، وهناك من كان يرى ضرورة تغيير الأنظمة بالقوة المسلحة وعدم الانخراط في الممارسة السياسية لأنّها حسب رؤيته عمل مخالف للشريعة، لكن في المجمل كان التيار السلفي قبل الثورة مبتعداً عن ممارسة العمل السياسي، ورغم حضور التيار السلفي وتأثيره في المجتمع قبل الثورة من خلال الدروس الدينية في المساجد والعمل الخيري في الجمعيات والمؤسسات وتقديم الخدمات المختلفة مثل إقامة المستشفيات الخيرية وتنظيم رحلات الحج والعمرة وغيرها من الوسائل التي حققت له الانتشار والتغلغل في المجتمع، لكنّه كان حضوراً تحت السطح حتى جاءت ثورة كانون الثاني (يناير)، وخرج بقوة إلى سطح العمل العام بشكل كان مفاجئاً للكثيرين، وعلى الرغم من معارضة الغالبية من مكونات التيار السلفي للثورة ووصفها بأنّها خروج على الحاكم بشكل مخالف للدين؛ إلا أنّه بعد سقوط نظام مبارك كان السلفيون من أوائل التيارات المشاركة في العملية السياسية ومن أبرز التيارات السياسية التي حصلت على مقاعد برلمانية، وذلك من خلال حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية بالإسكندرية.

عندما وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم فوجئ الجميع بالتخبط والافتقار إلى أيّ طرح سياسي أو اقتصادي حقيقي قادر على انتشال الدولة من أزمتها، أيضاً لم تكن الجماعة تمتلك كوادر قادرة على إدارة الدولة

ويرى الكاتب أنّه على الرغم من أنّ موقف حزب النور بعد سقوط الإخوان من الحكم كان يتسم بالبراجماتية، حيث اتخذ الحزب موقفاً مؤيداً للإجراءات التي تمّت تجاه الإخوان؛ إلا أنّ الواقع الآن يشهد تراجعاً سياسياً للحضور السلفي ممّا هو في الدعوة السلفية وحزب النور، وهذا يرجع وفق الكاتب لعدة أسباب؛ منها: حدوث انقسامات في الحزب سواء قبل حزيران (يونيو) 2013 أو بعدها، وموقف الحزب من سقوط الإخوان من الحكم أفقده جزءاً من التعاطف والدعم الشعبي، وأيضاً طبيعة خطاب الحزب الملتبس تجاه عدد من القضايا من هوية الدولة والعلاقة مع القوى المدنية، وهناك تحول في المزاج الانتخابي بسبب تعاظم المخاوف من وجود قوى الإسلام السياسي في المشهد مرة أخرى.

أداء الإسلاميين بعد الثورة هل كان سبباً للسقوط؟

وينوّه الكاتب إلى أنّ الإسلاميين روجوا كثيراً قبل الثورة لفكرة أنّهم البديل المناسب للنظام الحاكم، وكانوا يطرحون فكرة أنّ الإسلام هو الحل، وأنّهم هم الذين يفهمون هذا الإسلام ويملكون القدرة على تطبيقه، ومن ثم حل كل المشكلات التي يعاني منها المجتمع، لكن عندما وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم فوجئ الجميع بالتخبط والافتقار إلى أيّ طرح سياسي أو اقتصادي حقيقي قادر على انتشال الدولة من أزمتها، أيضاً لم تكن الجماعة تمتلك كوادر قادرة على إدارة الدولة؛ ممّا رسخ قناعة لدى قطاع كبير من المجتمع بأنّ الجماعة لا تصلح سوى لمقاعد المعارضة، كما تسببت الحركات عبر خطابها السياسي والدعوي في إحداث العديد من الأزمات السياسية والاجتماعية، وأثارت العديد من المخاوف لدى قطاعات من المجتمع، وقد واجهت الحركات الإسلامية بعد الثورة عدداً من التحديات، منها: تحدي الانتقال من السرية إلى العلنية؛ حيث لم تستطع تلك الحركات أن تتخلى عن السرية في العمل بشكل كامل بعد أن دأبت على ذلك أعواماً طويلة، أيضاً كان هناك تحدي الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي؛ حيث ظل الخلط بين العملين هو السمة الرئيسية للحركات سواء على مستوى الهيكل التنظيمي أو الخطاب السياسي للأحزاب المنبثقة من تلك الحركات والذي يستخدم الدين كأساس يرتكز عليه وكأداة للدعاية والترويج، أيضاً هناك تحدي إدارة التوازنات والعلاقات الداخلية في تلك الحركات؛ حيث كان الظرف السياسي والأمني قبل الثورة يمنعها من ممارسة الديمقراطية الداخلية وإدارة عدد من الاستحقاقات بشكل طبيعي، لكن بعد الثورة ظهرت العديد من الأصوات داخل تلك الحركات تطالب بإصلاحات إدارية وتنظيمية، وقد قوبلت تلك المطالب بالرفض وتسببت في انشقاقات مثلما حدث داخل جماعة الإخوان على سبيل المثال، كما كان هناك تحدٍ آخر وهو تحدي تطوير الخطاب الفكري والإيديولوجي، وهو ما لم تستطع تلك الحركات أن تقوم به وظلت متخندقة داخل أطروحاتها الفكرية دون انفتاح على أفكار وأطروحات أخرى أكثر تقدماً واعتدالاً، وكان نتيجة ذلك رفض شريحة كبيرة من المجتمع لاستمرار وجود الإخوان في الحكم واستمرار وجود الإسلاميين في المشهد السياسي بهذا الشكل.

مؤلف الكتاب الدكتور أسامة السعيد

مستقبل الحركات الإسلامية

في نهاية الكتاب يطرح الكاتب عدداً من السيناريوهات المتعلقة بمستقبل حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، لكنّه يرى قبل ذلك أنّ هناك عدداً من المحددات التي تتحكم في رسم مستقبل تلك الحركات، وهي: أنّ الفكر الذي هيمن على الذهنية العربية وأسهم في إنتاج تلك الحركات وتطورها عبر عقود ما يزال مهيمناً على المجتمع بشكل كبير، كما أنّ تعامل الأنظمة مع تلك الحركات ما يزال يدور في إطار السياسات الأمنية دون وضع استراتيجية واضحة لتفكيك البنية الفكرية التي أنتجتها؛ الأمر الذي ربما ينتج عنه في المستقبل إعادة إنتاج لتلك الحركات حين يسمح الظرف السياسي بذلك، ومن المحددات التي تتحكم في مستقبل الحركات كذلك السياسات الإقليمية ووجود بعض الدول الراعية لتلك الحركات وأخرى معادية لها، وأيضاً السياسات الغربية المتذبذبة تجاه تلك الحركات، وكذلك طبيعة الحراك السياسي والديموقراطي في المنطقة العربية، أمّا عن السيناريوهات المتعلقة بمستقبل الحركات، فإنّ الكاتب يضع اثنين خاصين بجماعة الإخوان؛ الأوّل متعلق بالجماعة في مصر والآخر بفروعها خارج مصر، حيث يرى أنّ جماعة الإخوان داخل مصر سوف تستمر في حالة الجمود والانقسام التي هي عليها، وسوف تستمر الأزمة الداخلية في الجماعة، وسيظل تغليب الاعتبارات الأمنية والتنظيمية قائم على أولويات المراجعة الفكرية؛ ممّا سيؤدي إلى استمرار المأزق الذي تعيشه الجماعة، والسيناريو الآخر هو إجراء مراجعات فكرية وتنظيمية عميقة، وهو ما يرجحه الكاتب بالنسبة إلى فروع الجماعة خارج مصر، وهو ما يحدث في تونس من حيث فصل حزب النهضة بين العمل السياسي والدعوي، وفي الأردن حيث إجراء تعديلات على النظام الأساسي للجماعة، وفي لبنان كذلك.

مواضيع ذات صلة:

كلينتون توضح كيف دعمت أمريكا المحتجين في "الربيع العربي".. ما علاقة روسيا؟

كيف استجابت الحركات السلفية رقمياً في ظلّ الربيع العربي؟

كيف أثرت أحداث "الربيع العربي" في الخطاب الديني؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية