سكان غزة يتعلّمون العبرية ولهم في ذلك مآرب شتى

سكان غزة يتعلّمون العبرية ولهم في ذلك مآرب شتى


07/02/2022

قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، عام 2000، كانت اللغة العبرية تنتشر بشكل كبير بين العمال داخل إسرائيل؛ نظراً إلى تواصلهم مع  أصحاب العمل، لكن كان ذلك مقتصراً على المحادثة فقط، دون معرفتهم القراءة والكتابة، وبعد منعهم من دخول إسرائيل للعمل بعد الانتفاضة، لم تجد تلك اللغة الاهتمام الكبير في قطاع غزة، ولم يعد أحد يتحدث بها.

ومع مرور الوقت، نتيجة تطور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ونشأة أجيال فلسطينية جديدة، تؤمن بقاعدة "من تعلّم لغة قوم أمِن مكرهم"، أصبح هناك إقبال كبير على تعلّم اللغة العبرية، داخل المراكز التعليمية الخاصة، خاصة بعد اندلاع الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال السنوات الماضية.

اقرأ أيضاً: الأوقاف المصرية تُصدر نسخة للقرآن الكريم باللغة العبرية... لماذا؟

وتُدرَّس اللغة العبرية بالجامعات الفلسطينية، لكن بشكل مبسّط من خلال مساق اختياري، لا يكفي لتعلم أساسيات تلك اللغة، وطريقة الكتابة والمحادثة، وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية، لا يجيد خريجو الجامعات اللغة العبرية على الإطلاق، لذلك من يريد تعلمها يبحث عن مركز تدريب خاص، للالتحاق بالدورات التدريبية التي يعلنون عنها.

 أصبح هناك إقبال كبير على تعلّم اللغة العبرية

وعام 2012، قرّرت وزارة التربية والتعليم العالي في قطاع غزة اعتماد مساق اللغة العبرية بالمنهاج الفلسطيني لطلبة المرحلة الثانوية، وتم تطبيق القرار بالفعل لمدة فصل دراسي كامل، ولكن بعد ذلك توقفت الوزارة عن ذلك، بذريعة أنّها لم تعد قادرة على دفع التكاليف المادية للمشروع، وتمّ إيقافه حتى يومنا هذا.

اقرأ أيضاً: أسرى فلسطينيون محررون يؤسسون منصة إلكترونية لتعليم العبرية: اعرف عدوك

ويقتصر تعليم اللغة العبرية في قطاع غزة، فقط داخل مراكز التعليم الخاصة، والتي تمتلئ بالمتدربين من مختلف شرائح القطاع،  سواء كانوا "طلبة، أو صحفيين، أو خبراء بالشأن السياسي، أو حتى تجار"، وغيرهم من الذين أرادوا تعلم اللغة العبرية، وإتقانها بشكل صحيح، ليتمكّنوا من القراءة والكتابة والتحدّث.

 لغة الأعداء

ويقول محمد أبو سليمان، في حديثه لـ "حفريات": "اللغة العبرية لها أهمية كبيرة، ويجب أن يكون لها نصيب بالمنهاج الفلسطيني أسوة باللغة الإنجليزية، خاصة أنّها لغة أعدائنا، لكن لا يوجد اهتمام بتعليم تلك اللغة بالمراحل التعليمية الأساسية، لترسيخها في عقول الطلبة، حتى الجامعات لا تفرضها كمادة أساسية، مثل بعض اللغات، وتكون فقط مادة اختيارية يتم استبدالها بمادة أخرى".

أحمد الفليت، أسير فلسطيني محرّر، تعلم اللغة العبرية أثناء فترة الاعتقال، وبعد الإفراج عنه قرّر أن يفتتح أول مركز مختصّ لتعليم اللغة العبرية في قطاع غزة، وسمّاه "نفحة"

يضيف: "منذ الصغر، كان لديّ شغف بتعلم اللغة العبرية، كوني أتقن اللغة الإنجليزية بشكل جيد، لكنني لم أحظَ بفرصة حقيقة، والمادة التي درستها خلال الدراسة الجامعية لم تكن كافية؛ لذلك قررت تعلمها بشكل معمّق، ودرست دبلوم اللغة العبرية في أحد المراكز التدريبية العاملة في غزة، وبعد ستة أشهر فقط أصبحت على دراية كاملة بهذه اللغة، وأصبحت أجيد القراءة والكتابة بشكل جيد".

اقرأ أيضاً: بانوراما قطاع غزة: إعادة الإعمار أو تجديد التدمير؟

يواصل حديثه: "ليس من الضروري أن يكون لنا تعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، حتى نتعلم اللغة العبرية، فهؤلاء احتلوا أرضنا، ويجب أن نتعلم لغتهم وثقافتهم، حتى نأمن مكرهم، ونستطيع معرفة ما يفكرون به، فبعد الانتهاء من الدبلوم التدريبي أصبح بإمكاني متابعة الصحف والمواقع العبرية، وصفحات بعض الصحفيين والمحليين الإسرائيليين، وقراءة ما يكتبونه على صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والردّ عليهم بكلّ سهولة".

تُدرَّس اللغة العبرية بالجامعات الفلسطينية، لكن بشكل مبسّط من خلال مساق اختياري

وفي سياق متصل، وبعد الانتهاء من المحاضرات الجامعية تذهب الطالبة نور أبو حرب (21 عاماً) إلى أحد المراكز التدريبية لحضور محاضرة أخرى، لكنّ تلك المحاضرة ليست في مجال دراستها الصحافة والإعلام، وإنما لتعلم اللغة العبرية.

اقرأ أيضاً: مؤرخ مغربي: النبي موسى لم يكن على دراية بالعبرية

تجلس نور على أحد المقاعد الدراسية داخل المركز، وكلّها آذان مصغية للمدرب، لاستيعاب ما يقدمه لهم خلال تلك المحاضرة، فخلال أقل من شهرين أتقنت لفظ سائر الحروف العبرية بشكل صحيح، بالإضافة إلى معرفة بعض المرادفات الأساسية، وأصبح بإمكانها وضعها في جمل، والتحدث بها دون وجود عقبات.

اللغة العبرية بسيطة جداً

وبسؤالها عن سبب التحاقها بتلك الدورة التدريبية، أجابت أبو حرب: "لديّ شغف كبير للتعرّف إلى ثقافة الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى متابعة وسائل الإعلام الناطقة باللغة العبرية، وقراءة الأخبار، والتقارير التي ينشرونها عن الفلسطينيين، خاصة وقت الحروب، حتى ننقل الأخبار بشكل صحيح عن تلك المواقع كما هي دون تحريف".

اقرأ أيضاً: تمكين السلطة الفلسطينية ومحاصرة حماس: قطاع غزة يختنق

تضيف: "اللغة العبرية بسيطة جداً، وتعملها يكون بفترة قصيرة، وهي أسهل من لغات كثيرة، وأنا لم أجد صعوبة أثناء تعلمها، والمصطلحات العبرية غير معقدة، ويتم حفظها بكل سهولة، وبإمكان أيّ شخص تعلمها بفترة قصيرة، على خلاف بعض اللغات التي يحتاج تعلمها، وإتقانها إلى عدة سنوات؛ لذلك أدعو جميع شرائح المجتمع الفلسطيني الاهتمام بهذه اللغة وتعلمها".

الطالبة نور أبو حرب لـ"حفريات": خلال أقل من شهرين أتقنت لفظ سائر الحروف العبرية، بالإضافة إلى معرفة بعض المرادفات الأساسية، وأصبح بإمكاني وضعها في جمل، والتحدث دون عقبات

أما التاجر عبد الرحمن فريج، والذي يستورد بضائع من الجانب الإسرائيلي، فلجأ إلى تعلم اللغة العبرية، حتى يتمكن من التعامل مع التجار الإسرائيليين، وأصحاب المصانع الذي يستورد منهم بضاعته.

لقراءة العقود التجارية

يقول في حديثه لـ "حفريات": "كنت غير مقتنع بتعلم اللغة العبرية على الإطلاق، كونها ليست لغة أساسية في غزة، ولا يوجد احتكاك مباشر بيننا وبين الإسرائيليين، ولكن عندما أصبحت أذهب إلى تل أبيب لجلب البضائع الإسرائيلية إلى غزة، وبدأت بالتعامل مع التجار هناك، أدركت أنها لغة مهمة، لذلك سارعت بالتسجيل لأخذ دورة تدريبية تمكنني من التحدث والقراءة".

بعد بدء الإعلان عن دورات وبرامج تدريبية كاملة لتعلم اللغة العبرية وأساسياتها في غزة، أصبح هناك إقبال متزايد على تعلمها

يضيف: "قبل الالتحاق بالدورة التدريبية لتعلم اللغة العبرية، كنت لا أستطيع قراءة العقود المبرمة بيني وبين الشركات الإسرائيلية التي أستورد منها البضائع، كونها مكتوبة بالعبرية، وتواصلي معهم كان بواسطة أصدقاء يتحدثون اللغة العبرية، لكنّني اليوم أصبحت أجيد القراءة والكتابة والمحادثة دون مساعدة أحد".

أحمد الفليت، أسير فلسطيني محرّر، أُفرج عنه عام 2010، ضمن صفقة وفاء الأحرار بعد اعتقال دام عشرين عاماً، تعلم اللغة العبرية خلال دراسته بالجامعة العبرية أثناء فترة الاعتقال، وبعد الإفراج عنه قرّر أن ينشر تلك اللغة في قطاع غزة، وافتتح أول مركز مختصّ لتعليم اللغة العبرية في قطاع غزة، وأطلق عليه اسم "نفحة"، نسبة للسجن الذين كان يقبع خلف جدرانه.

غياب التوعية

يقول الفليت لـ "حفريات": "بعد الإفراج عني صُدمت بغياب ثقافة اللغة العبرية في قطاع غزة، في الوقت الذي تهتم به الجامعات العبرية بتعليم اللغة العربية وقواعدها، فهم يعرفون عنا كلّ شيء، ونحن لا نعرف عنهم إلا القليل، وذلك بسبب غياب التوعية بأهمية تعلم لغة عدونا، إضافة إلى عدم الاهتمام الرسمي بها".

اقرأ أيضاً: كيف تعمل مافيا المولّدات الكهربائية في قطاع غزة؟

يضيف: "بعد بدء الإعلان عن دورات وبرامج تدريبية كاملة لتعلم اللغة العبرية وأساسياتها في غزة، أصبح هناك إقبال متزايد على تعلمها، خاصّة من فئة الشباب الذين يريدون معرفة المزيد عن عدوّهم الذي يحتلّ أرضهم، وهذا يساعدهم على إدراك أهمية فهم المجتمع الإسرائيلي جيداً، والمخططات التي يسعون إلى تنفيذها ضدّ الفلسطينيين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية