سياقات زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق

سياقات زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق

سياقات زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق


05/07/2023

جاءت زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق قبل يومين ولقاؤه مع نظيره السوري فيصل المقداد، ولاحقاً مع الرئيس السوري، في سياقات ما بعد الانفتاح العربي على حكومة دمشق وإعادتها إلى مؤسسات الجامعة العربية، بعد قرار القمة العربية الأخيرة التي عقدت بالسعودية أواخر أيار (مايو) الماضي، ورغم الإعلانات الحافلة بلغة دبلوماسية حول التضامن العربي والعلاقات الأخوية بين عمّان ودمشق، والتي صدرت من الجانبين الأردني والسوري بعد لقاءات الوزير الأردني في دمشق، إلا أنّه يمكن ترسيم هذه الزيارة في خارطة التطورات ما بعد القمة العربية الأخيرة بالعديد من المدارات المرتبطة بالعلاقات الثنائية بين الجانبين والبعدين الإقليمي والدولي لتطورات الملف السوري.

هناك رهانات عربية على إمكانية إنجاح مقررات القمة العربية الخاصة بالانفتاح على سوريا، وفقاً لمقاربة الخطوة بخطوة، وترجمة القيادة السورية لتعهداتها بالتسوية السياسية، وتسهيل عودة اللاجئين

زيارة وزير الخارجية بهذا التوقيت تُعدّ محطةً بالمفهوم الأردني في إطار محطات تراكمية، إضافة إلى دور فاعل تجسد في العديد من المبادرات التي قدّمها الأردن، بدأت منذ زيارة الملك عبد الله الأولى لواشنطن ولقائه مع الرئيس بايدن، وقد طرح الأردن مقاربة جديدة جوهرها ما تبنته الجامعة العربية لاحقاً والمعروفة بسياسة "الخطوة مقابل خطوة"، أي الانفتاح التدريجي على دمشق، وهو ما تمّت ترجمته عبر اجتماعات شهدتها عمّان لبحث مشروع الغاز المصري والكهرباء الأردنية للبنان عبر دمشق، بالتزامن مع فتح المراكز الحدودية لتسهيل حركة تنقل الأفراد والبضائع، ورغم كل ذلك إلا أنّه لا بدّ من الاعتراف بأنّ الإنجازات التي تحققت في إطار العلاقة الثنائية، لا سيّما في جانب التبادل التجاري، ما زالت متواضعة.

 زيارة الصفدي لدمشق تمّت بتنسيق مع عواصم عربية فاعلة بالملف السوري كالرياض وأبوظبي والقاهرة

من المرجح أنّ زيارة الصفدي لدمشق تمّت بتنسيق مع عواصم عربية فاعلة بالملف السوري كالرياض وأبوظبي والقاهرة، لمتابعة مقررات القمة العربية التي تضمنت اشتراطات بالانفتاح على دمشق مقابل خطوات يفترض أن تقوم بها الحكومة السورية، بما فيها الوجود الأجنبي في سوريا والتسوية السياسية وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، لكنّ العلاقة الثنائية يبدو أنّها الأكثر حضوراً في موضوعات الزيارة، لا سيّما أنّها أصبحت تدار أردنيّاً بمرجعيتين، وهما:

الأولى: مواجهة عمليات تهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن، بما فيها من تطورات جديدة تتمثل بالتوسع باستخدام الطائرات المسيّرة، والتهديدات الأمنية التي يمثلها وجود ميليشيات على مقربة من الحدود الأردنية، وعلى أهمية هذه المرجعية التي تجري معالجتها بين الجانبين من خلال التنسيق بين المستويين الأمني والعسكري في البلدين، إلا أنّ مواقف وإجراءات الحكومة والأجهزة الأمنية السورية بالإضافة إلى الجيش السوري، لا تحظى بثقة كاملة من قبل نظيراتها الأردنية، في ظل اختراقات واستقواء ميليشيات إيرانية واختراقاتها لأوساط رسمية وشعبية في سوريا، وهو ما يجعل تحقيق الأهداف الأردنية مهمة ليست سهلة في المدى المنظور، وقد تدفع به لاحقاً لاتخاذ إجراءات منفردة في ظل مفهوم تغيير قواعد الاشتباك، لا سيّما أنّ لدى الأردن معلومات كاملة وشاملة حول ما يجري في الجنوب السوري.

الثانية: محاولة إقناع القيادة السورية، وفقاً للقرار العربي، بإنتاج مقاربة جديدة تسهل أردنياً وعربياً تخفيف حدة الشكوك والضغوط والرفض الأمريكي والأوروبي للقرارات العربية بالانفتاح على دمشق، فأمريكا وأوروبا تبني مواقفها تجاه سوريا في ظل تطورات الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، بالإضافة إلى التواجد والتهديد الذي تمثله إيران وانتشارها في سوريا، ويبدو أنّ واشنطن وعواصم أوروبية ماضية في اتخاذ إجراءات تتضمن "دعم الشعب السوري" ومحاصرة النظام، من خلال دعاوى في الجنائية الدولية ضد القيادة السورية بتهم جرائم ضد الإنسانية واستخدام أسلحة كيماوية محرمة دولياً واختفاءات قسرية، وتشكيل لجان أممية لمتابعة شؤون المفقودين، من المؤكد أنّ نتائجها ستوسع مساحة الاتهامات التي ستوجه للسلطات اسورية.

العلاقة الثنائية أصبحت تدار أردنيّاً بمرجعيتين؛ الأولى: مواجهة عمليات تهريب المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن، والثانية: محاولة إقناع القيادة السورية، بإنتاج مقاربة جديدة تسهل أردنياً وعربياً تخفيف حدة الرفض الأمريكي والأوروبي للقرارات العربية بالانفتاح على دمشق

تطورات ما بعد القمة تشير إلى عنوانين رئيسين في المشهد السوري، الأوّل: المصالحة السياسية بين المعارضة والنظام، والثاني: عودة اللاجئين السوريين، ويبدو أنّ اختراقات تحققت في إطار المصالحة بإنهاء صيغة أستانا، وقبول الطرفين مبدأ المفاوضات والاعتراف المتبادل، ويبدو أنّ هذا الملف سينتقل من كونه ملفاً روسيّاً تركيّاً إيرانيّاً إلى ملف دولي تحت مظلة الأمم المتحدة، ولا شك أنّ قوى فاعلة بهذا الملف سهلت هذا الانتقال، وهي العواصم المعروفة بـ "المنصات" التي تحتضن أطيافاً من المعارضة السورية في الدوحة وأنقرة والرياض وغيرها، أمّا بخصوص العنوان الثاني، وهو عودة اللاجئين، فبالإضافة إلى كونها مسألة معقدة ومتشابكة لأسباب مرتبطة برفض الكثير من اللاجئين العودة إلى سوريا  لعدم وجود ضمانات بالأمان، ثم إنّ تجارب عودة كثير منهم لا تشجع على العودة، بعد عمليات تصفية واغتيال واعتقال، بالإضافة إلى تسوية بيوت كثير منهم بالأرض أو الاستيلاء عليها ومصادرتها من قبل السلطات السورية وميليشيات إيرانية، بالتزامن مع عروض لإعادة بعضهم إلى مناطق غير مدنهم الأصلية، لا سيّما في الشمال السوري.

هناك رهانات عربية على إمكانية إنجاح مقررات القمة العربية الخاصة بالانفتاح على سوريا،

وفي الخلاصة، واضح أنّ هناك رهانات عربية على إمكانية إنجاح مقررات القمة العربية الخاصة بالانفتاح على سوريا، وفقاً لمقاربة الخطوة بخطوة، وترجمة القيادة السورية لتعهداتها بالتسوية السياسية، وتسهيل عودة اللاجئين، ويبدو أنّ المؤشرات الأولية لا ترسل رسائل إيجابية تؤسس لما يمكن أن يفاوض به الجانب العربي ويقدّمه للغرب، لتغيير مواقفه من القيادة السورية، لا سيّما أنّ تياراً نافذاً في القيادة السورية ما يزال يرى في الانفتاح العربي على سوريا انتصاراً لدمشق والممانعة العربية على الغرب وحلفائه في الشرق الأوسط، ولا يؤيد أيّ مصالحة بين دمشق والدول العربية، ويرى أنّ تحالف دمشق يجب أن يبقى مع طهران وموسكو فقط.

مواضيع ذات صلة:

عودة سوريا إلى الجامعة العربية والتقارب مع تركيا... الإخوان يعيشون أسوأ أيامهم

الإخوان في سوريا: إدانة العرب والتبرير لتركيا

توترات بين أمريكا وروسيا في سوريا: ما علاقة ميليشيات إيران؟

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية