سياسات بايدن تترنح: إيران على العتبة النووية وتتحكم بدبلوماسية الرهائن

سياسات بايدن تترنح: إيران على العتبة النووية وتتحكم بدبلوماسية الرهائن

سياسات بايدن تترنح: إيران على العتبة النووية وتتحكم بدبلوماسية الرهائن


28/08/2023

رغم انتقادات حادة تجاه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بخصوص مقارباته تجاه إيران، إلا أنّ سياسات بايدن، في ما يبدو، تتجه نحو التهدئة، وتفادي أيّ تصعيد محتمل، سياسي وأمني، بالمنطقة، خاصة مع حالة الاستقطاب القصوى على خلفية سباق الانتخابات الأمريكية. وقد ألمّحت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أنّ الإدارة الأمريكية في ظل محادثات شاقة، على مدار عامين، تحاول الوصول لنتائج في ملف المعتقلين الأجانب، ومزدوجي الجنسية، بإيران، فضلاً عن وضع قيود على الملف النووي.

صفقة أم مقامرة؟

ووفق الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، فإنّ إجراءات الإفراج عن الأمريكيين المحتجزين في إيران سوف تستغرق ما يقرب من شهرين. وقال كنعاني: "أعلنت السلطات المعنية إطاراً زمنياً محدداً وستستغرق هذه الإجراءات شهرين على الأكثر".

والاتفاق المبدئي سيؤدي، بالنهاية، لإطلاق سراح خمسة أمريكيين من أصل إيراني محتجزين في إيران، بالإضافة لعدد غير معروف من الإيرانيين المسجونين في الولايات المتحدة، وفق موقع "الحرة"، وذلك بعد أن يتم تحويل مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة من البنوك في كوريا الجنوبية إلى قطر. فيما تمّ الإعلان عن الصفقة المعقدة، التي جاءت بعد أشهر من المفاوضات غير المباشرة بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، عندما نقلت إيران أربعة من الأمريكيين الخمسة من السجن إلى الإقامة الجبرية.

لكنّ مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" قالت إنّه ينبغي "على وزارة الخزانة الأمريكية أن توضح وضع الموارد المالية الإيرانية من صندوق النقد الدولي". وقال كبير المستشارين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ريتشارد جولدبيرغ، إنّه يتعين على "وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً التعليق على ما إذا كانت تتفاوض للإفراج عن المزيد من الأموال المجمدة في اليابان أم لا".

الملف الإيراني يؤثر في دوائر عدة، خاصة مع التكتلات الإسرائيلية، فضلاً عن النشاط الحقوقي لقضية الرهائن المحتجزين بالسجون الإيرانية

وذكر عضو مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، بهنام بن طالب لو، أنّ "إيران تقوم بلعبة من أجل تحرير أموالها المجمدة من خلال اختبار الإرادة في المنطقة، واستخدام دبلوماسية الرهائن ضد الدولة التي تعتبر مهندس العقوبات في المقام الأول". وتابع: "على الكونغرس أن ينظر إلى إجراءات تحرير الأموال على أنّها محاولة لعدم مراقبة العقوبات على طهران وتخفيفها".

عتبة إيران النووية

إذاً، من البداية وبايدن ينتهج "خيار الدبلوماسية" مع إيران، وقد قطع كل منهما "شوطاً طويلاً من المفاوضات في فيينا منذ نيسان (أبريل) عام 2021 حتى أيلول (سبتمبر) عام 2022"، حسبما يوضح الباحث المصري مدير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، الذي أشار في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ المفاوضات تعطلت بعد أن كانت "قاب قوسين أو أدنى من الوصول لخريطة طريق تنتهي بعودة الاتفاق النووي".

سياسات بايدن تتجه نحو التهدئة، وتفادي أيّ تصعيد محتمل سياسي وأمني بالمنطقة، خاصة مع حالة الاستقطاب القصوى على خلفية سباق الانتخابات الأمريكية

كان السبب الرئيسي لتعثر المفاوضات، هو تدخل إيران على خط الأزمة الأوكرانية. لكن بعد تلويح إدارة بايدن والأطراف الأوروبية باستعادة العقوبات من خلال مجلس الأمن عبر آلية "سناب باك" أعادت إيران النظر في سياساتها، واتجهت نحو التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم إبداء مرونة بشأن ثلاثة مواقع كانت هناك شكوك بوجود آثار يورانيوم مخصب بها، حسبما يقول حمدي أبو القاسم.

ومن بين الإجراءات الإيرانية، تهدئة وتيرة البرنامج النووي، والسماح للوكالة بإعادة بعض أنشطتها في المراقبة والمتابعة، وكذا الحد من تدخلها في حرب أوكرانيا، ومحاولة امتصاص الغضب الأوروبي.

كما مهدت هذه الإجراءات لمفاوضات جديدة جرت في سلطنة عُمان وقطر، وقادت إلى صفقة الافراج عن "الأسرى مقابل الإفراج عن أموال إيران لدى كوريا والعراق"، وفق الباحث المصري مدير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية. ومن المتوقع أن تكون هذه الجهود مقدمة لمفاوضات أخرى تشمل البرنامج النووي وفرص إحياء الاتفاق من جديد.

ويشير حمدي أبو القاسم إلى أنّ بايدن يواجه معارضة داخلية عنيفة، ليس من الجمهوريين وحسب، ولكن من عناصر حزبه الديمقراطي أيضاً. وقد اُتخذت العديد من الإجراءات، بينما دفع البعض بمشاريع القوانين تحسباً "لتقديم بايدن ما يراه معارضوه أنّه تنازل".

وقت آخر في رصيد الملالي

ولا تمثل قصية إيران "رقماً كبيراً في الانتخابات الأمريكية. فالنزاع الدولي الراهن هو محور التركيز في السياسة الخارجية"، بحسب المصدر ذاته، وعدم الوصول لتفاهمات مع إيران باتت "مسألة حتمية لإدارة بايدن، فالوقت قد مر، وإيران أمست تمتلك المعرفة النووية التي تتيح لها تجاوز العتبة النووية. في الوقت نفسه، لا تملك إدارة بايدن رفاهية لخوض مواجهة شرسة بالمنطقة، خاصة مع الحرب الأوكرانية التي تضغط على مواردها ومخزونها العسكري. فتح جبهة في الشرق الأوسط قد يقلب المعادلة الجيوسياسية أمام الولايات المتحدة".

ويختتم حمدي أبو القاسم حديثه مؤكداً أنّه لو هناك عائد من ملف إيران على الانتخابات الأمريكية فحتماً سيكون "العائد سلبياً" وذلك بالنظر إلى "سمعة إيران داخل الولايات المتحدة بوصفها عدواً".

محمود حمدي أبو القاسم: المفاوضات تعطلت

إلى ذلك، ذكرت صحيفة "تلغراف" أنّ جو بايدن، الذي يسعى للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، بدأ حملة لتخفيف التوترات مع إيران، وأنّ جزءاً من هذه الحملة كان للضغط على طهران بهدف وقف إرسال طائرات مسيرة إلى روسيا. ووفقاً لهذا التقرير، فإنّ ضغط إدارة بايدن على النظام الإيراني هو جزء من اتفاق غير رسمي أوسع يشمل أيضاً الحد من التوترات الإسرائيلية مع إيران، ووكلائها.

الباحث محمود حمدي أبو القاسم لـ"حفريات": المفاوضات تعطلت بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الوصول لخريطة طريق تنتهي بعودة الاتفاق النووي

وقالت "تلغراف" إنّ أيّ انخفاض كبير في التوترات بين إيران والولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى وضع أكثر هدوءاً على الحدود الشمالية لإسرائيل، بالقرب من حزب الله اللبناني. فإدارة بايدن تسعى للحصول على حلول وسط مع إيران بشأن التخصيب النووي وقد تتوقف عن فرض عقوبات جديدة ضد طهران.

وإثر ذلك، شهدت جلسة سرية حضرها مسؤولون كبار من الدرجة الثانية في وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات الوطنية ومخابرات وزارة المالية، منهم ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجي أنتوني بلنكن، انتقادات لاذعة للصفقة بين واشنطن وطهران.

هل الخيار العسكري وشيك؟

ورغم سرية الجلسة إلا أنّ الصحف الأمريكية ناقشت غياب المبعوث الخاص لمفاوضات النووي الإيراني، روبرت مالي، الأمر الذي كان لافتاً في جلسة تناقش الملف الإيراني. وعلق نائب الناطق بلسان وزارة الخارجية فيدنت باتيل موضحاً أن مالي في "عطلة" قصيرة (!).

الثابت أنّ الكونغرس يقف على النقيض من "دبلوماسية" بايدن التي يلتزم بها، حتى النهاية، تجاه إيران، بينما يعتبرها الوسيلة المعتمدة للحيلولة دون امتلاكها السلاح النووي.

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور مصطفى صلاح، إنّ بايدن يستهدف من سياساته تجاه إيران، صفقة تحرير مزدوجي الجنسية مقابل الإفراج عن الأموال المجمدة في كوريا الجنوبية، أي "إنجاز يمكن استثماره انتخابياً. فالملف الإيراني له تأثير في دوائر عديدة، خاصة مع التكتلات الإسرائيلية، فضلاً عن النشاط الحقوقي المتابع لقضية الرهائن المحتجزين في السجون الإيرانية".

وبحسب صلاح، فإنّ الرهانات العسكرية غير مطروحة في أجندة بايدن السياسية، مع الأخذ في الحسبان أنّ البنتاغون يقوم بتكثيف الانتشار العسكري لردع طهران في مضيق هرمز وتأمين مياه الخليج وممرات الملاحة الدولية، مؤخراً.

وقال الناطق بلسان البنتاغون بات رايدر: "نأمل أن تتراجع الأنشطة الإيرانية الخبيثة، لكن الأمر يعتمد على طهران في النهاية. في غضون ذلك ستبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لضمان عدم تعكير أمن المنطقة واستقرارها وحركة السفن التجارية فيها".

مطلع الشهر الحالي آب (أغسطس)، كشف الأسطول الأمريكي الخامس، عن وصول أكثر من 3 آلاف بحار أمريكي، إلى منطقة الشرق الأوسط، وذلك في إطار استراتيجية أمريكية تهدف إلى تقوية التواجد العسكري بالإقليم، ولإنجاح عملية "ردع إيران"، ووقف احتجاز ناقلات النفط، والقرصنة البحرية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية